148

Tawilat

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

Genre-genre

ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا

[الإسراء: 72] { أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا } [البقرة: 86]، نعيمها ولذاتها وشهواتها { بالآخرة } [البقرة: 86]، برفعة درجاتها وعلو عرفانها { فلا يخفف عنهم العذاب } [البقرة: 86]، برحمة رب العالمين { ولا هم ينصرون } [البقرة: 86]، بشفاعة الشافعين.

ثم أخبر عن كمال فضله وغاية جهلهم وسنة عدله بقوله تعالى: { ولقد آتينا موسى الكتاب } [البقرة: 87]، والإشارة فيها أنا وصلنا لهم الخطاب وأردفنا رسولا بعد رسول والجميع دعوا إلى واحد لكنهم أصغوا إلى دعاء الداعين بسمع الهوى، فما استلذته النفوس قبلوه وما استثقلته أهواءهم هجروه، وهذا حال أكثر البطالين الذين تلبسوا وتشبهوا بالطالبين الصادقين بعضهم بالزي واللباس وبعضهم بالعلم والوعظ والاقتصاص قبول الناس في هذا مع أهل البصيرة من المشايخ الواصلين والعلماء الراسخين يصغون إلى كلماتهم وإشاراتهم ليسمع الهوى فما استحلته نفوسهم قبلوه، وما استكرهته أهواءهم واستغرتهم عقولهم نبذوه وراء ظهورهم بل طعنوا فيه وشنعوا عليه بجهالتهم ونكره لمقالهم، فيكذبون فريقا منهم قرارا عن تحمل أعباء الطلب ويقاتلون فريقا بالجدال وإثارة الفتنة حسدا وإنكارا والفتنة أشد من القتل.

[2.88-93]

ثم أخبر عن إنكارهم واستهزائهم بقوله تعالى: { وقالوا قلوبنا غلف } [البقرة: 88]، والإشارة فيها أنت المريد إذا ابتلي في أثناء الطلب بالوقفة والفترة ما دام متمسكا بذيل الإرادة لا يضره أحد بل يرجى رجوعه إلى صدق الطلب بمدد هذا الشيخ، فأما إذا زلت قدمه عن جادة الإرادة فأظهر الاعتراض والإنكار على شيخه ويعرض عنه حتى أدركته رد ولاية الشيخ وطرده، فابتلي بموت القلب فلا يرجي رجوعه إلى صدق الطلب حتى قال الجنيد رحمه الله: من قال لأستاذه لم لا يفلح أبدا.

ثم أخبر عن نتائج إنكارهم بقوله تعالى: { ولما جآءهم كتاب من عند الله } [البقرة: 89]، الآيتين الإشارة فيهما أن بعض إقرار الزهاد والمتقشفين من أهل العلم في كل زمان يتمنون أن يتبركوا بأحد من الأولياء والعلماء المخصوصين بالمكاشفات والمشاهدات والعلوم اللدنية، ويتوسلون بهم إلى الله تعالى عند رفع حوائجهم في مصالح دعائهم ويظهرون محبته عند الخلق، فلما وجدوا واحدا من هذا القوم ما عرفوا قدره وحدوده وطعنوا فيه وأنكروا على كلماته وأظهروا عداوته فيكون حاصل أمرهم فيه الطرد من غيرة ولاية والبعد من الله باللعن.

{ بئسما اشتروا به أنفسهم } [البقرة: 90]، أن ينكروا على أولياء الله { أن يكفروا بمآ أنزل الله بغيا } [البقرة: 90]، فتح الله لهم من حقائق العلوم حسدا { أن ينزل الله من فضله على من يشآء من عباده فبآءو بغضب } [البقرة: 90]، من رد ولاية الأولياء { على غضب } [البقرة: 90]، من الله لأوليائه فإنه في الحديث الصحيح:

" من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب وأنا أغضب لأوليائي كما يغضب الليث لحرده "

وللمنكرين { وللكافرين عذاب مهين } [البقرة: 90]، في الدنيا والآخرة، في الدنيا بالهوان عند أهل النظر الواقفين على أحوالهم وبالحرمان عن تنسم نغمات ألطاف الحق، وفي الآخرة بالخسران والفضوح وإن الإنكار على أهل العرفان يورث الحرمان والخسران.

ثم أخبر عن إصرارهم على جحودهم بقوله تعالى: { وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله } [البقرة: 91]، والإشارة فيها أنه إذا قيل للمنكرين اعتقدوا مواهب الحق التي ألهمها الله إلى أوليائه من أسرار القرآن ومعانيه وحقائقه هي مؤكدة بالبراهين من الآيات والأخبار المنقولة من المشايخ المتقدمين سمحت نفوسهم ببعض ما التمس منهم مما يوافق عقولهم وأهواءهم، وقالوا: تعتقد القرآن وما بعد له ظاهرا، ثم ينكرون بما وراء حظوظهم مع أنه الحق من ربهم محققا لما معهم من العلوم الظاهرة قال الله تعالى في جوابهم: فلو تقاتلوا وتجادلوا أولياء الله إن كنتم معتقدين للقرآن، فإن ما نطق به الأولياء فهو من أسرار القرآن وحقائقه، فالذي ينكرها فلا يكون معتقدا للقرآن بحقيقته والمقاتلة مع الأولياء مقاتلة مع الأنبياء والإنكار على كلماتهم يكون إنكارا على القرآن بحقيقة؛ لقوله تعالى:

Halaman tidak diketahui