46

Kesan Teratai

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

Genre-genre

نظرت فاندا في الساعة. كان لا يزال أمامها ساعة، وهو وقت لا يكفي كي أغضب، هكذا قالت لنفسها. شتورم كان مسافرا مرة أخرى في رحلة لإلقاء محاضرات بالخارج، واستنتجت أنه يحاول اجتذاب زبائن لشركته. في الواقع كانت تحب التدريس، لكنها كانت تكره أن تحضر محاضراتها تحت ضغط الوقت، وهذا الأمر من شأنه أن يربك خطة عمل اليوم كلها، وهذا من شأنه أن يجعلها غير راضية؛ أي أن ترجع لحالات شعورية بين بين، وهذا ما لم تكن تحتمله بسهولة، ففي مثل تلك الأيام لا يكون مزاجها منضبطا، وكانت تصدر عنها تصرفات كأنها خيوط تنسل من قطعة قماش، لم تكن تعلم ما طول الخيط المتحلل ومتى سينقطع، وكانت تتمنى داخل ذاتها أن تنتهي سريعا هذه الصراعات المضنية. علاوة على ذلك فإن الطلاب يقدرون محاضرات شتورم، فلم يفتها أن بعضهم يغادر قاعة الدرس بمجرد ظهور بديل له على المنصة.

دق الهاتف مرة أخرى، مرة أخرى كانت السيدة بونتي. سؤال ملح من مركز طوارئ السموم في جوتنجن.

قالت فاندا: «أوصليهم.» كانت الطبيبة على الجانب الآخر من الخط تبحث عن رأي تخصصي. ذكرت تسمما بواسطة بخاخ للتنظيف يحوي جسيمات نانو. كانت تسأل إن كان لها علم بالكيفية التي تؤثر بها هذه المواد. عجز على كل الأصعدة. ربما لم يكن به أصلا أي جسيمات نانو، فكرت فاندا باقتضاب. بعد هذه المكالمة كان عليها أن تؤجل موعد جورج الذي ستناقش فيه عرض بحثه إلى الغد. حتى تلك اللحظة لم تكن قد ألقت نظرة على الملف الذي أخبرها عنه شتورم. ووراء جورج وقفت بيترا بالباب. مساعدتها الفنية تحتاج إلى تعليمات جديدة خاصة بالأصباغ حتى تستكمل العمل، لكن فاندا لم تكن قد أتيح لها النظر في المستحضرات الجديدة بعد. أخيرا في العاشرة أخذت الشرائح التي تحتاج إليها على حامل البيانات. كانت محاضرة لإلقاء فكرة عامة حول الموضوع، وكانت قد ألقتها قبل عدة أسابيع في لقاء عمل على المستوى القومي، وهذه المحاضرة يلائم طولها الزمن المخصص لمحاضرة شتورم. عنوانها كان: «تجاوز العقبات. كيف تنجح جسيمات النانو في الدخول إلى أعضائنا؟» تتذكر الآن أنها أشارت فيها إلى الدراسات التي تحدثت عن العصي شديدة الدقة التي تمر إلى المخ عبر الغشاء المخاطي الشمي للفئران، لكنها أتت على ذكر المسألة عرضا، وأخذت على عاتقها متابعة بحث الموضوع بمزيد من الدقة. لاقت المحاضرة وقتها استقبالا طيبا من السامعين الذين صفقوا لها كثيرا، وبعد المحاضرة جاء إليها بعض المشاركين يطرحون عليها مزيدا من الأسئلة، ويشكرونها على البحث الشائق. في الواقع كان العمل أكبر حجما من أن يعرض في لقاء كهذا لمرة واحدة فقط، والآن جاءتها الفرصة أن تعرضه مرة أخرى. أخذت السترة الرمادية التي تستعملها في مثل هذه المناسبات من الدولاب. الأطباء يلقون محاضراتهم مرتدين أروابهم البيضاء. ارتدته هي أيضا ذات مرة، لكنه بدا بالنسبة لها كزي تنكري، ففي نهاية الأمر، إنها تنتمي إلى العلماء.

كان مبنى المحاضرات يقع على الجانب الآخر من الشارع الرئيسي، وكان ثمة كوبري مشاة يقود إليه. مشطت أشعة الشمس خصلات الضباب المجعدة واعدة باستراحة غداء مشمسة. لماذا لم تخطر ببالها هذه الفكرة من قبل؟ سوف تقوم بإلقاء محاضرة خاصة بها، أما شتورم فليتابع هو إلقاء المادة التي أعدها لمحاضراته حين يعود. •••

لقد ظل الطلاب حتى آخر المحاضرة، بل وأنصتوا باهتمام، وحين مضت في طريق العودة إلى المعهد في الحادية عشرة والنصف تعلق بركابها موكب صغير من المعجبين. «متى ستكون المرة القادمة التي ستحلين فيها محل شتورم؟» ضحكت فاندا؛ فقد بدا الطالب الذي طرح السؤال جد حديث السن. طالبة أخرى أرادت أن تعرف إن كانت فاندا تشرف على أبحاث دكتوراه، فما كان من فاندا إلا أن دعتها للمرور عليها في المعهد. كانت تغمض عينيها من شمس الخريف وتستنشق الهواء المنعش، فيدخل عميقا إلى رئتيها. لا بد أن أفعل كل شيء بطريقتي. هكذا أكون في حال طيبة.

ودعها الطلاب واحدا بعد الآخر، فاتخذت بدورها الممر الصغير المختبئ كطريق هروب بين المطعم والمكتبة يؤدي مباشرة إلى الغابة. تأخر الخريف هذا العام، فتمسكت الأغصان بأوراقها التي تحولت فعلا إلى لون بني خفيف مائل إلى الرمادي. كان منظر الأوراق يوحي بالهشاشة لدرجة أن هبة ريح قوية كانت كفيلة بإسقاطها أرضا مرة واحدة. تسلل شعاع الشمس عبر الأماكن التي أقفرت ليقع متعرجا على الأوراق التي تساقطت على الأرض. بدا المنظر وكأنه مكافأة لها. علي أن أمنح نفسي هذه المكافآت أكثر مستقبلا. متى كانت آخر مرة استمتعت فيها بمثل هذا الرضا؟ كانت تعرف هذا الشعور في أوقات الامتحانات حين ينقضي كل شيء على ما يرام، فتسمح لنفسها أن تحتفي بذاتها. كيف يمكن أن يحدث ألا تفتقد هذا الشعور ولو مرة؟ عادت فاندا أدراجها. لم ترجع إلى مكتبها حيث ستجد على الأرجح مهام غير مرغوب فيها في انتظارها، وإنما توجهت فورا نحو وحدة حيوانات التجارب. ندرة الظهور في القسم كانت إحدى الاستراتيجيات الناجحة التي يطبقها عدد من الزملاء ليتمكنوا من إنجاز أعباء أعمالهم هم. عليها أن تلجأ لهذه الاستراتيجية أكثر فأكثر.

كان اختيار التوقيت موفقا؛ فمعظم الزملاء خرجوا إلى استراحة الغداء، ومن ثم فإنها لم تجد أحدا حين نظرت من نافذة الباب المؤدي إلى الجناح محكم الغلق الخاص بوحدة الحيوانات. عبرت الغرفة الأولى معادلة الضغط، ثم أخذت واحدا من الأردية الخضراء المعلقة على المشجب، وارتدته فوق ملابسها. تركت حذاءها واختارت خفين بدوا مناسبين لتدخل قدميها فيهما. صعدت لأنفها مباشرة رائحة قوية تشي بمادة سكرية. كانت الرائحة خليطا من روائح فضلات الفئران، والهواء المستهلك، وجرعات زائدة من المسك. ورغم أن وحدة تجارب الحيوان كانت مكيفة بالكامل، فإن الجو فيها بدا لها خانقا. كانت بلاطات القرميد البيضاء المغطية للحوائط تعكس وميضا، بينما وجدت على الأرضية آثارا خفيفة من القش. شغل صدر الغرفة بكامله مغسلة مصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ، وضع عليها قفصان تم غسلهما وتركهما ليجفا، إلى جوارهما غطاءا قفصين نظيفين، تم رصهما أحدهما فوق الآخر، رأت سلالا من السلك بها حاويات للشرب، ومكان وضع البطاقات، وميزان، وصندوق كروت بحث، ومقص، وقلم حبر في منتصف سطح العمل، حيث أضفى عليه هذا الموقع المتميز كثيرا من الاحترام. فأقلام الحبر كانت هنا بضاعة نادرة، لكن في هذا المكان صار من الممكن وضعها تحت النظر بشكل أفضل. انتهت المغسلة قبل المدخل الثاني المؤدي إلى حظائر الحيوانات، أما باب المكتب على يمينها فكان مفتوحا، وكذلك كان الكمبيوتر. أدخلت فاندا ذاكرة اليو إس بي، لكن هذه المرة وجدت ما تبحث عنه مباشرة. «هل يمكنني مساعدتك؟» جفلت، والتفتت في لمح البصر. وجدت يوهانيس واقفا وراءها ناظرا باهتمام إلى الشاشة. «اللعنة، لقد أرعبتني»، قالتها فاندا وهي تحاول أن تخفي الشاشة بجسدها، واستطردت: «لا شكرا، أستطيع التصرف» ... إلا أن يوهانيس ظل متصلبا. «منحنيات مثيرة.» «ليس من الأدب التحديق في شاشة الآخرين.»

رد باسما: «التحديق في الشاشة أفضل من التحديق في النهود. هل تعملين الآن أيضا لدى نبيكس.» «كيف توصلت إلى ذلك؟» «إشاعة.» «إذن من الأفضل ألا تصدق الشائعات.»

أشار يوهانيس بإصبعه إلى اسم صاحب الحساب على السطر العلوي على الشاشة. «ماذا تفعلين إذن بحساب زابينة ميرتينز؟»

همست: «استمع إلي يا يوهانيس ... هذا أمر لا يعنيك.»

Halaman tidak diketahui