وَمِثْلُ هذا البحثِ يَجِيءُ في وصفِ العِلَّةِ بالاطِّرَادِ، فَاسْتَحْضِرْهُ في بَابِ القياسِ، والحاصلُ أَنَّهُ: هَلِ المُطَّرِدُ عِبَارَةٌ عَمَّا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ الوجودُ، وَمِنْ عَدَمِهِ العَدَمُ، أَوْ عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ شَامِلًا لِجَمِيعِ أَفْرَادِ المُعَرَّفِ بِحَيْثُ لاَ يَشِذُّ مِنْهَا شيءٌ، وعلى هذا فالجامعُ مرادفٌ لِلْمُطَّرِدِ، وَالمُنْعَكِسُ مرادفٌ للمانعِ، وَكُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ هذا الخلافَ حَادِثٌ بَيْنَ المتأخرِينَ حتى وَقَفْتُ على كتابِ (التَّذْكِرَةِ فِي أُصُولِ الدِّينِ) لأَبِي عَلِيِّ التَّمِيمِيِّ فَقَالَ: الْجَمْعُ يُسَمَّى في اصطلاحِ عُلَمَائِنَا طَرْدًا، وَالْمَنْعُ عَكْسًا.
وَقَالَ: اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الطَّرْدِ والعكسِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إلى أَنَّ الطَّرْدَ يُفِيدُ آحَادَ المحدودِ عَلَى الشُّمُولِ بِلَفْظِ الإثباتِ كقولِنَا: كُلُّ عَلَمٍ مَعْرِفَةٌ، والمنعَ يُفِيدُ مَنْعَ غَيْرِ المحدودِ مِنَ الدخولِ فِيهِ على طريقةِ الطَّرْدِ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الإثباتِ، كقولِنَا: وَكُلُّ مَعْرِفَةٍ عَلَمٌ، قَالَ: وَهُوَ صَحِيحٌ؛ إِذِ العَكْسُ رَدُّ المتقدمِ متأخرًا والمتأخرِ متقدمًا، وَذَهَبَ آخَرُونَ إلى أَنَّ مجموعَ هَاتَيْنِ العبارتَيْنِ طَرْدًا، واسْتَعْمَلُوا فِي العَكْسِ حَرْفَ النفِي، فَقَالُوا: كُلُّ مَا لَيْسَ بِعَلَمٍ فليسَ بِمَعْرِفَةٍ، وَكُلُّ مَا ليسَ بِمَعْرِفَةٍ فليسَ بِعَلَمٍ. انْتَهَى.
تَنْبِيهَاتٌ:
الأَوَّلُ: ذَكَرَ صاحبُ (التذكرةِ) أَيْضًا أَنَّ هَذَا التعريفَ لِلْحَدِّ قَوْلُ المتكلمِينَ، وَأَمَّا المَنَاطِقَةُ فَقَالُوا: إِنَّ القَوُلَ الدالَّ على مَاهِيَّةِ الشيءِ، وهو مَا يُتَحَصَّلُ لَهُ مِنْ جِنْسِهِ القريبِ وفصلِهِ، قَالَ: وَلاَ يُحْتَاجُ فِيهِ إلى ذِكْرِ الطَّرْدِ والْعَكْسِ؛ لأنَّ ذلكَ يَتْبَعُ المَاهِيَّةَ، ثُمَّ قَالَ (٢١ أ) بَعْدَهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي الطَّرْد ِ والعَكْسِ، هَلْ هُمَا مِنْ لَوَازِمِ صِحَّةِ الحَدِّ، أَوْ شَرْطَانِ في صِحَّتِهِ؟
وفائدةُ الخلافِ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إلى أَنَّهُمَا مِنْ لَوَازِمِ صِحَّتِهِ حَكَمَ بصحةِ الحَدِّ قَبْلَهُمَا، وَمَنْ جَعَلَهُمَا شَرْطَينِ في الحَدِّ أَوْقَفَ صحتَهُ على حُصُولِهِمَا؛ إِذْ لاَ يُعْلَمُ وُجُودُ المشروطِ مَعَ انتفاءِ الشرطِ، وَمَا ذَكَرُوهُ لاَ يَصِّحُ في