ودخل الرجال إلى حظيرة كدواني، وكأن البيت خال بهم، وكأنهم ما رأوا صاحب البيت ولا زوجته ولا أبناءه، وبدءوا يخرجون البهائم، ولم يجد كدواني شيئا يصنعه إلا أن دعا زوجته وأولاده أن يدخلوا أمامه إلى حجرة أخرى، وأقفل الباب على نفسه وأسرته، فقد أصبحت حياته وحياة أسرته في هذه اللحظة هي كل ما يحرص عليه، ولتذهب البهائم وثروته جميعا إلى الجحيم.
خرج خطاب في المقدمة يقود جاموسة، وتبعه الرجال الخمسة يقود كل منهم جاموستين، وما أن خرج آخرهم، حتى فوجئوا بخمسة شخوص يلبسون السواد ما يبين منهم شيء يحيطون بهم، ويطلقون الرصاص حواليهم، وكأنه مطر منهمر، ويتولى العتاة الخوف الراعد، وتتواثب البهائم في أيديهم توشك أن تقتلهم، ويقف بهم الذعر جامدين، وكأنهم تماثيل من جماد.
ويواجههم صوت لا يعرفونه ... إنه صوت شملول، ومن أين لهم أن يذكروا شملول أو صوت شملول؟ - ألقوا السلاح.
ودون تفكير يلقي الرجال الستة سلاحهم، ويطالعهم الصوت آمرا مرة أخرى. - أعيدوا البهائم إلى مكانها، وليبدأ أقربكم من البيت في إدخال ما معه، ثم يتبعه الذي يليه.
وينفذون الأمر في دقة الحريص على حياته، حتى إذا أدخلوا البهائم يقول شملول: قولوا لحضرة العمدة إنكم ستجدوننا دائما عند كل عملية تقومون بها، ويقول خطاب في صوت راعش: ماذا؟ - ما سمعت يا خطاب، أبلغ العمدة ذلك. هيا اذهبوا، وإذا التفت أحدكم خلفه قتلناه في لحظة ... اذهبوا واحذروا أن يلتفت أحدكم خلفه.
وفي مثل لمح البصر يولون الفرار.
ويجمع سامي ومأمون ومحمود وشملول ومعهم رشيدة، وهي في ملابس الرجال الأسلحة الملقاة، ويخفيهم الليل عائدين إلى المركز بالسيارة التي أعدها سامي فيما أعد حين استقر رأيه على أن يكون من أولئك الذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون. •••
تعود زين كلما أمر بعملية أن يجلس في غرفة خاصة بالبيت لها شباك على الطريق، ينتظر أن يأتي خطاب أو غيره من مجرميه إلى هذه النافذة، فيطرقها أربع طرقات إن كانت العملية تمت بنجاح، أو يطرقها ثلاث طرقات إذا حال دون إتمام العملية حائل.
وحين سمع زين أصوات الرصاص دهش، وانتظر بالغرفة، وكانت رتيبة تجلس معه فيها، وقد تعودت ألا تسأله عن هذه الطرقات منذ أول مرة سمعتها فيها، وسألت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، من هذا الذي يطرق في مثل هذه الساعة؟ فأجابها زين في حسم قاطع، وبصوته الذي عرفته حين ينقلب زوجها من إنسان أنيس إلى شيطان مريد. - لا شأن لك.
وكانت في ليلتها تلك تدرك بحسها وبطول المعاشرة أنه ينتظر ذلك الطرق المبهم. وحين سمعت أصوات الرصاص تأكدت أن حدسها صادق.
Halaman tidak diketahui