والذي يتأمل آراء الصوفية في مختلف الشئون يراهم لا يقيمون وزنا للظواهر، وإغفال الظواهر لا يستقيم إلا لمن يؤمن إيمانا جازما بأن هناك حقيقة علوية خليقة بأن تشغله عمن سواها من كل موجود.
وكان من همنا في هذا الكتاب أن نبين أثر هذه النظرية في المعاني الأدبية والذوقية، وقد وصلنا من ذلك إلى بعض ما نريد. •••
وعن نظرية وحدة الوجود ينشأ حب الرسول الذي أبدع في اللغة العربية فنا جديدا هو فن المدائح النبوية.
وإنما نشأ حب الرسول عن وحدة الوجود؛ لأن من قالوا بهذه النظرية قرروا أن محمدا عليه السلام هو أول مظهر للذات الأحدية، وأنه خاتم النبيين، وأول الأولين، وآخر الآخرين، وأنه البرزخ بين الذات الأحدية وسائر الموجودات.
وقد نظرنا فيما ترك حب الرسول من الآثار النثرية والشعرية، وسيراه القارئ فيما بعد، فليكن هذا الإجمال في انتظار ذلك التفصيل. •••
ثم رأينا أن نبين كيف نستفيد من كتب التصوف في الدراسات الأدبية فقررنا أنها سجل لصور المجتمع الإسلامي وحياة اللهجات، وساقنا ذلك إلى اتخاذ مؤلفات الشعراني وثيقة صورنا بها المجتمع المصري في القرن العاشر، راجين أن تتاح الفرصة لدرس سائر المجتمعات الإسلامية وفقا للصور الباقية في كتب الصوفية.
وساقتنا الحماسة إلى كتابة فصل أكملنا به القسم الأول، وهو فصل تحدثنا فيه عن أثر التصوف في الفنون، والصلة بين الأدب والفن لا تحتاج إلى من يقيم عليها الدليل. •••
أما القسم الثاني فقد ابتدأناه بدرس مفصل عن نشأة التصوف في الأخلاق، ثم مضينا فتكلمنا عن الأدعية والأوراد والاستغاثات والأحزاب والمقامات والأحوال والتجريد والأسباب وآداب الزواج والطعام والصيام والسماع، وما إلى ذلك مما يمثل مذاهب الصوفية في الحياة الاجتماعية والمعاشية والذوقية.
وختمنا الكتاب بدرس آداب المريدين كما يراها الشعراني؛ لأنه في نظرنا من كبار الباحثين في الآداب العملية؛ ولأن آراءه لا تزال تسيطر على الجماهير من أهل هذه البلاد. •••
ولا بد من النص مرة ثانية على أنه كان من الصعب أن نفصل بين مظاهر الأدب والأخلاق فصلا تاما في فصول هذا الكتاب، فكل نص أدبي يحمل في سطوره معاني أخلاقية، وكل حكمة خلقية أو ذوقية تحمل في ثناياها صورة أدبية، ومن أجل ذلك قاسيت ضروبا من العناء في ربط فصول هذا الكتاب بعضها ببعض، ولم أصل إلى نظامه الحاضر إلا بعد جهد عنيف.
Halaman tidak diketahui