ومن كتاب ((الإيمان)) لشيخ الإسلام
١٧ - ونحن نذكر من كلام الله وكلام رسوله محمد ﷺ، فإنه فيصل المؤمن إلى ذلك، من نفس كلام الله وكلام رسوله، فإن هذا هو المقصود. فلا نذكر اختلاف الناس ابتداء، بل نذكر من ذلك في ضمن بيان ما يستفاد من كلام الله وكلام رسوله، ما يبين أن ردَّ موارد النزاع إلى الله ورسوله خير وأحسن تأويلاً؛ خير في الحال، وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة.
١٨ - اسم ((الإيمان)) تارة يذكر مفرداً غير مقرون بغيره، فيدخل فيه الإسلام والأعمال الصالحة. وتارة يُقرن بالإسلام أو بالعمل الصالح، أو بالذين أُتوا العلم؛ فيكون ((الإيمان)) اسماً لما في القلب، وما قرن معه اسماً للشرائع الظاهرة. ثم إن نفي ((الإيمان)) عند عدمها دلَّ على أنها واجبة؛ لأنه لا تنفي إلا لنفي بعض واجباته، وإن ذكر فضل ((إيمان)) صاحبها ولم ينف إيمانه دلَّ على أنها مستحبَّةً.
١٩ - ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾ (سورة فاطر، الآية: ٢٨). والخشية أبداً متضمَّنة للرَّجاء، ولولا ذلك لكانت قُنوطاً. كما أن الرجاء يستلزم الخوف، ولولا ذلك لكان أمناً. فأهل الخوف لله والرجاء له، هم أهل العلم الذين مدحهم الله.
٢٠ - لما ذكر في العقل أنه العلم، قال: فلابد مع ذلك أنه علم يعمل بموجبه، فلا يسمى عاقلاً إلا من عرف الخير فطلبه، والشر فتركه.
٢١ - ومن أتى الكبائر مثل الزنا والسرقة أو شرب الخمر وغير ذلك، فلابد أن يذهب ما في قلبه من تلك الخشية، والخشوع والنور، وإن بقي أصل التصديق في قلبه. وهذا من الإيمان الذي يُنْزع عنه عند فعل الكبيرة.
٢٢ - والمقصود هنا أنه ينبغي للمسلم أن يُقدِّر كلام الله ورسوله، بل ليس لأحد أن يحمل كلام كل أحد من الناس إلا على ما عرف أنه أراده، لا على ما يحتمله ذلك اللفظ في كلام كل أحد؛ فإن كثيراً من الناس يتأوَّل النصوص المخالفة لقوله،