Terjemahan Dalam Dunia Arab
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
Genre-genre
وسعيت على الرغم من تعدد السبل إلى أن أكون إيجابيا في جهدي لذلك بمداومة الفكر والتفكير دون قيود غير العقل الناقد، والاطلاع على كل جديد من غير انحياز أو عقد، وأن أتابع فكر وجهود الساعين إلى ذلك من خلال التنظيمات والأحزاب .. واستطعت الانتصار على قيود ومحاذير الفقر بالاعتماد على نفسي، ولكن العقبة الأخطر في الطريق هي سنوات الاعتقال السياسي المتقطعة على فترات دون محاكمة، وبلغ مجموعها اثنتي عشرة سنة بدأت عام 1948م، وحتى نهايتها 1965م. وحاولت أن أنتصر على قسوة وآلام التعذيب في السجون والمعتقلات، من السجن الحربي إلى ليمان أبي زعبل؛ حيث كنا نعيش حفاة الأقدام، شبه عراة الأبدان، نشقى في عمل تكسير الزلط تحت وطأة الشمس الحارقة، والسياط اللاهبة، والسباب المقذعة، والشتائم المهينة الجارحة، ولم أتخل عن طموحي وجهدي من أجل مصر .. مصر العقل الجديد.
وبدأت الكتابة أول الأمر وأنا طالب بالجامعة، في سلسلة «كتابي» التي يصدرها حلمي مراد .. وأول موضوع كتبته عام 1953م بعنوان «مذكرات الولد الشقي»، وهو تلخيص لمذكرات تشارلز داروين. ولكنني لم أره بسبب الاعتقال.
ولكي أتجنب خيوط المنع والحظر رأيت أن أتكلم بلسان غيري، مع إضافة رأيي في مقدمة وهوامش؛ ومن هنا اتخذت الترجمة وسيلة لكي أبدأ مشروعي «تغيير العقل المصري العربي»، وصدر لي عام 1957م عن دار النديم كتابان هما: «السفر بين الكواكب»، وهو أول كتاب علمي مترجم عن علوم ورحلات الفضاء، صدر بمناسبة إطلاق الكلبة لايكا إلى الفضاء. والكتاب الثاني «بافلوف، حياته وأعماله»، وهو أيضا أول كتاب علمي مترجم عن هذا العالم الروسي الفذ الذي كنت أعتزم أن أرصد له جهدي في دراستي الجامعية العليا. ثم انقطعت عن الكتابة والترجمة ثانية سنوات سبعا بسبب الاعتقالات السياسية، وعلى الرغم من كل ما عانيته في المعتقلات تطوعت - وأنا المستقل سياسيا غير المنخرط في أي تنظيم - بعد هزيمة 1967م، لكي أحمل السلاح دفاعا عن بلدي مصر، ولكن جهات الأمن السياسي استدعتني وحذرتني وطالبتني صراحة: «انت لأ .. تقعد في البيت.»
وواصلت جهدي في التحدث بلسان الآخرين، وقدمت ترجمة لرواية «المسيح يصلب من جديد» تأليف نيقوس كازانتزاكيس، الذي عشقت كتاباته وشعرت بنوع من التماهي معه. وتوالت الترجمات التي لا يعنيني كميتها التي تجاوزت الستين، ولكن يعنيني أنها مختاراتي من بين قراءاتي، وملتزمة جميعها بمشروعي من الانتقال إلى العقل العلمي، والتحول عن ثقافة الكلمة إلى ثقافة الفعل.
وبدأت التأليف في تكامل مع مشروع الترجمة، وصدر لي أول كتاب عام 1990م بعنوان «نهاية الماركسية!» وهدفي منه نقد الثقافة العربية في التعامل النصي الأرثوذكسي مع الفكر العالمي، متخذا الحديث المتواتر عن سقوط الماركسية مثالا، مع فصل بعنوان «هل سقطت الليبرالية؟» وأتبعت هذا بكتاب عنوانه «التراث والتاريخ»، وهو رؤية نقدية لأخطاء ثقافية شائعة في حياتنا، وحاكمة لنا، عن العقيدة والموروث الثقافي وفهم التاريخ.
وصدر كتابي الثالث بعنوان «العقل الأمريكي يفكر: من الحرية الفردية إلى مسخ الكائنات»، وهو دراسة أكاديمية تعطي بانوراما لتطور العقل الأمريكي السائد على مدى 160 عاما، ابتداء من الآباء المؤسسين لتصحيح صورة أمريكا المدعاة في حياتنا، ومجابهة الحقيقة، وأؤكد فيه العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع العملي نشأة وتطورا، وأن الفكر هو منتج الفعل الاجتماعي في تطور جدلي مطرد، مستشهدا بتطور الفكر/الفعل الأمريكي في مجالات الفلسفة/العلم/الآداب والفنون، موثقا ذلك بنصوص لأئمة الفكر الأمريكيين.
وبلغ مجموع مؤلفاتي أربعة عشر عنوانا، آخرها «الشك الخلاق في حوار مع السلف»، وأعكف منذ سنوات على إصدار دراسة عن انتحار الحضارات .. كيف سقطت بفعل أبنائها وأولهم رجال الدين، حين تكون لهم السلطة دون العقل؛ أي لأسباب داخلية أولا وليست خارجية فقط. وذلك في ضوء ما نشاهده اليوم من جماعات تدمر وتنتحر وتنحر من حولها باسم إحياء حضارة تفككت وسقطت وتأخر تأبينها قرونا.
قضايانا الملحة عديدة ومتكاملة، ومن هذه القضايا التي عرضتها في كتبي: (1)
إعادة بناء الإنسان المصري الذي تعمد الغزاة والحكام المستبدون انسلاخه عن تاريخه وعن هويته؛ ولذلك لا تتوفر نظرية جدلية متكاملة لتاريخ مصر منذ القدم، وقد حاولها صبحي وحيدة، والدكتور حسين فوزي سندباد مصري، ومحمد العزب. وتلزم الإجابة على سؤال: ماذا أصاب الإنسان المصري على مدى التاريخ حتى أصبح على هذه الحال من السلبية واللامبالاة؟ حتى لا نردد ما قاله المقريزي وغيره: «قال الرخاء أنا ذاهب إلى مصر، فقال الذل وأنا معك».
ثم إننا نعيش الآن في عصر أو حضارة الإنسان العام المشارك إيجابيا، عن علم وقدرة، في إدارة شئون أمته مع مسئوليته عن الإنسان والبيئة في العالم. ويتناقص هذا مع الظروف التاريخية وحياة الاستبداد والقهر التي صاغت الإنسان المصري، وباتت موروثا اجتماعيا وثقافة نافذة.
Halaman tidak diketahui