تغيروا لي، فَقُلْتُ: لَيْسَ ثُمَّ عود؟ فقالوا: بلى والله ياسيدنا؛ فأتيت بعود، فأصلحت من شأنه مَا أردت، ثُمَّ اندفعت أغني:
مَا للمنازل لا يجبن حزينا ... أصممن أم قدم المدى فبلينا؟
راحوا العشية روحة مذكورة ... إِن متن متنا، أَوْ حيين حيينا
فَمَا أتممته- يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ- حَتَّى خرجت الجارية، فأكبت عَلَى رجلي، فقبلتها، وتقول معتذرة: يا سيدي! والله مَا سمعت من مغن هَذَا الصوت مثلك أحدًا؛ وقام مولاها وَجَمِيع من كَانَ حاضرًا، فصنعوا كصنعها، وطرب الْقَوْم، واستحثوا السراب، فشربوا بالكاسات والطاسات، ثُمَّ اندفعت أغني:
أفي اللَّه أَن تمسين لا تذكرينني ... وَقَدْ سجمت عيناي من ذكرها الدما
إِلَى اللَّه أشكو بخلها وسماحتي ... لَهَا عسل مني وتبذل علقما
فردي مصاب القلب أَنْتَ قتلته ... ولا تتركيه ذاهب العقل مضرما
إِلَى اللَّه أشكو أَنَّهَا أجنبية ... وأني بِهَا بالود مَا عشت مغرما
فجاءنا من طرب الْقَوْم- يا أمِير الْمُؤْمِنيِنَ- شَيْء خشيت أَن يخرجوا من عقولهم، فأمسكت ساعة حَتَّى هدأ مَا كَانُوا فِيهِ من الطرب، ثُمَّ اندفعوا فِي الشرب بالصراحيات صرفًا عَلَى ذَلِكَ الطرب، ثُمَّ اندفعت أغنى بالصوت الثالث:
هَذَا محبك مطوي عَلَى كمده ... حرى مدامعه تجري عَلَى جسده
لَهُ يد تسأل الرحمن راحته ... مِمَّا بِهِ ويد أُخْرَى عَلَى كبده
يا من رأى أسفًا مستهترًا دنفًا ... كانت منيته فِي عينه ويده
فجعلت الجارية تصيح: هَذَا والله الغناء ياسيدي. وسكر الْقَوْم وخرجوا من عقولهم، وَكَانَ صاحب المنزل جيد الشرب، حسن
1 / 92