والمتأمل للسنين الأربعين أو الخمسين الماضية يتعجب من هذا الإقدام في مكافحة المرض، كما يتعجب من هذا الشرف الطبي الذي يحمل الأطباء على أن يبحثوا عن العلاجات الجديدة، ليس لشفاء الأمراض، بل لمحوها، وقد أوشك عدد كبير منها أن ينمحي.
قبل أربعين سنة كنا نرى في مصر منظرين كريهين، أحدهما ذلك الوجه المنقر بندوب الجدري، والثاني ذاك الوجه الذي بتر أنفه بالسفلس، وقد زال هذان المنظران من مدننا وريفنا؛ لأن لقاح الجدري قد كشف العدوى، كما أن السلفرسان، ثم البنسلين، قد جعلا السفلس قريب الشفاء خفيف الوقع.
ولم يعد الأطباء يكسبون بعلاج الجدري بتاتا، كما أن كسبهم من علاج السفلس قد لا يبلغ الآن جزء من مئة مما كانوا يكسبون منه قبل خمسين سنة، ولكنهم مع ذلك لم يتراجعوا عن البحث والدرس حتى اهتدوا إلى علاجهما وكبحهما.
هذا هو الشرف، شرف الصناعة الطبية التي لا يبالي الأطباء أن يعمموا الصحة بها ولو كان في ذلك نقص لأرزاقهم.
وإلى جانب هذا الشرف نجد إقداما ساميا، حين يقتحم الطبيب غرفة المحموم الذي تنتقل عدواه بالذبابة، أو حين يقتحم مناطق الوباء الفاتك كما رأينا في وباء الكوليرا الأخير.
إني لا أذكر الطب إلا وأحس بهذا الشرف وهذا الإقدام.
ولكني حين أنتقل من الطب إلى الصحافة أحس هوانا، فإن هذه الغوغاء من الصحف تتوسل بكل وسيلة وضيعة إلى الوصول إلى القارئ، لا يبالي كتابها ومخرجوها أن يؤذوا الجمهور في نفسه وعقله ومستقبله وشرفه، فإذا ناقشناهم في هذا قالوا: إنهم يريدون الكسب، الصحافة تجارة.
ولم يقل أحد: إن الكسب يعيب الصحف أو التاجر، ولكن الذي يعيبهما هو غش السلعة أو الإغراء بالخسائس.
ولو أن الطبيب كان يقول مثل هذا القول لكان عليه أن يحول دون تعميم الثقافة الطبية، واختراع الأدوية الجديدة التي تكبح الأوبئة أو تنقص مدة العلاج.
إننا نسلم بأن الصحافة تجارة، في ناحية ما، ولكنها أيضا رسالة، والصحفي معلم قبل كل شيء، وعليه لذلك أن يقتحم المشكلات حتى ولو تعرض للخطر، شأنه في ذلك شأن الطبيب.
Halaman tidak diketahui