وهناك كلمة أخرى هي ما توصف به الحكومات الديمقراطية في أوروبا الغربية الشمالية حين نقول إنها «دولة خيرية»، فإن دلالة هذه الكلمة كبيرة جدا.
ذلك أننا كنا نصف الجمعية بأنها «خيرية» حين تؤسس المدارس وتعلم أبناء الفقراء بالمجان، أو حين تفتقد الفقراء وتتصدق عليهم، أو حين تنشئ المستشفيات، ولكن الدولة الخيرية تفعل كل ذلك، وأكثر منه هذه الأيام، فإن الحكومة الإنجليزية مثلا تعلم الشعب كله بالمجان، كما أنها تعالجه بما يشبه المجان، وفي العام الأسبق أنفقت واحدا وعشرين مليون جنيه اشترت بها طقوم الأسنان والسماعات والنظارات، ووزعتها كلها بالمجان على ضعفاء الأسنان والسمع والنظر.
هذا عمل خيري كانت تضطلع به الجمعيات قديما، أما الآن فإن الدولة الخيرية تضطلع به.
ولذلك يجب أن نستورد هذه الكلمات من أوروبا، وأن نحفظها ونستذكرها، حتى تلد الكلمة الفكرة وتلد الفكرة العمل.
يجب أن نستذكر الدولة الإيجابية، والتأميم، والدولة الخيرية، فإن هذه ليست كلمات فقط؛ إذ هي شعارات أيضا، هي برامج تنادينا بالعمل والكفاح لتعميم السعادة ومحو الشقاء من بلادنا.
الفصل الحادي والخمسون
الناقصون في الذكاء
لا يمكن أن نصف رجلا بالذكاء؛ لأنه أمضى حياته في احتيالات ومراوغات ومناروات لجمع مقدار باهظ من المال.
وإني أصف هذا المال الكثير بكلمة باهظ؛ لأنه يبهظ مقتنيه، فيشغله بأعبائه عن الكثير مما يجب أن يحيا له، والمعقول أننا نعيش، أقصى ما نعيش في المتوسط، نحو ثمانين أو تسعين سنة، وهذا العمر لا يحتاج إلى ربع مليون جنيه، والرجل الذي يرصد حياته لاقتناء هذا المبلغ، لا يختلف عن الرجل الذي يشتهي أن يأكل أرنبا فيقتني خمسين ألف أرنب، أو هو يحتاج إلى السكر للشاي فيجمع ألف قنطار من السكر ثم يخزنها، أو هو يحتاج إلى سرير فيشتري مئة سرير.
ذلك أن حاجتنا في هذه الدنيا لا يمكن أن تحملنا على أن ننام في سريرين فضلا عن مئة سرير، ولا أن نأكل خمس وجبات في اليوم فضلا عن خمسين وجبة، ولا أن نتزوج عشر نساء فضلا عن مئة، ثم أعمارنا لا يمكن أن تمتد إلى مئتي سنة فضلا عن ألف سنة، وحتى عندما نفكر في تزويد الأطفال بشيء من المال، فإن ما يرثونه يجب أن يكون مقدارا معتدلا حتى لا يستنيموا إليه ويحجموا عن العمل والإنتاج اللذين يجعلانهم يحسون بأنهم أعضاء نافعون في المجتمع.
Halaman tidak diketahui