ثمَّ اقتفى الْحفاظ آثَارهم فصنف الإِمَام أَحْمد مُسْندًا وَكَذَلِكَ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعُثْمَان بن أبي شيبَة وَغَيرهم
وَلم يزل التَّأْلِيف فِي الحَدِيث مُتَتَابِعًا إِلَى أَن ظهر الإِمَام البُخَارِيّ وبرع فِي علم الحَدِيث وَصَارَ لَهُ فِيهِ الْمنزلَة الَّتِي لَيْسَ فَوْقهَا منزلَة فَأَرَادَ أَن يجرد الصَّحِيح ويجعله فِي كتاب على حِدة ليخلص طَالب الحَدِيث من عناء الْبَحْث وَالسُّؤَال فألف كِتَابه الْمَشْهُور وَأورد فِيهِ مَا تبين لَهُ صِحَّته
وَكَانَت الْكتب قبله ممزوجا فِيهَا الصَّحِيح بِغَيْرِهِ بِحَيْثُ لَا يتَبَيَّن للنَّاظِر فِيهَا دَرَجَة الحَدِيث من الصِّحَّة إِلَّا بعد الْبَحْث عَن أَحْوَال رُوَاته وَغير ذَلِك مِمَّا هُوَ مَعْرُوف عِنْد أهل الحَدِيث فَإِن لم يكن لَهُ وقُوف على ذَلِك اضْطر إِلَى أَن يسْأَل أَئِمَّة الحَدِيث عَنهُ فَإِن لم يَتَيَسَّر لَهُ ذَلِك بَقِي ذَلِك الحَدِيث مَجْهُول الْحَال عِنْده
واقتفى أثر الإِمَام البُخَارِيّ فِي ذَلِك الإِمَام مُسلم بن الْحجَّاج وَكَانَ من الآخذين عَنهُ والمستفيدين مِنْهُ فألف كِتَابه الْمَشْهُور
ولقب هَذَانِ الكتابان بالصحيحين فَعظم انْتِفَاع النَّاس بهما وَرَجَعُوا عِنْد الِاضْطِرَاب إِلَيْهِمَا وألفت بعدهمَا كتب لَا تحصى فَمن أَرَادَ الْبَحْث عَنْهَا فَليرْجع إِلَى مظان ذكرهَا
هَذَا وَقد توهم أنَاس مِمَّا ذكر آنِفا أَنه لم يُقيد فِي عصر الصَّحَابَة وأوائل عصر التَّابِعين بِالْكِتَابَةِ شَيْء غير الْكتاب الْعَزِيز وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فقد ذكر بعض الْحفاظ أَن زيد بن ثَابت ألف كتابا فِي علم الْفَرَائِض
وَذكر البُخَارِيّ فِي صَحِيحه أَن عبد الله بن عَمْرو كَانَ يكْتب الحَدِيث فَإِنَّهُ روى عَن أبي هُرَيْرَة أَنه قَالَ مَا من أحد من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
1 / 50