Terjemahan Dalam Dunia Arab
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
Genre-genre
إذ من المسلم به أن المعرفة تمكين للفرد والمجتمع، ونقص المعرفة ضعف يفضي إلى تبعية. وإن القدرة على اكتساب المعرفة نقلا عن الآخر، قرينة القدرة على توليد المعرفة بكل أشكالها إبداعا ذاتيا، بما في ذلك الاستعادة الإبداعية للمعارف التقليدية والارتقاء بها واستثمارها وظيفيا، دليل واضح على حيوية المجتمع وقدرته على البقاء ومواجهة التحديات، وكذا دليل على قدرته على تقاسم المعرفة في إطار عملية تفاعلية فيما بين المجتمعات وداخل المجتمع الواحد.
وتمثل الترجمة في هذه الحالة سعيا مجتمعيا مؤسسا على التخطيط، ومدفوعا بإرادة التحدي للاستيعاب العقلاني النقدي الانتقائي والإبداعي للمعرفة التي تتكامل وتتلاحم مع إبداع معرفي ذاتي. إبداع تجديدي سواء لرصيد الماضي عند استعادته، أو لإنجازات الحاضر في ضوء استشراف المستقبل؛ ولذلك تكون الترجمة بمثابة فعل مجتمعي نشط حافز دائما، أو هي استجابة لحاجة اجتماعية ملحة؛ لأن التطوير حياة وتحد مستمرين. وبدون ذلك تتدنى الترجمة كنشاط ورؤية مستقبلية إلى أدنى مستوى، وتنحصر فيما يمكن وصفه إجمالا ثقافة ترفيه تلهي عن جدية البناء ومواجهة التجديد.
ومن ثم فإن حياة المجتمعات دائما رهن المعرفة، مثلما أن المعرفة تتطور ويطرد اكتمالها بفضل الفعل الاجتماعي والتفاعل بين الأفراد والمؤسسات داخل المجتمع الواحد، وتتطور كذلك بفضل التفاعل بين المجتمعات عن طريق نقل المعرفة/الترجمة. ونحن نرى أن تمكين المجتمع على أساس المعرفة المنقولة، فضلا عن المعرفة الإبداعية الذاتية، لا يعني فقط نقل المعرفة كنشاط مظهري احتفالي، بل يعني استثمارها بكفاءة بهدف زيادة الثراء العلمي والتكنولوجي والاقتصادي والسياسي واللغوي ... إلخ، وهذا ما لا يتسنى تحققه إلا في مجتمع إنتاجي، يرى وجوده مشروعا ممتدا حاضرا ومستقبلا على مستوى حضارة العصر وتحدياته؛ إذ بدون توفر هذا الشرط تفقد الترجمة فعاليتها، ولا نجد لها مردودا اجتماعيا، فضلا عن تدني انحسار مستواها. وليس غريبا أن يتوارى نشاط الترجمة العلمية تحديدا في المجتمعات المتخلفة والمعتمدة على استهلاك منتجات المجتمعات الأخرى، وليس غريبا كذلك أن تعاني مثل هذه المجتمعات من تخلف اللغة؛ لأن اللغة هي الإنسان/المجتمع في حيويته وفي نشاطه الإنتاجي العلمي والتكنولوجي.
نذكر هذا والعالم الآن على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخ تطور الإنسان والإنسانية، تعادل مرحلة اختراع الكتابة. وسوف يفضي هذا التحول إلى تقسيم المجتمعات مستقبلا إلى مجتمعات ما قبل عصر المعلوماتية ومجتمعات عصر المعلوماتية أو مجتمعات المعرفة. مثلما سيفضي إلى تحولات عضوية/عصبية في بنية وسلوك الإنسان. وهذه المرحلة هي الطور الثاني في مرحلة الثورة الصناعية. وتباينت الأسماء لتعريفها ما بين ما بعد الصناعة أو ما بعد الفوردية أو المعلوماتية، أو مجتمع اقتصاد المعرفة، وهو الاسم الذي استقرت عليه مصادر كثيرة.
ويمثل مجتمع المعرفة صورة المستقبل الذي أطل بفجره على المجتمعات المتقدمة، وهو أيضا مجال المنافسة فيما بينها. كما يمثل التحدي الأول والأساسي أمام المجتمعات النامية ومنها المجتمعات العربية.
الآن ومع التحول العصري الذي تغير معه مشهد العالم، لم تعد القيمة التفاضلية المتمثلة في الثروات الطبيعية من مواد خام، ولا عدد البشر والأيدي العاملة الرخيصة، هي وجه التمايز والتميز بين المجتمعات، وإنما وجه التمايز والتميز هو قدرة البلدان على أن تبدع وتنظم وتنشر وتستثمر وتدير بكفاءة وفعالية وحرية وسرعة، المعارف والمعلومات المتاحة عالميا، والمبتكرة محليا، لدعم مشروع وجودها، ودعم قدرتها على المنافسة كنموذج جدير بأن يحتذى في الصناعة والسياسة والتطوير. إن مناط الأمر الآن الميزة التنافسية لا ميزة المقارنة. ليس حيازة تكنولوجيا، بل إبداعها وتطويرها؛ لأن حيازتها في ظل التخلف تمثل عبئا وعائقا.
وتسعى المجتمعات الناهضة بكل طاقاتها إلى توطين العلم والتكنولوجيا، وترى أن المفتاح هو العلم المعرفي . ويعني العلم المعرفي الاستيعاب النقدي لإنجازات العالم المعرفية، واحتضان أو توطين العلم والثقافة العلمية، والقدرة على التعامل المنهجي ومعالجة هذه الثروة المعرفية، وكذا القدرة على إدارة المعرفة إبداعا أو توليدا واستثمارا وتطويرا، بل ونسيان في ضوء احتياجات النهضة. ويعني العلم المعرفي أيضا كيف نتعلم، وكيف نطور، وكيف نخطط طاقاتنا المعرفية، وحفز نزوع النهم المعرفي عند أبناء المجتمع، وأن نعرف كيف نغير ونتحكم علميا في البيئة الأساسية؛ أي في كلمة واحدة كيف نبدع ثقافتنا الحضارية لعصر جديد؛ ولهذا نؤكد أن قضية الترجمة ليست كما يحلو لكثيرين قضية لغة، بل هي قضية سياسة ثقافية حضارية، ومع الترجمة القائمة على التخطيط قرين الفعالية الاجتماعية، تتطور وتثرى اللغة.
وتأسيسا على هذا لم تعد السلعة الخام وعدد البشر ورخص الأيدي العاملة، هي محور تقييم الثروة، بل المعرفة وفائض قيمة المعرفة. وظهر بذلك مجتمع الثراء المعرفي، وما يحققه من فائض قيمة معرفية، مقابل مجتمع الإفلاس المعرفي.
نعم، المعرفة على مدى تاريخ الوجود البشري هي أهم مكونات الأنشطة الاجتماعية على اختلافها في الاقتصاد والثقافة، وفي السياسة، وفي الحرب والسلم ... إلخ، ولكن الفارق الآن أن مجتمع/اقتصاد المعرفة هو المجتمع الذي تمثل فيه المعرفة المنتج الرئيسي والمادة الخام موضوع الإنتاج والمناقشة. ويتمثل الجديد في أن التكنولوجيا تجاوزت الحدود الجغرافية القومية. وتقدم هذه التكنولوجيا الجديدة إمكانات مهولة لتقاسم طوفان المعرفة ومعالجتها واستعادتها. وأضحت المعرفة بذلك - أي بطابعها العالمي ومحتواها المتميز - أهم رأسمال للمجتمع مع توفر القدرة على التحكم فيها إنتاجا وتوظيفا.
انتقلت حضارة عصر الصناعة؛ أي البلدان الصناعية المتقدمة، إلى حضارة عصر الفضاء الإلكتروني، عصر الحاسوب «الكومبيوتر». وتشكل معه فضاء جديد تسيطر فيه لغة المعلومات أو المعرفة، والتي تعني المعلومات في صياغة نسقية حاملة معها طابعها الاجتماعي والأيديولوجي، وانعقد سلطان الهيمنة لوسائل الإعلام والاتصال (الميديا)، التي تعتمد في صناعتها على اللغة.
Halaman tidak diketahui