ولكن رغم ذلك يظل الخريف أجمل الأشقياء وأحلى الفصول؛ حيث تصبح عنده الغابة وردة كبيرة خضراء، تحوم فوقها السحابات مثل فراشات ضخمة مثل عشيقات، ويصير اليوم حلما جميلا، نشيدا تموسقه الضفادع والصراصير وأطيار السقد والقبرات؛ أما المحراب ودوماته الباسقات، عروس الغابة لأن أزهار الخريف النابتة عشوائيا حول المحراب وداخل حديقته المتوحشة العرضية تعطي المكان براءة الطبيعة البكر وسلامها العفوي، وفي ذات اللحظة تجعلها شيئا متميزا متفردا.
غابة لا تشبهها غابة، حديقة لا تشبهها الحدائق.
فالمحراب جنتنا.
والمحراب عزلتنا.
والمحراب أغنية الروح ...
حديقته الصغيرة وسياج البرتقال واليوسفي، أطيار المساء تلوذ بالدومات كمخدع آمن من القطط البرية والثعالب، المحراب مكون من ثلاث قطيات: المحراب، أو مخدع الروح كما نسميه، قطية المختار، وأيضا يوجد مصلى خلف المحراب وحمام، يطل المصلى على النهر وأشجار اللوسينا الشامخة، والعرديب وبعض الأشجار النادرة، التي ربما أتت بذورها بواسطة العصافير والحيوانات والريح، في الغالب عن طريق مياه النهر المنحدرة من هضبة الأحباش، أما اللوسينا والقولد مور فلقد قمنا بزراعتها بشكل غير منتظم على طول الشاطئ الممتد من المحراب حتى الطريق العام، الذي يعبر الغابة، رابطا مدن ما بعد الغابة بمدن ما قبل الغابة.
بيني والمحراب خطوات ، لكن تحجبني عنها أشباح شجيرات السنط والهشاب الشائكة الرمادية، ثم فجأة وجدت نفسي مثل كل مرة أمام حديقة المحراب المتوحشة، أمام الدومة الأولى، أمامه مباشرة.
المختار.
يجلس في هدوء عميق وطمأنينة نادرة، على فراء أبيض من جلد العجل، قربه على الأرض عصا ذات شعبتين، عصا الأبنوس السوداء، أعلم أنه أحس بوجودي، لكنه لم يلتفت ليراني، بل ظل مكانه كتمثال الجليد، باردا هادئا غير مبال، في ذات اللحظة التي بدا فيها كصنم الجليد كنت أشعر به متوهجا كالجذوة، منفعلا بما حوله، لم ألق عليه التحية.
ليتجلى ما شاء له.
Halaman tidak diketahui