وَقد رَأَيْت أَن أذكر هُنَا فَائِدَة تَنْفَع الْمطَالع فِي كثير من الْمَوَاضِع وَهِي أَن مثل هَذَا يعد من قبيل اخْتِلَاف الْعبارَات لَا اخْتِلَاف الاعتبارات وَهُوَ لَيْسَ من قبيل الِاخْتِلَاف فِي الْحَقِيقَة كَمَا يتوهمه الَّذين لَا يمعنون النّظر فَإِنَّهُم كلما رَأَوْا اخْتِلَافا فِي الْعبارَة عَن شَيْء مَا سَوَاء كَانَ فِي تَعْرِيف أَو تَقْسِيم أَو غير ذَلِك حكمُوا بِأَن هُنَاكَ اخْتِلَافا فِي الْحَقِيقَة وَإِن لم تكن تِلْكَ الْعبارَات مُخْتَلفَة فِي الْمَآل
وَقد نَشأ عَن ذَلِك أغلاط لَا تحصى سرى كثير مِنْهَا إِلَى أنَاس من الْعلمَاء الْأَعْلَام فَذكرُوا الِاخْتِلَاف فِي مَوَاضِع لَيْسَ فِيهَا اخْتِلَاف اعْتِمَادًا على من سبقهمْ إِلَى نَقله وَلم يخْطر فِي بالهم أَن الَّذين عولوا عَلَيْهِم قد نقلوا الْخلاف بِنَاء على فهمهم وَلم ينتبهوا إِلَى وهمهم وَكَثِيرًا مَا انتبهوا إِلَى ذَلِك بعد حِين فنبهوا عَلَيْهِ وَذَلِكَ عِنْد وقوفهم على الْعبارَات الَّتِي بنى الِاخْتِلَاف عَلَيْهَا النَّاقِل الأول وَقد حمل هَذَا الْأَمر كثرا مِنْهُم إِلَى فرط الحذر حِين النَّقْل
وَقد أَشَارَ إِلَى نَحْو مَا ذكرنَا الإِمَام تَقِيّ الدّين أَبُو الْعَبَّاس أَحْمد بن تَيْمِية فِي رسَالَته فِي قَوَاعِد التَّفْسِير فَقَالَ الْخلاف بَين السّلف فِي التَّفْسِير قَلِيل وغالب مَا يَصح عَنْهُم من الْخلاف يرجع إِلَى اخْتِلَاف تنوع لَا اخْتِلَاف تضَاد وَذَلِكَ صنفان
أَحدهمَا أَن يعبر وَاحِد مِنْهُم عَن المُرَاد بِعِبَارَة غير عبارَة صَاحبه تدل عل معنى فِي الْمُسَمّى غير الْمَعْنى الآخر مَعَ اتِّحَاد الْمُسَمّى كتفسير بَعضهم الصِّرَاط الْمُسْتَقيم بِالْقُرْآنِ أَي اتِّبَاعه وَتَفْسِير بَعضهم لَهُ بِالْإِسْلَامِ فالقولان متفقان لِأَن دين الْإِسْلَام هُوَ اتِّبَاع الْقُرْآن لَكِن كل مِنْهُمَا نبه على وصف غير وصف الآخر كَمَا أَن لفظ الصِّرَاط الْمُسْتَقيم يشْعر بِوَصْف ثَالِث
1 / 38