83

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genre-genre

وإن كان نقش خاتمهم هو الأحكام الأزلية وسر القدر حتى حرموا من دولة الوصال وبه ختم { وعلى سمعهم } [البقرة: 7] حتى لم يسمعوا خطاب الملك ذي الجلال { وعلى أبصرهم غشاوة } [البقرة: 7]، من العمى والضلال، فلم يشاهدوا ذلك الجمال والكمال فلهم حرمان مقيم { ولهم عذاب عظيم } [البقرة: 7]، لأنهم منعوا من مرادهم وهو العلي العظيم، فعظم العذاب يكون على قدر عظمة المراد الممنوع منه.

ثم بعد ذكر المؤمنين وأحوالهم والكافرين وأفعالهم ذكر المنافقين وأقوالهم وأعمالهم وخصالهم بقوله: { ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر } [البقرة: 8]، والناس هم الذين نسوا الله ومعاهدته يوم الميثاق فمنهم من يقول آمنا بالله بلسانه

يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم

[آل عمران: 167]، فإن الإيمان الحقيقي ما يكون من نور الله الذي يقذفه الله في قلوب خواصه، وقوله تعالى: { وباليوم الآخر } [البقرة: 8] أي: بنور الله يشاهد الآخرة فيؤمن به، فمن لم ينظر بنور الله لا يكون مشاهد العالم الغيب، فلا يكون مؤمنا بالله وباليوم الآخر.

ولهذا قال: { وما هم بمؤمنين } [البقرة: 8] أي: بالذي يؤمنون من نور الله تعالى. وفيه معنى آخر: وما هم بمستعدين للهداية إلى الإيمان الحقيقي؛ لأنهم من غاية الغلالة والخذلان { يخادعون الله والذين آمنوا } [البقرة: 9] أي: يمكرون بالله والمؤمنين بإظهار الإيمان وإخفاء الكفر لينالوا من الله والمؤمنين منافع الإيمان من الأمان عن القتل والنهب والأسر وغير ذلك من تظلم مصالح الدنيا، والإشارة في تحقيق الآية أن الله تعالى لما قدر لبعض الناس الشقاوة في الأزل ثمر بذر سر القدر المستور في أعمال ثمرة مخادعة الله في الظاهر ولا يشعر أن مخادعته نتيجة بذر سر القدر بطريق تزيين الدنيا في نظره وحب شهواتها في قلبه كما قال تعالى:

زين للناس حب الشهوات

[آل عمران: 14]، فالخدع بزينة الدنيا وطلب شهواتها عن الله تعالى وطلب السعادة الأخروية فعلى الحقيقة هو المخادع الممكور.

كما قال تعالى:

يخادعون الله وهو خادعهم

[النساء: 142]، فعلى هذا: { وما يخدعون إلا أنفسهم } [البقرة: 9]، حقيقة في صورة مخادعتهم الله والذين آمنوا؛ لأنهم كانوا قبل مخادعتهم الله مستوجبين النار بكفرهم مع إمكان ظهور الإيمان عنهم، فلما شرعوا في إظهار النفاق بطريق المخادعة نزلوا بقدم النفاق الدرك الأسفل من النار وبطلوا استعداد قبول الإيمان وإمكانه عن أنفسهم، فكانت مفسدة خداعهم ومكرهم راجعة إلى أنفسهم { وما يشعرون } [البقرة: 9] أي: ليس لهم الشعور بسر القدر الأزلي، وأن معاملتهم في المكر والخداع من نتائجه؛ لأن { في قلوبهم مرض } [البقرة: 10]، ومرض القلب مانعهم من شعور سر القدر، والإشارة في تحقيق الآية أن سر مرض قلوبهم إنما كان من بذر تقدير شقاوتهم في الأزل، فأنبت شجرة الشك والنفاق في قلوبهم بماء حب الدنيا، فأحبهم وأعمى أبصارهم حتى لم يبق لقلوبهم الشعور بالآفات، ولو كانت قلوبهم سالمة من هذه العاهة والمرض لعلموا أن مفسدة نفاقهم ومخادعتهم راجعة إليهم في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فإن الله يظهر نفاقهم وبه يفضحهم عند النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين إلى يوم القيامة، ويزيد شؤم نفاقهم في مرض قلوبهم، كما قال تعالى: { فزادهم الله مرضا } [البقرة: 10]، وأما في الآخرة فلا ينفعهم المال والبنون وما يمكر بهم في الدنيا بسبب نفاقهم الذي يزيد في مرض قلوبهم، وإنما تكون منفعتهم هناك في القلب السليم لا في المال السليم، كما قال تعالى:

Halaman tidak diketahui