335

Tasawuf

التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق

Genre-genre

وأدرك المواهب المكنونه

وقد اهتم بشرح هذه الأبيات فقرر أن كل ما سوى الله من الأعيان الظاهرة والماهيات الممكنة علوية وسفلية باطل في شهود العارفين من حيث ذاته فلا حقيقة له أزلا وأبدا، وإنما الموجود حقيقة هو ذات الحق تعالى، وليس لتلك الأعيان والماهيات الظاهرة وجود حقيقي ذات لها، وإنما المشاهد فيها انصباغها بنور الوجود الحق على نحو من أنحاء الظهور، وطور من أطوار التجلي الحقي، فهو الظاهر في جميع المظاهر، والمشهود في كل التعينات بحسب تفاوتها في استعداداتها، وتعدد شئونه بتكثر حيثياتها، على مقتضى العلم القديم بذلك كله إجمالا وتفصيلا، كليا وجزئيا، فالتوحيد للوجود، والكثرة والتمييز للظهور على مقتضى العلم، فللوجود الحق تجل بذاته لذاته يسمى غيب الغيوب والعماء الأزلي، وظهور بذاته لأسمائه وصفاته، وهو عبارة عن تجليه الوجودي المسمى بالنور المفاض على سموات الأرواح وأرض الأشباح، الله نور السماوات والأرض به ظهرت أحكام الماهيات والأعيان، وحصلت بذلك النسب والإضافات، وظهرت آثار الأسماء والصفات التي هي فعله، وبسبب تميز هذه الأعيان وتخالفها لسر اقتضته مرتبة الألوهية اتصفت حقيقة الوجود بصفة التعدد والكثرة بالعرض لا بالذات، ومن ذلك السر الجمع بين الأضداد، فظهر الحق في كل ماهية على ما تقتضيه ذاته الكريمة من التنزه التام القديم الذي لا يعرفه غيره، وظهرت الماهيات بالحق، وتعاكست أحكام كل منها إلى الآخر مع ذلك التنزيه أيضا، فصار كل منها مرآة لظهور الآخر فيه، ويشهد لذلك قوله

صلى الله عليه وسلم : (رأيت ربي في صورة شاب أمرد)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (خلق الله آدم على صورة الرحمن

7 ... فالحق تعالى ليس له إلا تجل واحد على الأشياء، وظهور واحد على تلك المظاهر، وهذا الظهور هو بعينه ظهوره برتبة تنزله لنفسه في مرتبة أفعاله، فلا يمكن أن يكون هذا الظهور مثل ظهوره بذاته لذاته لاستحالة المثلية بين الظهورين. وهذا هو المراد بقوله عز شأنه: «كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني»، فظهرت الذات الأحدية، والحقيقة الحقية، في كل مظهر من المظاهر بحسبه على ما علمت من التنزيه القديم، لا أن لها بحسب ذاتها ظهورات متنوعة، وتجليات متعددة، وإنما ذلك تقريبا كتكثر نور الشمس وتلونه بتعدد ألوان الزجاجات المقابلة له، فمن شاهد حقيقة النور الأصلي وعرف أنه لا لون له في ذاته انكشف له أن هذه الألوان المتكثرة في الظاهر إنما هي من الزجاجات بحسب استعداداتها فقط، ولا تعدد للنور في ذاته، ومن وقف مع الزجاجات وألوانها احتجب بها عن النور الحقيقي، فمن وقف مع مظاهر الحق تعالى وتعددها وتكثرها وتوهم أنها أمور مستقلة بوجود مع الله تعالى فقد ضل بذلك عن سبيل الجادة وأفحش وأثم، وبغى بغير الحق ظاهرا وباطنا، حيث أشرك مع الله ما لم ينزل به سلطانا،

8 ... فتحصل من ذلك كله أن كل شيء مما سوى الله تعالى إذا اعتبرته من حيث ذاته وجدته عدما محضا، وإذا اعتبرته من حيث الوجود الحق رأيته موجودا بذلك الوجود الذي ظهر عليه نوره من التجلي الوجودي للفعل الذاتي، فلكل شيء حينئذ وجهان: وجه إلى نفسه، ووجه إلى موجده، فمن نظر وجهه إلى نفسه وجده عدما صرفا ونفى الأفعال عنه، ومن نظر وجهه إلى ربه وموجده وجده موجودا بوجود موجده ونسب الأفعال إليه، كما جاء به الشارع، «والله خلقكم وما تعملون». فكل شيء موجود معدوم: فالعدم صفته الذاتية، والوجود إنما ثبت له بالعرض لا بالذات ... فانكشف لك بما تقرر أنه لا موجود في الحقيقة إلا الله، وأن الوجودات الكونية وإن تكثرت وتعددت وتمايزت هي في الواقع ونفس الأمر من مراتب تعينات الحق، وظهورات نوره، وشئون ذاته، وآثار أسمائه وصفاته التي هي عين ذاته. قال قائلهم:

وفي كل شيء له آية

تدل على أنه عينه

لا أنها أمور مستقلة، وذوات منفصلة، بجعل وتأثير فيها، وإنما تعينها وظهورها بنفس فيضان الوجود الحق عليها، فإذن ليس في الوجود إلا ذات الحق وأسماؤه وصفاته ومظاهرها، واسم الخلقية مستعار لتلك الحقائق الكونية التي هي شئون الذات وآثار الأسماء والصفات، أعارها الحق تعالى لتلك الشئون والمظاهر لإظهار الألوهية ومقتضياتها من الجمع بين الأضداد، قال الجيلي:

وما الخلق في التمثيل إلا كثلجة

وأنت بها الماء الذي هو نابع

Halaman tidak diketahui