56

Kesan Teratai

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

Genre-genre

سحبت فاندا الدراجة إلى الطرقة الضيقة وأوقفتها على جنبها. شمت رائحة فانيليا، ثمة شمعة عطرية تذوي تنشر ريحها الخفيف من فوق خزانة الملابس الصغيرة. في الواقع، لم تكن زابينة من الاستهتار بحيث تترك شمعة تحترق في وقت هي فيه خارج المنزل، لا بد أنها كانت على عجلة من أمرها. مطت فاندا جسدها في المدخل الضيق المفضي إلى أعلى السلم الحلزوني، المؤدي من جهة اليسار إلى الغرفتين الصغيرتين بالطابق الأعلى. «مرحبا» قالتها بصوت عال وهي تنظر لأعلى. لم تنتظر جوابا. فمعطف زابينة ليس معلقا على الخزانة، ولم تجد سوى الشال الصوفي الأسود ذي الكنار الملون الذي كانت فاندا تحب أن تتدثر به حين تكون عند زابينة، وكان على الرف العلوي. دخلت إلى غرفة المعيشة حيث يستقر كرسي أحمر لامع يتحول بسهولة إلى أريكة مريحة عند تحريك مقبضه. كانت الغرفة تشبه بيت دمى مؤثثا على طراز الشرق الأقصى، فعلى الأقل في غرفة المعيشة كانت كل قطع الأثاث المخصصة للجلوس منخفضة عن مثيلتها المصممة وفق المعايير الغربية، وفي كلتا نافذتي الغرفة تدلى منشور بصري مصنوع من الزجاج، ثم زهريتان متماثلتان اقتسمتا عتبة النافذة، حوت إحداهما نبتة صبار. لم تجد أشياء ملقاة هنا وهناك. حتى الوسائد الموشاة بالترتر والأحجار الصغيرة وقطع المرايا الدقيقة لم تنجح في إيهام فاندا أنها منثورة بعفوية؛ لأنها تمكنت من التعرف فيها على نموذج نمطي لا يمكن أن يخرج إلا عن عقلية تعشق النظام كعقلية زابينة. وحده المكتب ارتفع عن ذاك المستوى المنخفض، فبدا وكأنه جبل وحيد تراكمت عليه بعض الأشياء.

اقتربت فاندا من منضدة العمل الزجاجية، فوجدت عليها نسخا من مقالات جرائد موزعة طولا وعرضا، فلكأنها بحر مضطرب الأمواج، يكاد فنجان القهوة وطبق الإفطار المليء بالفتافيت أن يغرقا فيه. مجرد مشاهدتها هذه الصورة المتلاطمة كانت كفيلة بإيقاظ فضولها. زابينة متعصبة للتنظيم وهذه الفوضى العارمة لم تكن تلائم طبعها. لا بد أنها كانت تبحث عن شيء في عجلة وذعر. وجدت مجلة علمية على قمة تلك الأوراق. كانت مفتوحة على الصفحة الأخيرة من إحدى المقالات، احتوت على صورة صغيرة تظهر مؤلف المقال الذي كان يبدو كحيوان الفقمة، بينما لحيته تضفي وقارا على اسمه. كانت فاندا قد سمعت سلفا عن نادريان سيمان؛ إذ كان عالم البلورات معروفا بمحاولاته المثابرة في بناء شبكات معقدة باستخدام لبنات الحمض النووي. تذكرت فاندا إحدى محاضراته. «هلا نسيتم كل ما كنتم تعرفونه عن الشفرة الجينية.» هكذا طالب مستمعيه آنذاك. «أرجو أن تتصوروا الحمض النووي ببساطة كسلم حلزوني، قطره اثنان نانومتر، وارتفاعه ثلاثة نانومترات ونصف لكل لفة.» كان من المدهش مشاهدته وهو يلعب بنماذج الدي إن إيه، كان يحول شرائط النيوكليوتيدات أحادية البعد إلى مكعبات وأشكال هندسية أخرى. إن ذاك الذي بدا للوهلة الأولى وكأنه مزاج في اللهو لدى متفنن متحذلق، إنما كان يفتح في الأوساط المتخصصة مجالا بحثيا ذا إمكانات هائلة. لقد كان العلم على شفا إنتاج هياكل مكانية مصنوعة من الحمض النووي. «الخطوة الأولى نحو إنتاج مصنع النانو»، كان هذا هو عنوان الفقرة الأخيرة من المقال، وفي داخل هذه الخلايا النانوية المركبة لشبكات الدي إن إيه ثلاثية البعد، كان سيتم في القريب إنتاج البولميرات مثل النايلون بدقة بالغة، ربما تكون هنا هي المساحة التي ستنظمها إلكترونيات المستقبل بنفسها، البنية الأولية للأعصاب الصناعية التي ستدخل في تركيب الأدمغة الفائقة الجديدة، عالم معكوس، سيكون فيه الدي إن إيه مجرد وحدة سطحية لهيكل خارجي، لكنها رغم ذلك حاسمة في تحديد شكل آخر للحياة. لكن أيا من ذلك لم يكن ليشغل بال فاندا بقدر اهتمامها بالسبب الذي يدعو زابينة إلى الانشغال بهذه المسألة؛ فزابينة عالمة أحياء، فما الذي يدفعها إلى الاهتمام بعلم البلورات؟ ربما كان مجرد مزاج، أو رغبة في أخذ فكرة عن أمور أبعد عن دائرة تخصصها البحثي. مرت فاندا بنظرات خاطفة على كومات المراجع التي توزعت على المكتب، وجاهدت نفسها ألا تمس شيئا. لم تجد سوى نسخ لأعمال أصلية عن نفس الموضوع على سبيل الحصر. لقد كان هذا إذن هو الموضوع الذي يشغلها الآن. كانتا صديقتين وزميلتين، إلا أن زابينة لم تكن لتسمح لها أن تشاركها حياتها، وقد كان هذا الأمر يضايقها، وكان لا بد أن تعترف بأنها لا تعلم شيئا البتة عن العالمة زابينة ميرتينز.

تراقصت على شاشة الكمبيوتر السطور التي تظهر على حافظة الشاشة. ترددت فاندا؛ إذ لم يكن من طبعها أن تفتش في خصوصيات الآخرين. هل ثمة ما ينبغي أن تعرفه؟ إن كان للأمر صلة بمشروع شركة بي آي تي فهو أمر يمسها هي أيضا. نقرت سبابتها فأرة الكمبيوتر وكأنها نقرات عرضية، وفجأة سمعت خشخشة من ورائها. التفتت فاندا، تجولت نظراتها سريعة مذعورة عبر الباب إلى الطرقة، ثم عادت ثانية إلى الغرفة. اكتشفت قفصا على الأرض إلى جوار جهاز التدفئة. امتدت أنف وردية تجاهها وتشممت. «أخ! إنه أنت يا جوسي» تنفست فاندا الصعداء. دارت الفأرة مرة أخرى ودست أنفها في القش. عادت فاندا للتطلع إلى شاشة الكمبيوتر وحملقت في نافذة رسالة نصية. لقد نسيت زابينة إغلاق صندوق بريدها الإلكتروني. قرأت فاندا الرد القصير على سؤال صديقتها:

من فضلك أرسلي المادة مباشرة إلى معملي، سنرى ما يمكن عمله.

كان اسم المرسل نادريان سيمان. •••

تهادت الحافلة في طريقها الصاعد منحدرات اللان. شعرت فاندا فجأة بالتعب والإحباط. كانت غاضبة سرا أنها لم تواصل القراءة، وانتابتها الهواجس فجأة. تبا للولاء. كما أن زابينة كان من الممكن أن ترجع في أي لحظة. كانت لتفضل أن تسأل صديقتها مباشرة، لكن كيف يمكن لها أن تنفذ ذلك دون أن تتسبب في شرخ بينهما؟ ستحصن زابينة نفسها لو علمت أني أتجسس عليها. سمعت صفير ماكينة الرد الآلي تذكرها بموعد استشارة الطبيب. لم تكن الدعوة هذه المرة ودية. قال الصوت إن د. جليزر يرغب في رؤيتها لأمر هام، كما كان الرجاء الحار برد الاتصال يبدو وكأنه مطالبة بنك الادخار برد قرض الدراسة، كان التأمين الصحي يتكفل بالمصاريف؛ لذا هي لا تدين بشيء للطبيب. «علي أن أسجل لنفسي موعدا لدى الطبيب.» نقرت فاندا على الكمبيوتر الخاص بها. «تسجيل؟» «نعم، لا أجد المسألة لطيفة بتاتا، كما أني غاضبة من زابينة.»

فظهر على الشاشة: «وفقا لقانون الأوبئة الفيدرالي، يعد داء الكلب مرضا يتوجب التبليغ عنه.»

صرخت فاندا: «انس الأمر»، وأوقفت البرنامج.

قرأت رسائل بريدها الإلكتروني. تلقت ردا من ناشر إحدى المجلات العلمية. كان المخطوط الذي تقدمت به قبل ثمانية أسابيع قد نال رفضا، لكنه سيسمح لها بتنقيحه ثم إعادة إرساله. قرأت بسرعة آراء الأساتذة في مقالها والتي أرفقت مع الرد الإلكتروني. عبر الأستاذ الأول عن رأيه بإيجاز، كما أنه اقترح تعديلات طفيفة، لكنها توقفت مليا عند رأي الأستاذ الثاني الذي قام بتصويب فقرات كاملة من مخطوطها مثل المصحح اللغوي، كما أنه عاب لغتها الإنجليزية ونعتها بأنها إنجليزية ألمانية، وطالبها بأن تستعين بمصحح تكون الإنجليزية هي لغته الأم، علاوة على ذلك فقد اعتبر الإحصائيات غير كافية، وطالب بتطبيق طرق إحصائية لم تسمع فاندا بها من قبل، إلا أن كل ذلك بدا لها مألوفا. إن لم تكن تتمادى في خداع نفسها، فلن تحمل تلك التعديلات سوى توقيع أنامل البروفيسور أناتول بروبوف، فهي كانت قد تعرفت إليه في أثناء عملها بمركز أبحاث النانو في روتشيستر، وسافرت معه إلى ورشة عمل في مدينة نيو مكسيكو بعد بدء مرحلة ما بعد الدكتوراه مباشرة. بروبوف أستاذ ملهم في الفيزياء ومتحذلق كفيل بإفساد حالتك المزاجية. كان يقوم بتصويب لغة فاندا الإنجليزية بشكل مستمر. كان رجلا ضئيل البنية، نحيل العود، ذا عينين تشعان ذكاء، في منتصف الأربعينيات وبالتأكيد ليس ساحر النساء، إلا أن هذه الصفات اللزجة لم تكن تشكل سوى قشرة مجعدة مثل تلك التي تخبئ السلحفاة، يخفي وراءها شيئا آخر لا يمكن أن يلحظه المرء من أول مرة، لكن في حضرة تلك العالمة المحبة للحياة، القادمة من جوهانسبرج، التي تعرف إليها خلال الرحلة إلى المؤتمر، خرج بروبوف من قوقعته على نحو غير متوقع وتحول إلى ضفدع ساحر، لكن للأسف، لم يصمد سحر ماري كامبل طويلا، وانتهت الحكاية الخرافية بعودة فاندا إلى روتشيستر، وهناك ذاقت متعة نشر بحث مشترك معه، للمرة الأولى والأخيرة. لم يكن البحث يحوي سوى مراوغات كلامية، حتى مع اعتراف فاندا أن هذا العذاب أسهم في تحسين لغتها الإنجليزية تحسينا كبيرا . لم يكن بروبوف يرضى قط عن أي عمل تسلمه إليه، لدرجة أنها خشيت أن يلقى البحث مصير البضاعة الفاسدة، وعندما أعادت الآن قراءة التقرير الذي كتبه حول بحثها الأخير، شعرت بالغضب المتراكم من تجربتها السابقة يتصاعد داخلها. ما هذا إلا بروبوف، لا بد أن تفكر في حل ما؛ لأنه لن يهدأ إلا بعد أن تقبل كل مقترحاته بلا تحفظات، ربما عليها أن تضيف على سطر المؤلفين شخصا الإنجليزية هي لغته الأم، فهذا على الأقل كفيل بتهدئة ناشر المجلة. وجدت في سجل العناوين بحساب بريدها الإلكتروني عنوان ماري كامبل في جوهانسبرج، كانت فاندا قد تفاهمت معها على نحو جيد في رحلة نيو مكسيكو، وهي يمكن لها أن تنجح في التغلب على مبالغاته في التدقيق اللغوي في مدة وجيزة. كتبت لها بضعة أسطر واستأذنتها أن ترسل إليها مسودة بحث للمراجعة، وفي المقابل ستذكرها فاندا على أنها مؤلف مشارك. سعدت فاندا بهذه الفكرة الذكية وشعرت بالرضا عن نفسها، فهذا من شأنه أن يقلل من خطر فذلكات أناتول بروبوف ويحصره في «خانة اليك».

الفصل الثاني والعشرون

Halaman tidak diketahui