فجلس وهو يتساءل، فقال الرجل: سألت عليك امرأة بالتليفون. - امرأة؟! - سألت عن سر الإعلان. - حقا؟ ومن هي؟ - لم تكشف لنا عن هويتها ولم نشف لها غليلا بطبيعة الحال. - أليس من المحتمل أن تكون من طرف الرحيمي؟
فقالت إلهام: قد وقد؟ - وما قد الأخرى؟
فقال الطنطاوي ضاحكا: قد تكون من طرفك أنت.
استعذب هذا التحقيق الذي أخذ بمجامع قلبه، وقال: أو عابثة من العابثين، لقد لعب معي أحدهم لعبة سخيفة.
ترى هل المرأة من طرف الرحيمي؟ زوجته أو أرملته؟ أو لعلها كريمة دفعت إلى ذلك بحب الاستطلاع، إنها امرأة مجربة لا تصدق شيئا بسهولة. هي داهية بقدر ما هي فتاكة، بقدر ما هي لذة طاغية. وجلس إلى المائدة بفتركوان فتذكر لحظات الحلم العجيب. وجاءت إلهام فاتخذت مجلسها، وطلب الغداء، وتبادلا ابتساما ودودا، وقالت: لست على حماسك الأول للإعلان وهذا أحسن.
أنت لا تدرين شيئا عما خفض درجة حماسي! - أحسن؟ - نعم فهذا البحث يجب أن يترك للزمن الطويل. - ولكن ألا تسمحين لي بأن أدفع ثمن الغداء ولو مرة؟ - أنت الضيف لا أنا. - ما ألطفك يا آنسة إلهام، ألا يمكن أن أذكر الاسم مجردا؟ - بكل سرور. - ما ألطفك!
ومضيا يتناولان الطعام في ارتياح وسرور. وقرأ في عينيها الزرقاوين اهتماما بموضوع ما لن يلبث أن يترجم إلى كلمات، فانتظر الكلام بشغف مؤملا أن يكشف فيه عن حقيقة مشاعرها. وتذكر ظلمة النصف الثاني من الليل وذوبانه في فتنة رائعة، فعجب لانقسامه الحاد بين المرأتين. وقالت: يخيل إلي أنك في إجازة خاصة لإنجاز هذه المهمة؟
تجس النبض للتعرف عليه. وساوره قلق ولكنه قال: لست موظفا بأي معنى لهذه الكلمة، أنا من الأعيان. - تزرع أرضك؟ - أبي من ذوي الأملاك.
واضح أنها تتستر على شعور بعدم الارتياح. قال: وأنا أدير أملاكه العقارية، وهو عمل أثقل من أي وظيفة.
ثاني كذبة يكذبها عليها وهو كاره رغم أنه لم يكذب بعد على المرأة الأخرى. - المهم أنك لا تعيش في فراغ فهو عدو البشر. - هو كذلك، عانيته أسبوعين، ولكن كيف عرفت ذلك؟ - ليس عسيرا أن أتصوره، ثم إني قرأت عنه. - التجربة لا تكون حقيقية إلا حين أمارسها. - رأي وجيه. - في سنك هذه لا يتاح لك معرفة الحقائق بطريقتي إلا فيما ندر. - إن كنت تتصورني طفلة فأقلع عن تصورك.
Halaman tidak diketahui