Tawilat
التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي
Genre-genre
وعلم ءادم الأسمآء كلها
[البقرة: 31].
ثم أخبر عمن يتعظ بمواعظ في المطلقات لا يؤذيهن بالمضرات بقوله تعالى: { وإذا طلقتم النسآء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن } [البقرة: 232]، والإشارة فيها أنها وإن تضمنت نهي الأولياء عن مضارتهن، وترك أحكام الجاهلية، والانقياد لحكم الله في تزويج النساء إذا أردن النكاح من دون استشعار الأنفة والحمية الجاهلية، فإنها تضمنت نهي أهل الصحبة عن مقايضة بعضهم بعضا خصوصا لمن أملى بالفرقة، وانقطع عن المعرفة؛ ثم أدركته العناية، وسلكته الهداية بعد أن بلغ أن ينكحن أزواجهن، فبقبح علمه عاد إلى صلة الإخوان بعد انقضاء مدة الهجران، فلا يعضله أحد من الخذلان أن يرجع إلى صحبة الأقران { إذا تراضوا بينهم } [البقرة: 232]، بقية الأخوان { ذلك يوعظ به } [البقرة: 232]، ويزجر بهذا الزواجر { من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر } [البقرة: 232]، لأن المؤمن ينظر بنور الله يرى أن التعاون على البر والتقوى خير من التعاون على الإثم والعدوان { ذلكم أزكى لكم } [البقرة: 232]، لنفوسكم من الأخلاق الذميمة { وأطهر } [البقرة: 232]، لقلوبكم من الأوصاف البشرية { والله يعلم } [البقرة: 232]، ما يضركم، وما ينفعكم، وما يوصلكم، وما يحجبكم { وأنتم لا تعلمون } [البقرة: 232].
[2.233-238]
ثم أخبر عن أوضاع الوالدات بعد حكم المطلقات بقوله تعالى: { والوالدات يرضعن أولادهن } [البقرة: 233]، والإشارة فيها أنها تدل من أولها إلى آخرها على أصناف ألطافه، وأوصاف إعطائه في الآية، ونعمائه مع عبيده، وأمانه أنه تبارك وتعالى أرحم بهم من الوالدات الشفيقة على ولدها في الحقيقة على أن غاية الرحمة التي يضرب بها المثل رحمة الأمهات، فالله سبحانه وتعالى أمر الأمهات بإكمال الرحمة، وإرضاع المولدات، وقال: { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين } [البقرة: 233]، وفي قطع الرضاع على المولود قبل الحولين، إشارة إلى أن - رحمة الله - للعبد أتم من رحمة الأمهات، ثم رحم على الأمهات المرضعات، وقال الله تعالى: { وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } [البقرة: 233]، ثم اشتملت رحمته بالعدل والنصفة على الأقرباء والضعفة فقال: { لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضآر والدة بولدها ولا مولود له بولده } [البقرة: 233]، في الإرضاع، وما يجب عليها من الشفقة والوالد بولده فيما يلزمه من النفقة، ثم أن الله تعالى كما أوجب حق الولد عن الوالدين أوجب حق الوالدين على المولود، وقال: { وعلى الوارث مثل ذلك } [البقرة: 233]، وهو المولود؛ ثم أنه تعالى لما علم ضعف الإنسانية، وعجز البشرية خفف عنهم، ورخص في الفطام قبل الحولين والاسترضاع للوالدين، وقال: { فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم مآ آتيتم بالمعروف } [البقرة: 233]، بعد أن راعيتم مصلحة المولود؛ ثم وعدوا وعد كل واحد منهم في رعاية الآخر وإهماله بقوله تعالى: { واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون } [البقرة: 233]، كلكم في رعاية الحقوق وإهمالها { بصير } [البقرة: 233]، فيجازي المحسن بالإحسان، والمسيء بالإساءة، وهذا أيضا من كمال اللطف والرحمة، واعلم أن الآية مشتملة على تمهيد قواعد الصحبة وتعظيم محاسن الأخلاق في أحكام العشرة؛ بل أنها اشتملت على مسبوغ الرحمة، والشفقة على البرية، فإن من لا يرحم لا يرحم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لمن ذكر أنه لم يقبل أولاده:
" إن الله لا ينزع الرحمة إلا من قلب شقي ".
ثم أخبر عن عدة المتوفى عنها زوجها ومدتها وحكمها بعد انقضاء عدتها بقوله تعالى: { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا } [البقرة: 234].
والإشارة فيها أن موت المسلم لم يكن فراقا اختياريا للزوج فكانت عدة وفاته أطول، وكذلك العبد الطالب، وإن حال الموت بينه وبين مطلوبه من غير اختياره، فالوفاء بحصول مطلوبه في ذمة كرمه محبوبه كما قال الله تعالى:
ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله
[النساء: 100]، ففي هذا التسلية قلوب المريدين؛ لئلا يقطع طريق الطلب وساوس الشيطان وهواجس النفس بأن طلب الحق بأمر عظيم وشأن خطير، وأنت ضعيف، والعمر قصير، فإن منادي الكرم من سرادقات الفضل ينادي
Halaman tidak diketahui