Sejarah Bangsa Koptik
الهدية التوفيقية في تاريخ الأمة القبطية
Genre-genre
إهداء الكتاب
مقدمة
1 - أصل الأقباط وسبب تسميتهم
2 - علوم قدماء الأقباط ومعارفهم
3 - عوائد الأقباط القديمة المشهورة
4 - ملابسهم وهيئتهم
5 - ديانتهم ولغتهم
الباب الأول
6 - ملوك قدماء الأقباط الوطنيون
7 - حكم الرعاة على بلاد القبط
Halaman tidak diketahui
8 - استرجاع ملوك القبط الوطنيين سلطتهم
9 - تملك الأيثيوبيين والآشوريين على بلاد القبط
10 - رجوع السلطة لملوك القبط الوطنيين
11 - تملك العجم على بلاد القبط
12 - ملوك القبط الوطنيون بعد طرد العجم
13 - حكم العجم على بلاد القبط دفعة ثانية
14 - حكم اليونان على بلاد القبط
15 - حكم الرومان على بلاد القبط
16 - حكم الدولة العربية الإسلامية على الأمة القبطية
17 - حكم الدولة المحمدية العلوية الفخيمة
Halaman tidak diketahui
الباب الثاني
مقدمة
18 - النهضة القبطية الحديثة
19 - رغائب الحزب التوفيقي ومآرب الحزب الإكليريكي
20 - حالة الأقباط الحالية الراهنة
إهداء الكتاب
مقدمة
1 - أصل الأقباط وسبب تسميتهم
2 - علوم قدماء الأقباط ومعارفهم
3 - عوائد الأقباط القديمة المشهورة
Halaman tidak diketahui
4 - ملابسهم وهيئتهم
5 - ديانتهم ولغتهم
الباب الأول
6 - ملوك قدماء الأقباط الوطنيون
7 - حكم الرعاة على بلاد القبط
8 - استرجاع ملوك القبط الوطنيين سلطتهم
9 - تملك الأيثيوبيين والآشوريين على بلاد القبط
10 - رجوع السلطة لملوك القبط الوطنيين
11 - تملك العجم على بلاد القبط
12 - ملوك القبط الوطنيون بعد طرد العجم
Halaman tidak diketahui
13 - حكم العجم على بلاد القبط دفعة ثانية
14 - حكم اليونان على بلاد القبط
15 - حكم الرومان على بلاد القبط
16 - حكم الدولة العربية الإسلامية على الأمة القبطية
17 - حكم الدولة المحمدية العلوية الفخيمة
الباب الثاني
مقدمة
18 - النهضة القبطية الحديثة
19 - رغائب الحزب التوفيقي ومآرب الحزب الإكليريكي
20 - حالة الأقباط الحالية الراهنة
Halaman tidak diketahui
الهدية التوفيقية في تاريخ الأمة القبطية
الهدية التوفيقية في تاريخ الأمة القبطية
تأليف
توفيق عزوز
إهداء الكتاب
لرب السياسة والكياسة ورجل الحزم والعزم، صاحب الهمة المشهورة والحكمة المعروفة عطوفتلو أفندم بطرس باشا غالي ناظر المالية الأفخم ...
سيدي المفضال ...
جرت عادة جهابذة التأليف والتصنيف، وخدام الأقلام، رجال التحرير والتحبير، أن يهدوا كتبهم ويقدموا مؤلفاتهم لمن يرون فيه الجدارة واللياقة. فمنهم من يهديها لمن كان عالما نحريرا، أو جهبذا مفلقا خطيرا؛ تقربا منه واعترافا بفضله ونبله، ومنهم من يقدمها لمن كان غنيا مثريا، ولو لم يدر شيئا من العلوم والمعارف؛ ليستظل تحت ظل سعته ويساره الظليل الوارف.
أما أنا فقد آليت على نفسي أن لا أحذو هذا الحذو ولا أنحو هذا النحو. على أنني قد استصوبت - ولا أخالني إلا مصيبا - أن أقدم إليكم كتابي هذا بمثابة هدية قبطية أرجو أن تحظى من لدنكم بالقبول وتفوز بالاستحسان؛ وذلك لأني من أبناء طائفتكم الذين هم في يم فضلكم وكرمكم الخضم مغمورون غارقون، وبأنظار عنايتكم وحسن رعايتكم مشمولون ومرموقون.
وناهيك ما لكم على طائفتنا بأسرها من الأيادي البيضاء والمناقب الحسناء التي هي أشهر من أن تذكر وأكثر من أن تحصر.
Halaman tidak diketahui
فيا حبذا لو تكرمتم علي بقبول تلك الهدية، وغضيتم الطرف عن قصوري وتقصيري. أطال الله أيامكم ونفعنا بنفثات هممكم ونفحات معارفكم وعلومكم، إنه السميع المجيب.
بنده محسوبكم
توفيق عزوز
مقدمة
تمهيد مفيد
لا مراء ولا مشاحة أن الوقوف على ما كانت عليه الأمم الغابرة، ومقابلته على ما آلت إليه حالتها الحاضرة، أمر ترتاح له الروح وتصبو إليه النفس؛ بناء على أن الإنسان يميل بطبعه إلى ذلك كل الميل.
وناهيك ما في ذلك من الفوائد الجمة، والمزايا المهمة، التي تجل عن الوصف والتعبير، ويقصر دون سردها وتعدادها قلم الكاتب النحرير، بل لا يصل إلى إدراك كنهها وماهيتها فكر كل جهبذ خطير خبير.
لأن الاطلاع على تاريخ الأمم السالفة قد يدعو إلى تحسين العوائد، وتدميث الأخلاق، والسعي وراء احتواء الفضائل والتحلي بها، واجتواء المساوي والرذائل والتخلي عنها. وهذا هو سر تقدم الأمم ومصدر ترقيتها، وأصل حضارتها ورفاهيتها وسعادتها، ومنشأ مجدها وسؤددها وأبهتها.
فالتاريخ مرآة يرى الإنسان في داخلها أسباب التقدم والترقي فيهتدي إلى معرفتها ويقدم على مناولتها وممارستها، ويرمق ببصر بصيرته بواعث التأخر ودواعي الانحطاط والتقهقر؛ حتى يصبح على بصيرة منها، فيحجم عنها ويسعى في ملاقاتها وتداركها بأنجع الوسائل وأنفع الوسائط. وبهذه المثابة يكون واقفا على قبيله ودبيره، وعارفا طريق الوصول إلى معارج الفلاح ومدارج الارتقاء والنجاح. وهذه هي أفضل غاية وأجل بغية يجد في طلبها المجدون، ويتنافس في تحصيلها ونوالها المتنافسون.
ولا ريب أن تاريخ الأمة القبطية لمن التواريخ الخليقة بالذكر والحقيقة بالنشر؛ نظرا لما وعاه وحواه من الحكم المنثورة، والمواعظ المأثورة التي يفتقر إليها أفراد الهيئة الاجتماعية كل الافتقار، ويضطر العاقل إلى معرفتها جل الاضطرار؛ لأنه يمثل للمتأمل بأجلى وضوح ما كانت عليه تلك الأمة من سمو المكانة ورعاية الجانب. وما تحصلت عليه من العلوم والمعارف التي لم يجارها في مضمارها مجار، ولم يبارها في ميدانها مبار. وإنها لم تصل إلى ما وصلت، ولم تتحصل على ما تحصلت إلا بهمة وجهائها ونبلائها ورؤسائها. أيام كان هؤلاء الرؤساء لا يسعون لغاربهم، بل يعرفون ما لهم وما عليهم، ويغارون على مصلحة أمتهم ويشق عليهم أن يروها في حالة يرثى إليها. عالمين أن العار والشنار إنما هو منسوب إليهم إذا هم أهملوها ولم يعبئوا بأمرها، ويكترثوا بإصلاح شئونها. وأن الشرف والفخر إنما هو عائد عليهم إذا سعوا في ترقيتها وإصلاح حالتها؛ لأنه إن لم يهتم صاحب الدار بما فيها فهيهات هيهات أن تقوم لها قائمة إذ لا ينتظر إصلاحها ممن لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ثم يشخص هذا التاريخ أيضا أمام عيني الناظر ما آلت إليه حالتها من السقوط والهبوط، الذي لم يكن يخطر بالبال. لولا أن دوام الحال من المحال. ومتى علم ذلك وتحقق ما هنالك، يستفد عندئذ الفائدة المقصودة بالذات، ألا وهي إصلاح ما اختل واعتل وإحياء ما درس وما مات.
Halaman tidak diketahui
فإليكم إليكم أيها المصريون عموما، وخلف هذا السلف المبارك خصوصا تاريخ آبائكم الأولين وأسلافكم السالفين. حتى إذا علمتموه ووعيتموه فاحذوا حذوهم واختطوا خطتهم. واسعوا في رأم الخلل ورأب الصدع، فعساكم تعيدون شهرة أولئك القوم التي لعبت بها أيدي العدم.
واعلموا أن آثار أجدادكم وعظام آبائكم قد قامت اليوم تطالبكم بحقوقهم المقدسة المسلوبة، وكأني بها تناديكم وتناجيكم قائلة: ألا رحم الله قوما عرفوا ما لهم وما عليهم من الحقوق والواجبات؛ فقاموا بأدائها خير قيام، وألا قاتل الله خلفا هدم ما بناه السلف، فكان كالباحث عن حتفه بظلفه، والجادع مارن أنفه بكفه.
فهل يجمل بنا أن يطرق مسامعنا هذا النداء ونحن عن إجابته وتلبية دعوته غافلون ساهون؟!
فهلموا بنا أيها الأفاضل الأماثل، نعير هذا النداء جانب الالتفات. وكفانا كفانا ما أحدق بنا وأحاق بطائفتنا من الآفات والعاهات؛ حتى يقال نعم الخلف الذي اقتفى أثر السلف، وذلك إنما يكون بإخلاص النيات، وحسم أسباب العداوات والخصومات. فإننا إذا اتحدنا قلبا وقالبا، واعتصمنا بعروة الالتئام والوئام، وصرمنا حبال البغضاء والشحناء، فزنا بنوال آمالنا وأمانينا التي هي إصلاح هذه الطائفة حتى تصبح رافلة في حلل التقدم والارتقاء. ومختالة في ثياب الهناء والرخاء تحت ظل أمير بلادنا، ومالك قلوبنا قبل رقابنا، الملك العادل الجليل، صاحب المجد الأثيل، خديوينا الذي تعلقت بأهداب كرمه وحلمه الآمال والأماني «أفندينا عباس باشا حلمي الثاني» أدام الله أيامه مقرونة بالعز والصفاء. ولا زلنا له عبيدا مخلصين في السراء والضراء. وحفظ لنا الوزراء الكرام ورجال مصر العظام ما مرت الأيام وكرت الأعوام، بمنه وكرمه آمين.
الفصل الأول
أصل الأقباط وسبب تسميتهم
إنه لما كان الغرض من وضع هذا الكتاب الإتيان على ذكر تاريخ الأقباط من ابتداء نشأتهم الأولى إلى انتهاء حالتهم الأخيرة، وجب علينا - والحالة هذه - أن نتكلم أولا عن أصل نشأتهم وسبب تسميتهم، ونسبتهم فنقول: الأقباط هم من ذرية قفطايم بن مصرايم بن نوح عليه السلام، ويسمون أقباطا بالنسبة إلى قفط وهي اسم لبلدة في الصعيد، قيل إنها أول مدينة تأسست في وادي النيل لما أتى مصرايم بن نوح وتوطن في مصر مع أولاده وأولاد أولاده الذين منهم قفطايم هذا، وهو الذي سميت هذا البلد باسمه.
فقفط إذن هي أول بلدة وطأتها أقدام أجدادنا الأقباط؛ فكانت منبت شعبتهم، ومسقط رأسهم، ومحط رحال مجدهم.
وقد اشتهرت قفط في أيام ملوك مصر الوطنيين بالقوة والمجد، وازدادت ثروتها خصوصا في أيام البطالسة؛ إذ امتدت مواصلتها واتسعت تجارتها مع بلاد العرب.
ولما تغلب الروم على مصر ورأوا ما كانت عليه مدينة قفط من الأهمية، وأنها من أعظم أمهات مدن الديار المصرية سموا مصر بأسرها «إيجيبت».
Halaman tidak diketahui
هذا ولقد علم بعد طول التنقيب والتنقير، وزيادة الاستقراء والاستقصاء، أن لفظة «إيجيبت» هذه مركبة من كلمتين يونانيتي الأصل؛ إحداهما: «آي» بمعنى أرض أو بلاد، والثانية: «جبت» بمعنى القبط؛ فيكون مجموع معنى الكلمتين «أرض القبط أو بلاد القبط» وهو الاسم الذي تناقل وتداول بين الأجانب عن هذه البلاد إلى الآن.
فالأقباط إذن هم سلالة المصريين القدماء الذين بلغوا الدرجة القصوى والشأو العظيم في العلوم والمعارف، وأحرزوا قصب السبق في مضمار التالد منها والطارف، وارتضعوا أفاويق الحكم واللطائف، وتفيئوا تحت ظلها الظليل الوارف. كيف لا وهم أول من فتحوا البلاد ودوخوا العباد، وشيدوا المدارس وأنشئوا المجالس، ووضعوا الشرائع ونبغوا في سائر الفنون والصنائع.
وها هي آثارهم الباهرة ومآثرهم الفاخرة لم تزل ولا تزال بين ظهرانينا تعرب عن فضلهم ونبلهم، وتترجم عن سمو مداركهم وكمال تقدمهم، فسل الأهرامات الباذخة، والمسلات الرفيعة والهياكل الشامخة، والأبنية الشائقة الشاهقة تجدها كلها ألسنة ناطقة وأفواها لافظة، تفصح عن براعة أولئك القوم الأولين والأسلاف السالفين.
ومن البديهي الذي لا يحتاج إلى بيان أو إقامة دليل وبرهان أنه لا يتسنى لمن لم يكن متضلعا من العلوم والمعارف وواقفا على كنه أسرارها، أن يأتي بمثل هذه الآثار والمآثر الخطيرة الباهرة، التي تبهر البصر وتخلب اللب وتأخذ بمجامع القلب.
الفصل الثاني
علوم قدماء الأقباط ومعارفهم
لقد برع قدماء الأقباط خصوصا في علوم الفلسفة الكيماوية والعقلية، وعلم الهيئة والنجوم، وعمل الصيني والزجاج، وفن النقش والتصوير والبناء، وإجادة التحنيط. وبلغوا أيضا الدرجة القصوى في الهندسة، وقد أتقنوا علم الطب إتقانا عجيبا غريبا؛ وذلك لأن كل طبيب كان يتفرغ لفرع واحد من فروع العلوم الطبية فيتقنه ويتفنن فيه كل التفنن؛ ولذا كثرت لديهم الأطباء المتفننون المتقنون لسائر فروع الطب، وخصوصا ما كان متعلقا منها بأمراض العيون لكثرة انتشارها وتفشيها في بلادهم المصرية، إلى غير ذلك من الفنون المتنوعة التي يشق على أبناء هذا العصر الإتيان بمثلها، ولا سيما فن البناء والنقش على الأحجار والتحنيط، تلك الفنون التي حارت في إدراك كنهها وماهيتها عقول فحول العلماء المتأخرين؛ لذا لا عجب إذا علمت أيها القارئ النبيل أن جميع العلماء الأعلام، ومشاهير الرجال العظام كانوا يهرعون ويتقاطرون أفواجا أفواجا من كل فج عميق إلى بلاد القبط؛ ليرتشفوا من مناهل علوم أولئك القوم الذين فاقوا سائر الأمم المعاصرة والمجاورة لهم والمكتنفة ببلادهم، كما دلت على ذلك صحف التاريخ ونطقت آثار الأخبار.
الفصل الثالث
عوائد الأقباط القديمة المشهورة
لا ريب أن الأمة المتمدنة المتقدمة إنما يطلق عليها هذا الاسم إذا هي كانت على جانب عظيم من دماثة الأخلاق، وطهارة الأعراق، وكريم الشيم، وجميل الشمائل، وذلك كله لا يظهر جليا إلا في العادات التي خصت بها كل أمة على حدتها دون غيرها.
Halaman tidak diketahui
ولنورد هنا ما اتصل بنا من عوائد أجدادنا الأقباط المشهورة فنقول: لقد كان لقدماء الأقباط عوائد كثيرة شهيرة صادرة عن الحكمة والسداد، نخص منها بالذكر ما اشتهر بين الورى، وعرف لدى العام والخاص والداني والقاصي، كعدم إتاحتهم لموتاهم بالدفن إلا إذا أحسنوا عملا ولم يقضوا سني حياتهم هملا. وكان هذا الحكم الصارم يسري على الرفيع والوضيع، والخطير والحقير، والغني والصعلوك، والمالك والمملوك على حد سوى. وذلك مما يدل على ميلهم للحق والإنصاف، وعدم جنوحهم إلى الإجحاف والاعتساف، ومعاملتهم لجميع الناس بالعدل والقسطاس، ومن عاداتهم أيضا أنه لا يسوغ للابن أن يمتهن غير مهنة أبيه وجده؛ لكي يتقنها ويحسنها سعيه وجده. ومنها حكمهم على مجتري الجرايم ومجترحي الجنح بقطع أعضائهم التي مكنتهم من إتيان هذه المنكرات، وارتكاب تلك الجنايات، فالسارق كان يقطع يمينه، والكذوب المزور المختلق الإحن والمحن يقطع لسانه، وهلم جرا.
وهذه العادة وإن لم توافق مشرب أهل هذا العصر، وتطابق مقتضيات التمدن الحالي، على أنها لا تخلو على كل حال من الحكمة والسداد كما قدمنا.
وكانت العادة الجارية عند الملوك أن يكافئوا من نبغوا في صناعتهم أو برعوا في مهنتهم من أهل رعيتهم؛ لكي يستفزوا غيرتهم ويحركوا نخوتهم للاهتمام بإتقان أعمالهم وتحسين أشغالهم، وهذه هي الخطة التي يختطها الأوروباويون الآن، ويستعملها الغربيون في غالب الأحيان، نقلا عن أجدادنا وأسلافنا الذين سبقوهم إليها؛ فكان لهم الفضل المتقدم.
ومن عوائدهم أيضا احترام شبانهم لشيوخهم الاحترام الزائد.
ومن عوائدهم التي كانوا بها يحافظون على جنسيتهم وأصولهم: أنهم كانوا يتجنبون الأجانب تجنبا شديدا، ويمتهنون كل من لم يكن من مواطنيهم؛ فلا يجالسونه ولا يتناولون معه طعاما البتة، ولعلنا نجد هذه العادة جارية في بعض الممالك الغربية العظمى للآن.
وكانت أحكامهم لا تصدر إلا من مجالس مؤلفة من ثلاثين قاضيا، لهم رئيس يرأسهم هو بمثابة رئيس المحكمة عندنا؛ حتى يباشروا الأعمال على غاية ما يرام، من تمام الإحكام والانتظام.
أما العلوم والمعارف فكانت قاصرة على الكهنة دون غيرهم؛ ولذا كانوا في ذلك الوقت أصحاب الشأن الرفيع بل أهل السلطة والسيطرة على الجميع.
الفصل الرابع
ملابسهم وهيئتهم
كان قدماء الأقباط أقوياء أصحاء، متصفون بطول القامة وضخامة الجسم، كما استدل على ذلك من آثارهم التي خلفوها بعدهم على حد قول القائل:
Halaman tidak diketahui
إن آثارنا تدل علينا
فانظروا بعدنا إلى الآثار
أما ملابسهم فكانت عبارة عن ثياب من الكتان، لها سجق وفوقها برانيس منسوجة من الصوف الأبيض، ولكن لم يكن يتاح لهم أن يأتزروا بتلك الملابس في مساجدهم ومعابدهم، بل كانوا يقتصرون على الثياب البسيطة ليس إلا، وكذا لا يسوغ لهم أن يكفنوا بها موتاهم لأن ديانتهم كانت تحرم عليهم ذلك.
ثم أخذت بعدئذ ملابسهم تتغير بتغير الدول الحاكمة عليهم؛ إذ كانوا يقلدونهم في جميع حركاتهم وسكناتهم، إلى أن لبسوا أجزاء الجبة والقفطان ثم الشراول ثم «المنطلون ومتعلقاته» كما هو المشاهد الآن؛ وذلك لاختلاطهم وامتزاجهم بالأجانب كما سترى.
أما الإكليروس فيلبس «الآن» قفطانا من النوع المعروف بالغزلية مع طربوش عليه عمة تشبه عمة الكلدان، وجبه سوداء طويلة الأكمام، والراهب فيهم يمتاز عن القسيس العادي المتزوج بقطعة من الصوف الأسود، بعرض أربع أصابع تتدلى من تحت الطربوش إلى وراء العنق، تعرف عندهم بالقلاسوة، ويتميز الرهبان المقيمون بأديرتهم بلبس الصوف غالبا بخلاف المترددين في المدن والبلاد؛ فإنهم يماثلون الإكليروس العلماني غير مميزين عنه في شيء إلا بالقلاسوة ليس إلا.
أما رؤساء الكنائس والأساقفة والبطريرك فملبوسهم غالبا من القفاطين الحريرية، والفرجيات الجوخ، ويلتحفون بشيلان من حرير على رءوسهم وأكتافهم، والأساقفة يتميزون عن رؤساء الكنائس بشكل العمامة؛ إذ يلبسون عمامة قائمة من طربوش وقماش حريري ملفوف على مقو مدور مرتبط ببعضه وبالطربوش بانعقاد محكم لا يمكن حله إلا بنقض العمامة من أصلها، مشابه لعمائم مطارنة وبطاركة السريان، بخلاف عمامة باقي الإكليروس، التي هي مركبة من طربوش وشال حريري، أو صوف ملفوف عليه لفا بسيطا، بدون ارتباط يمكن حله في أي وقت.
الفصل الخامس
ديانتهم ولغتهم
أما من حيثية الدين فلا يسعنا إلا أن نقول بأن أجدادنا الأقباط قد امتطوا فيه صهوة الشطط، وركبوا غارب الخطا ومتن الضلال والغلط؛ إذ كانوا يعبدون التماثيل والأصنام الحجرية دون مبدع الكائنات ورب البرية.
على أنه قد قيل إن الكهنة منهم كانوا يعرفون أنه يوجد إله أوحد، متفرد بالقدرة والعظمة التي لا تدخل تحت عد أو حد، وأن هذه الأصنام والتماثيل إن هي إلا رمز يشير إليه ويدل عليه، ويذكر الخلائق بقدرته وحكمته التي لا يدرك كنهها من البشر أحد. ولكن هؤلاء الكهنة قد جاءوا أمرا إدا، وحادوا عن جادة الصواب جدا؛ إذ لم يلقنوا هذه التعاليم لخاصة الشعب وعامتهم، حتى يكونوا على بصيرة من كنه ديانتهم، بل عرفوها وأخفوها وفي زوايا قلوبهم ستروها وواروها. فأشد اللوم والتثريب على الكهنة الذين حجبوا عن الشعب هذه الحقيقة؛ إذ كان القوم كما نوهنا وألمعنا منقادين لكهنتهم ومقلدين لحركاتهم وسكناتهم، فلو كانوا علموهم هذه المبادي المعتدلة لأذعنوا لأقوالهم، ورضخوا لأحكامهم؛ فالكهنة المصريون ملومون أشد اللوم لإخفائهم الحقيقة عن الجمهور ضدا لسرائرهم وتعقلهم، والشعب ملوم لتصديقه ما ينكره العقل ويشهد ببطلانه الحس.
Halaman tidak diketahui
ولكن لم تلبث أن ظهرت الديانة المسيحية وانتشرت بين أبناء الأمة القبطية في عهد حكم الدولة الرومانية عليهم، لما أتاهم مار مرقس الرسول كارزا ومبشرا بكلام الله الحي، وناطقا بروح الإنجيل والوحي، فقبلوها وتدينوا بها كما سيأتي ذلك مفصلا.
أما لغتهم فكانت اللغة الهيروغليفية القديمة التي لم تزل منقوشة على أحجارهم الضخمة، وآثارهم الجمة المهمة كالموجودة الآن في الجيزة وصقارة، وغيرها من التي لم تكتشف بعد.
وكانت هذه اللغة تكتب أولا بصور مستعارة من الأشياء الطبيعية، وباصطلاحات دالة على الألفاظ المعنوية دلالة عقلية ظاهرة، فكانوا إذا راموا التعبير عن مفتاح مثلا وضعوه بصورته المعهودة، أو الإفصاح عن طير أو غيره، رسموه بشكله وهيئته وهكذا.
ولكنهم توصلوا بعد ذلك إلى كتابتها بحروف دالة على الأصوات.
ولكن لسوء الطالع أخذت تلك اللغة تنحط رويدا رويدا حتى كادت تندرس وتطمس معالمها؛ وذلك لأن الملوك الأجانب الذين تولوا على مصر - وخصوصا العرب - كانوا يحجرون عليهم التكلم بها.
أما هذه اللغة فإنها استمرت أجيالا مستطيلة مجهولة للعموم، وذلك نشأ من تسلط الدول الأجنبية من يونانيين ورومانيين وعرب على بلاد القبط كما قلنا، وتسلط لغتهم على لغة البلد الأصلية، وإهمال أشكال كتابتها الخصوصية التي معرفتها هي الواسطة الأمينة للنطق بها إهمالا كليا، ومع أن الأقباط القدماء لم يبخلوا على العالم في إحراز أشكال كتاباتهم، بل حفروها حفرا لا تمحوه الأجيال على هياكلهم وأهرامهم وعمدهم ومسلاتهم، ومقابرهم وغيرها من آثارهم الباقية للآن شاهدة لعنايتهم، فإذا أهملت معرفة تلك الأشكال بالكلية؛ كان الناظرون إلى صورها والمتأملون في حروفها لا يرون منها إلا ألغازا مبهمة وأسرارا متعتمة، أخيرا حان الزمان لاكتشاف هذا الكنز الأدبي، وذلك في عهد وجود الجيش الفرنساوي بمصرنا؛ إذ قد عثر الضابط الفرنساوي المدعو بوسارد (سنة 1799 ميلادية موافقة سنة 1515 للشهدا قبطية) على حجر أسود في مدينة رشيد، وعليه كتابة بثلاثة حروف مختلفة؛ الأول: الحرف الهيروغليفي الذي يرى غالبا على الأطلال المصرية، وهو الذي كان يستعمله الكهنة وأمثالهم، والثاني: الحرف الديموتي أو الديموطيكي، وهو الخط المعتاد الذي كان يستعمله العوام، والثالث: لحسن الحظ باللغة اليونانية. وقد اجتهد بعض الأوروبيين حينذاك في حل الخطين المصريين الأولين بواسطة الخط اليوناني، ولم يهتدوا إلى التمام. أخيرا كان الفضل في ذلك لمهارة العالم الفرنساوي شمبوليون؛ فإنه استخرج من الحجر الرشيدي معرفة الهيروغليف المصري - وكلمة الهيروغليف لفظة يونانية مركبة من كلمتين؛ «هيرو»: أي مقدس، و«غليف»: أي: حفر، والمعنى : الكتابات المقدسة - وذلك أنه لما رأى في الكتابة اليونانية اسم الملك بطليموس أو بطولميس، ووجد في الهيروغليفية كلمة منحصرة في خط إهليليجي تحقق من مراجعة أسماء أخرى منحصرة في إهليليجيات أخرى منقوشة على إحدى المسلات، وعرف أن الحرف الأول حقيقة هو الباء والثاني التاء ... إلخ، ومن ذا أخذ يستدل على باقي الحروف والأشكال، وبما أنه كان عارفا باللغة القبطية الجاري كتابتها بالأحرف اليونانية، وقد حل أشكال الحرف الهيروغليفي على ما ذكرنا؛ فمن قراءة الهيروغليفي عرف أن اللغة المصرية هي نفس اللغة القبطية الموجودة، إنما الأولى كانت بالخط المصري والثانية بالخط اليوناني، ومع أن اللغة القبطية اتخذت الحرف اليوناني وذلك من جري تسلط اليونانيين على مصر إلا أن ألفاظها الأصلية هي نفس الألفاظ المصرية القديمة، ولو أن كثيرا من الألفاظ اليونانية أدخلت فيها للآن، وكان لهذه اللغة ثلاثة اصطلاحات؛ الأول: الصعيدي وهو الذي كان مستعملا غالبا في الوجه القبلي وأكثر الهيروغليفات المنقوشة محررة به، والثاني: البحيري وهو المستعمل الآن لدى الأقباط، والثالث: البثموري نسبة إلى البثمور، وكان الأقباط الحافظون على الاصطلاحات الثلاثة في محرراتهم الأدبية والدينية ومخاطباتهم الأهلية، كما تدل الآثار الباقية للآن إلى أن تغلب الجهل وتسلط القسر، وأخذت معرفتهم في لغتهم تتنازل جيلا فجيلا؛ حتى انتهى الأمر إلى إهمال استعمالها بينهم بالجملة.
ثم بعد مضي أمد مديد، وعهد عهيد؛ صارت هذه اللغة القبطية لا تستعمل إلا في الطقوس الكنائسية، وفي أيام الحسن الذكر البطريرك كيرلس الأكبر العاشر بعد المائة جعلها تعلم في المدارس التي أنشأها في حياته.
وبعد أن كان لا يوجد أكثر من اثنين أو ثلاثة يعرفون هذه اللغة، صار يوجد الآن عدد عديد من الذين يحسنون التكلم والكتابة بها، فكان إحياء هذه اللغة الشريفة القديمة من ضمن مآثر غبطة هذا البطريرك الجمة، وآثاره المهمة التي خلدت له ذكرا حميدا في متون التواريخ وبطون المؤلفات يتضوع شذاه في الآفاق، ويملأ الصحف والأوراق، لا يمحوه مرور الأيام وكرور الأعوام.
الباب الأول
ملوك الأقباط وحكامهم
Halaman tidak diketahui
الفصل السادس
ملوك قدماء الأقباط الوطنيون
لقد مر على الأقباط حين من الدهر ذاقوا في خلاله لذة الاستقلال، وتمتعوا بمزايا الحرية الحقيقية، وكان ذلك في أيام ملوكهم الوطنيين قبل استيلاء الدول الأجنبية عليهم، وقد أنبأنا التاريخ بأن ملوكهم الأوائل كانوا من مصاف الأحبار كما أسلفنا.
على أن هذه السلطة لم تدم مخولة لهم؛ بل انتزعها منهم أحد الوطنيين الغيورين، ألا وهو الملك «مينا» الذي أسس البلاد حكومة منتظمة ووضع لها قوانين عادلة.
فالملك «مينا» هذا أول ملك انفرد بالسلطة والسيطرة بعد الكهنة، وكان متصفا بالهمة والحكمة وحسن السعي، وحسبنا على ذلك دليلا ما أتاه من الأعمال الجلال؛ إذ هو الذي بنى مدينة «منف» التي تدعى الآن «ميت رهينه» وحول النيل عن مجراه من جانب صحراء «لبية» وجعله في الوادي الذي يجري فيه الآن بين الجبلين، إلى غير ذلك من الإصلاحات والتنظيمات التي مهدت لبلاده طريق التقدم والارتقاء، وأوردت رعاياه موارد الهناء والرخاء.
ثم أخلفه في الحكم أخوه «ثتا» وكان عالما نحريرا وجهبذا خطيرا، له في الطب رسالة أتى فيها على ذكر أصل التشريح الصحيح، وتلك الرسالة هي التي أتمها وكملها «استنس» صاحب اليراع المشهور والباع الطويل الراسخ القدم في أصول هذا العلم.
وبعدئذ حكم الأقباط 26 عائلة ملوكية وطنية أشهرها ما يأتي بحسب الترتيب والتعقيب؛ أولا: الملك «سميس» الذي فشا في عصره الوباء بالديار المصرية، وأهلك من الناس جما غفيرا وعددا عديدا، فعكفت الأهالي على ارتكاب الدنايا والمعاصي، والفتن التي أفضى بها الأمر إلى حصول هيجان عظيم لم ينته إلا بانتهاء مدة عائلته.
و«بينوتريس» الذي سن قانونا جديدا مؤداه أنه يجوز للنساء الترشح لمنصب الملك عند عدم وجود الذكور أو انقراضهم، قاصدا بذلك عدم خروج الملك من عائلته الملوكية، وقد ادعى هذا الملك القرابة للآلهة، ولقب نفسه «بابن الشمس»، فنسج على منواله من أتى بعده من خلفائه، وألزموا الرعية بعبادتهم واعتبارهم بمثابة آلهة ذوي تصرف مطلق فاعلين مختارين.
ومنهم «نخروفيس» الذي قمع سكان صحراء لبية الذين شقوا عصا الطاعة عليه فكبح جماح عصيانهم، وجعلهم مذعنين صاغرين، ومن مآثر وآثار عائلة هذا الملك «المعروفة» أبو الهول الموجود بين هرمي الجيزة والهيكل الموجود بالجهة القبلية من أهرام الجيزة.
ومنهم «خوفو» وكان رجلا مقاتلا يصبو إلى اقتحام الأهوال، وولوج معامع القتال، وتشييد البنايات، وبناء الآثار والعمارات؛ إذ هو الذي بنى الهرم الكبير الموجود بالجيزة، ولا صحة لما ادعاه البعض من أن هذا الملك كان ظالما لرعيته.
Halaman tidak diketahui
وكذا أخوه «خفرم أو خفرع» الباني للهرم الثاني «ومنكرا أو منقريوس» الرافع للهرم الثالث الموجود خلف الهرمين السابقين، وهذا الملك هو الذي وجدت جثته داخل هرمه؛ فأرادت دولة الإنكليز نقلها إلى دار تحفها، فأبى الله إلا حرمانها من نوال هذه الغنيمة الباردة فأغرق السفينة به في ساحل «البرتوغال» ولم يتحصل على شيء منها سوى غطاء التابوت، وهو لم يزل محفوظا في دار تحفها إلى الآن.
ومنهم «أبايوس» الذي كان مغازيا ومقاتلا مثل الملك «خوفو»، ومنهم نيتوكريس ربة الجمال والجلال التي لقبها «مانيثون» «بموردة الخدين»، ولهذه الملكة نادرة تاريخية شهيرة غريبة؛ إذ قد كان لها زوج يدعى «بنيوفيس» الثاني وهو أيضا أخوها، ففي السنة الثانية من حكمه قام عليه أعداؤه فقتلوه فانتقمت له زوجته أو إن شئت قل أخته «نيتوكريس» وأخذت له بثأره بطريقة عجيبة وكيفية غريبة. وبيان ذلك أنها أتت بهم إلى مقاصير تحت الأرض، وأعدت لهم فيها وليمة شائقة، وأحضرت إليها كمية وافرة من المطاعم والمشارب الأنيقة، فلما التهوا في لذات المأكولات والمشروبات أمرت بأن ينساب عليهم ماء النيل من سرداب معد لذلك من قبل فأغرقتهم جميعا. ثم قتلت نفسها خوفا من القصاص المزمع أن يلحقها.
وقد امتازت أيام هذه الملكة بإتقان فن التصوير؛ فترى أن صورهم كانت حائزة سائر المحاسن من اعتدال القامة واستدارة الوجه ورقة الأنف إلى غير ذلك، وقد يترتب على ذلك تقدم العلم أيضا؛ لأن الصناعة إن هي إلا من ضمن نتائجه.
ومنهم الملك «أمينامهات» أو «أمختيب» الأول الذي سعى في استخراج الذهب من بلاد النوبة، ثم «أوزريس» الأول صاحب المسلة المشهورة الموجودة الآن في المطرية، «وأموزيس » صاحب العمارات الجسيمة الموجودة بالفيوم والمشيد بحيرة قيرون المعروفة ببحيرة «موريس»، وهو الذي بنى أيضا القصر الجسيم المسمى «لايرينت» المحتوي على ثلاثة آلاف قاعة منها 1500 في الدور الأول و1500 فوقها في الدور الثاني، وأخيرا الملك «تيماوس» الذي أغارت في أيامه «الهكسوس» أو الرعاة على البلاد القبطية.
الفصل السابع
حكم الرعاة على بلاد القبط
أما هؤلاء الرعاة «الهكسوس» وتسميهم العرب العمالقة أيضا؛ فهم قوم اتصفوا بسماجة الطباع وفظاظة الأخلاق، أغاروا على بلاد القبط من نواحي آسيا الجنوبية واستولوا على الوجه البحري فجأة، ثم تكاثر عددهم حتى صار كرمال القفار وقطرات الأمطار، فأخذوا يدمرون الهياكل والمدن ويفتكون بالأهالي، فاضطر حين ذاك الملوك الوطنيون أن يأووا مع جماعة من رعيتهم إلى الصعيد؛ حيث حكموا هناك في مدينة «طيبة»، فانقسمت حينئذ بلاد القبط إلى قسمين عظيمين معاصرين لبعضهما:
الأول:
فرع أهلي أصلي وملوكه غير معلومة، وكان مركز حكمه بالوجه القبلي الذي قاعدته مدينة «طيبة» كما قدمنا.
والثاني:
Halaman tidak diketahui
فرع متغلب أجنبي ومقره مدينة «منفيس»، وأول ملوكه الملك «سلاطيس» الذي أفرغ قصارى جهده في ترتيب الحكومة وتنظيم الأحكام، وتشييد الحصون الحصينة والقلاع المنيعة في النقط التي كان يخشى منها هجوم العرب والبدو الذين هم على شاكلته، أو المصريين الحاكمين في الصعيد الذين كان يعتبرهم أعداء ألداء له.
ولا ريب أن هذا أدل دليل يدلنا على أن هؤلاء العمالقة لما عاشروا الأقباط أقلعوا عن أخلاقهم الذميمة، وأعرضوا عن طباعهم الممقوتة، وأصبحوا عارفين بواجباتهم الملوكية التي لم يكونوا ليعرفوا لها اسما ولا رسما.
ومن ضمن ملوك هؤلاء الرعاة أيضا الملك خوفيس المشهور عند العرب بالريان بن الوليد، وهو الذي اتخذ «يوسف» له وزيرا لما فسر له الحلم وألفاه بضروب الحكمة والتدبير خبيرا.
أما ملوك القبط الأصليون القاطنون بالصعيد كما مر؛ فكانوا ساهرين متيقظين آخذين كل الاحتياطات اللازمة للتوقي من غارات وهجمات أعدائهم الرعاة. ولطالما حاولوا مقاتلتهم وانتزاع البلاد من أيديهم واسترجاع سلطتهم إليهم، إلى أن أتاح الله لهم ذلك.
إذ في أيام الملك «أوموزيس» اتحد جميع أقباط الصعيد قلبا وقالبا وهجموا دفعة واحدة على الرعاة؛ فقيض الله لهم نصرا مبينا، ومكنهم من أعدائهم تمكينا. ولكن لسوء الحظ أدركت الملك «أموزيس» المنية قبل نوال هذه الأمنية، فاقتفى أثره في هذه الخطة ابنه «أخميس»؛ إذ استمر في محاصرتهم والتضييق عليهم، حتى تمكن في آخر الأمر من طردهم بالكلية من سائر تخوم البلاد القبطية، بعد أن حكموا عليها نحو نصف جيل تقريبا من سنة 3200 قبل الميلاد إلى سنة 100 قبله.
الفصل الثامن
استرجاع ملوك القبط الوطنيين سلطتهم
وبهذه المثابة تسنى للأقباط استرجاع سلطتهم، وانتزاع بلادهم من يد أعدائهم، ثم طفقوا يعمرون ما دمرته ملوك العمالقة من الهياكل الدينية والعمارات المدنية، وأول الملوك الذين حكموا على بلاد القبط بعد طرد الرعاة «الملك أخميس» الذي قطع دابرهم عن آخرهم، وأنقذ البلاد من شرهم وجورهم، ولقد اشتهر ملوك هذه الدولة الوطنية الثانية بالغزوات والفتوحات.
فمنهم الملك «أمنحوتيب» الذي فتح بلاد «كوش» «والأيثيوبية» وجعلها لقبا لولي عهده؛ فكان يقال له «أمير كوش».
ومن أشهر ملوك هذه الدولة الملك طوطوميس الأول، ثم طوطوميس الثاني الذي تمكن من إدخال الولايات السودانية تحت حكمه، واهتم كسلفه ببناء العمارات وتأسيس المباني، على أنه قضى نحبه ولم يرزق ابنا يرث الملك من بعده، فآل أمر الحكم إلى أخيه «طوطوميس» الثالث. ولما كان هذا الأخير قاصرا أقاموا «أخته حاشاذو» وصية عليه ونائبة عنه، فتزوجت به وشرعت في إدارة حركة المملكة بكل همة وشهامة.
Halaman tidak diketahui
وبما أنها كانت ولوعة بالفتوحات والغزوات شأن أبنائها السالفين استولت على بلاد «سورية» وضربت عليها الجزية، ومن آثار هذه الملكة المشهورة تشييد المسلتين الكائنتين «بالكرنك» التي لم تزل إحداهما قائمة إلى الآن تنادي بهمتها العجيبة وشهامتها الغريبة. وكان على رأس كل من هاتين المسلتين تاج من ذهب هرمي الشكل، ولقد نقشت الملكة تاريخ غزواتها على جدران أحد آثارها المدعو «بالدير البحري»، ولما بلغ الملك طوطومس الثالث أشده وأدرك رشده استولى على الأحكام، فارتقت في أيامه بلاد القبط ارتقاء كليا؛ إذ فتح جزيرة قبرص وجزيرة كريد ومدينة نينوى، ويقال إنه أدخل تحت طاعته سواحل جنوب إيطاليا.
ولهذا الملك آثار جمة نخص منها بالذكر مدينة «هليوبولس» - أي المطرية - ومنف وجزيرة أصوان، ثم توفي بعد أن حكم نحو 45 سنة تقريبا.
ومنهم أمنوفيس الثالث الذي كان مهابا حسن السياسة في السلم والحرب، وقد اشتدت المملكة في عهد ولايته إلى داخل بلاد الحبشة. وأغلب آثار هذا الملك موجودة بجزيرة أصوان، وجبل السلسلة، وبجهة طرة وجزيرة الطور.
ومنهم الملك أمنوفيس الرابع، وكان هذا الملك يأخذ الجزية من الممالك الخاضعة لسلطته كجاري العادة. وقد تزوج بامرأة أجنبية؛ فأدخلت في البلاد عبادة الشمس فحقد الأقباط عليه وشددوا النكير على فعله هذا، ولما اتضح له ذلك خاف على نفسه فنقل تخت المملكة من طيبة إلى المدينة التي شيدها، وسماها بمدينة المنيا، وتعرف الآن باسم تل العمارنة.
وبعد موته نسخت عبادة الشمس التي أدخلها إلى البلاد مرضاة لخاطر زوجته، وهذا الملك هو صاحب الصورة المشهورة الموجودة بالأقصر.
ومنهم الملك رمسيس الأول، وهو الذي تجرأ على مقاتلة قبيلة الخيتاس فانتصر عليهم، ثم خلفه ابنه منفطه أوسيطوس، الذي كان رجلا غيورا على مصلحة الأمة ومتصفا بالهمة والحكمة. وقد يستدل من الأبنية التي شيدت في أيامه أن فن النقش والعمارة تقدم تقدما تاما، ويقال إنه هو الذي صنع المسلة التي نقلت إلى رومية، ومن المؤكد أنه هو أول من حفر الخليج لتوصيل ماء النيل بالبحر الأحمر. وقد فتح أيضا طريقا للقوافل من آسيا إلى جبل أتوكي وأوجد بها عينا «أردوازية» صناعية لشرب المسافرين إذا أضناهم التعب، وأنهكهم الظمأ وأعياهم النصب.
ومن مناقبه أيضا غزو بلاد السودان والشام ونينوى وبابل وأقصى بلاد أرمينية؛ إذ يظهر أن بعض الممالك التي كانت تابعة في مبدأ الأمر لحكام مصر خرجت عن طاعتهم، فاضطر إلى محاربتهم وإخضاعهم، ثم خلفه ابنه «رمسيس» الثاني المسمى عند اليونان «سيزوستريس» وقد كان هذا الملك أعظم جميع ملوك مصر قوة وشوكة، ومن صفاته الخاصة به الملازمة له حبه لرعيته حبا شديدا زايدا حتى لقد جعلهم أسراء طاعته ورهيني إشارته، فكان إذا مر بالأزقة والشوارع ضجت الناس وهتفت بالدعاء له والتأييد لسلطانه كأنه المقصود بقول القائل:
كأنك من كل النفوس مركب
فأنت إلى كل الأنام حبيب
وقد نسب إليه اليونان افتتاح بلاد العجم، وبلاد الهند والعرب، وبعض ممالك أوروبا، وقالوا إنه ضرب الخراج على عشرين أمة واسترعاها، ومما يدل على حسن سياسته وكياسته أنه كان كلما فتح مملكة أجنبية أبقى بها شرذمة ليست بقليلة من الأقباط الأصليين الوطنيين؛ لينشروا في جميع أنحائها وأرجائها مبادئهم القويمة وأخلاقهم وعوائدهم المرضية.
Halaman tidak diketahui
وبعد وفاته أعقبه في الملك الملك منفطة أو منفتاح الثاني، وفي أيامه دخل جماعة من اليونان والصقليين إلى البلاد القبطية بقصد الاستيلاء عليها؛ فلم يمكنهم من نوال بغيتهم، بل صدهم بجيشه الجرار وردهم على أعقابهم خائبين، وقد قيل إن خروج بني إسرائيل من مصر كان على عهد هذا البطل الهمام المقدام، ولكن هذا الزعم لم يتأكد بعد.
ومنهم أيضا «رمسيس الثالث» الذي أتى بأعمال جديرة بالذكر وحرية بالاعتبار؛ ولذا كان من أعظم ملوك الأرض طرا شأنا وأسماهم مكانة؛ إذ قامت في أيامه بلاد الحبشة والنوبة، وأغاروا على البلاد المصرية فهزمهم وصدهم، وأدخل أيضا تحت سلطته كسائر الملحقات المصرية، وأباد جميع أعدائه برا وبحرا، وغادرهم في حيرتهم؛ مرتبكين متعجبين من تلك الجسارة والشهامة التي تجاوزت الحد.
ولكن أبى الدهر إلا أن تسقط وتهبط بلاد القبط في أيام خلفائه الذين لم ينسجوا على منواله، ولم يحسنوا التصرف ولا تدبروا في نتائج أعمالهم.
وبيان ذلك أنه في أيام رمسيس الثالث عشر آخر ملوك هذه الدولة الشهيرة تداخل رئيس كهنة الإله آمون في أمر الأحكام والسلطة الإدارية التي انتزعها منهم الملك ميناس كما سلف آنفا. ثم انضم إلى هؤلاء الكهنة أيضا حزب مؤلف من سذج الشعب، وما زال الجدال على هذا المنوال بين حزب الكهنة وبين الحزب الملوكي، حتى انتزع أخيرا رئيس الكهنة السلطة من الملك رمسيس المذكور.
ولا ريب أن هذه الحادثة التاريخية القديمة تضارع كل المضارعة حادثتنا القبطية الأخيرة الشهيرة، كما وأنها تدل أيضا على طموح كهنتنا إلى السلطة العالمية، وجنوحهم إليها وولوعهم بها منذ القدم.
أما حكم هذه الدولة الكهنوتية الجديدة فقد استمر نحو 178 سنة، وفي ذاك الزمن أخذ اليونان مدينة تروادة، ولكن لم تأت هذه الدولة بعمل يذكر فيشكر، بل عاش ملوكها عيشة التواني والكسل، وماتوا بدون أن يخلفوا بعدهم أدنى عمل؛ ولذا دعاهم المؤرخون بالملوك أهل الكسل وأرباب البطالة، وغاية ما علم من آثارهم أنه كان يوجد لأولهم المدعو منداس حجر ببريا أصوان، منقوش عليه كتابة بالقلم اليربائي تحتوي على طلب الدعاء بحفظ الذات الملوكية أي منداس، ولقد كانت هذه الدولة معاصرة للملك داود وابنه سليمان اللذين استوليا على أغلب الملحقات المصرية بدون أن يجدوا من يمانعهم أو ينازعهم من الأقباط.
ولما دام الحال على هذه الوتيرة مدة من الزمن شق هذا الأمر على قدماء الأقباط، إذ علموا أنهم إذا استمروا على هذا التواني والتهاون ضاعت بلادهم وساءت حالهم، فريثما تضعضعت حالة هذه الدولة الكهنوتية المتقاعدة ظهرت عائلة من بسطة الكائنة بقرب الزقازيق، وخلعت منها الحكم ثم استولت على جميع البلاد القبطية، وجعلت مدينة بسطة المذكورة عاصمة بلادها ومركز ملوكها.
وأول ملوك هذه العائلة شبشاق الأول الذي غزا بلاد فلسطين، واستولى على جميع قلاعها وسلب أموال قصورها الملوكية، ثم أخلفه في الحكم ابنه سار حدون الأول المذكور في التوراة باسم زاراق الحبشي، وهو الذي حارب مملكة يهوذا كسلفه، على أنه خذل وآب بصفقة المغبون. والظاهر أن هذين الملكين كانا من الأجانب الذين توطنوا، أو أن لهم قرابة أو مصاهرة مع الأقباط الأصليين؛ لأن أسماءهم تحاكي أسماء ملوك العراق والأكراد، وليس لهم من العمارات والآثارات ما يستحق الذكر.
وفي مدة هذه العائلة تجزأت بلاد القبط إلى ولايات صغيرة كان يرأس كل ولاية منها رئيس من الليبيين، ونظرا لإهمال ملوك هذه العائلة تداخل هؤلاء الرؤساء فيما لا يعنيهم وتجاوزوا حدودهم؛ حتى اغتصبوا وظائف الحكومة، فاختلت حركة البلاد واعتلت حالتها، فزحف إليها في ذاك الزمن الأيثيوبيون من جهة الجنوب والآشوريون من جهة الشمال، فانحطت البلاد انحطاطا كليا ، وضعفت قوتها وخرج عن حكمها سائر ملحقاتها. ثم أعقب هذه العائلة عائلة أخرى كانت أسوأ منها حالا وأكثر تهاملا وتكاسلا، فازداد في عهدها تمزق وتغرق بلاد القبط، وانقسمت على عشرين ولاية، كان يحكم على كل ولاية منها أمير مخصوص، وفضلا عن هذا وذاك فلم تكتف بلاد السودان عن الخروج عن طاعة ملوك القبط بعد أن كانت منقادة لهم، بل شنت الغارة أيضا على البلاد القبطية؛ حتى وصلت إلى إقليم منف، واستمرت البلاد على هذا التجزء إلى أن نهض أحد العشرين أميرا المدعو تفتحوت وانتزع من شركائه الملك بمؤازرة الزنوج، ثم أسس عائلة أخرى غير هذه العائلة، أشهر ملوكها واحد فقط وهو الملك بوخوريس، وكان شهما هماما غيورا على مصلحة بلاده؛ إذ اهتم بتنظيمها وترتيبها وتهذيب أهليها، مع المحافظة التامة على الروابط الأجنبية، ولكن الأمة القبطية القديمة امتهنته واتهمته بأنه أهان الثور الذي كانت تعبده، فاستعانت على نزعه من السلطة بالملك سباقون ملك النوبة الذي كان وقتئذ قد شق عصا الطاعة عليه، فأغار الملك سباقون هذا على بلاد الأقباط، فساعدوه هم بأنفسهم على الاستيلاء عليهم، ولما وقع بوخوريس في قبضة هذا الجبار العنيد لم يشفق عليه بل ألقاه في النار حيا.
الفصل التاسع
Halaman tidak diketahui
تملك الأيثيوبيين والآشوريين على بلاد القبط
ومن ثم صارت بلاد القبط تابعة للأيثيوبيين، وأول ملوكهم الملك سباقون الذي ألمعنا عنه في الفصل السابق، وقلنا: إنه استولى على مصر وأحرق الملك بوخوريس، ولكن لما صفا له الجو تغيرت طباعه وتحسنت أحواله، فانتقل من حالة القساوة والغباوة إلى الرقة والشفقة، فمال بكليته لتمدن الأقباط وتدين بدينهم، واشتهر بحب الرعية وحسن التدبير، ويقال إنه أول من أبدل العقوبة بالقتل، وجعلها بالأشغال الشاقة المؤبدة، ولما ذاع صيته بين الورى وشاع وملأ الأسماع استنجده ملك إسرائيل وملك الفنيقيين وملك فلسطين لكي يساعدهم على هزم ملك آشور الذي اشتهر بالقوة والبطش؛ إذ كان يكدر ويعكر كأس راحة هذه الممالك الثلاث. فأجاب الملك سباقون دعوتهم ولبى إشارتهم وحشد جيشا عرمرميا ثم توجه لمحاربة شلمنسو ملك آشور ، ولكن الدهر عاكسه فهزم هو والمتحالفون معه، وضل مدة من الزمن إلى أن اهتدى أخيرا إلى الطريق الموصل لبلاده، وكانت هذه الهزيمة الغير منتظرة سببا في عصيان قاطني الوجه البحري عليه، وانفصالهم عن حكمه، واستقلالهم تحت حكم أسطفانيطس أحد أقارب الملك بوخوريس الذي مات محروقا كما قدمنا، فانحاز سباقون إلى الصعيد ثم مات.
وأخلفه ابنه سواخوم الذي رام أن ينتقم لأبيه من أمراء الوجه البحري الذين شقوا عصا الطاعة عليه، فتمكن من ذلك، وحكم بلاد القبط فقام عليه أخوه طهراق وقتله، وانتزع الحكم من يده، وفي عهد طهراق هذا أغار ملك آشور على بلاد القبط فاستولى على منفيس وطيبة، ثم طفق يصلح ما اختل من نظامها واعتل، وأرجع لأمرائها العشرين امتيازهم وضرب عليهم الخراج.
ولكنه ريثما عاد إلى بلاده قام طهراق المذكور واستولى عليها ثانيا، فرجع ملك الآشوريين وانتزعها منه، وسلمها للعشرين رئيسا، ثم عاد إلى وطنه وهو يظن أن طهراق لا يجسر على الحرب ثانيا، ولكن ساء ظنه فإن طهراق عاد بعودته إلى العصيان، وهكذا أصبحت بلاد القبط غنيمة باردة تتناولها وتلعب بها أيدي الآشوريين والأيثيوبيين إلى أن تركها طهراق أخيرا من تلقاء ذاته لرؤية رآها في المنام، وكذلك تركها الآشوريون لما علموا أن تملكهم عليها يكلفهم من التعب والنصب ما لا يطيقون، فآل أمر حكمها إلى الملك تينخ ميمون آخر ملوك الأثيوبيين على حد قول بعض المؤرخين.
الفصل العاشر
رجوع السلطة لملوك القبط الوطنيين
أما سكان مصر الأصليين - أعني الأقباط الوطنيين - فاعتراهم الملل والضجر من حكم ملوك الأجانب الشديد الوطأة، فعقد أمراؤهم وعظماؤهم النية على تخليص وطنهم من أيديهم، فتمكنوا أخيرا من طردهم من الجهات البحرية، ثم قسموا البلاد إلى 12 قسما ترأس على كل قسم واحد من هؤلاء الأمراء العظماء؛ فسميت هذه الحكومة بالمقاسمة الاثني عشرية؛ ومن ثم أخذ أحد هؤلاء الاثني عشر يجد ويجتهد في خلع السلطة من يد شركائه فتمكن أخيرا من ذلك بمساعدة بعض العساكر اليونانية، بطريقة لا سبيل لذكرها هنا لعدم الوثوق من صحتها .
ولما انفرد هذا الأخير المدعو بساميتيك بالحكم اهتم بتعمير ما دمره الآسيويون والآشوريون، ثم طفق يحض القبط على اقتناء المعارف واسترجاع ما كان لهم من المجد السالف، وقد حصن البلاد من كل جهة، ثم فتح بلاد النوبة واستولى على فلسطين، وفي أيامه دخلت إلى البلاد جماعة من اليونان؛ فوهبهم بعض الأراضي وسلمهم بعض شبان الأقباط ليعلموهم لغتهم اليونانية في المدارس التي أنشأها، وكذا فتح بلاد الشام، ثم توفي بعد أن حكم نحو 54 سنة، فأخلفه ابنه تيخاوس الذي عن له أن يكتشف حدود أفريقيا فأرسل إليها جيشا لأجل هذه الغاية فتمكن من ذلك على أنه لم يستفد شيئا من هذا الاكتشاف، وبعد وفاته حكم ابنه بساميتيك الثاني، الذي غزا بلاد النوبة ومات على أثر رجوعه منها، فحكم بعده ابنه إيرياس الذي شقت عليه جنوده عصا الطاعة؛ إذ أرسلهم إلى بلاد القيروان للاستيلاء عليها، ولم يتسن لهم ذلك، وسدت دونهم جميع المسالك، فانتخبوا أحد الرعايا المدعى أمازيس وجعلوه ملكا عليهم، ثم حاربوا ملكهم الأصلي فانتصروا عليه وخنقوه.
ولما صار أمازيس هذا ملكا احتقره الوطنيون بادئ بدء نظرا لدناءة حسبه ونسبه، ولكنهم بعد ذلك رمقوه بعين الاعتبار والوقار؛ لما أقنعهم بأن الرجل إنما يعتبر ويوقر بأعماله لا بماله، أو جماله أو حسبه أو نسبه كما يتوهمون.
وقد كان أمازيس متصفا بجودة القريحة وتوقد الذهن، ومن مآثره المشهورة استيلاؤه على جزيرة قبرص.
Halaman tidak diketahui
وقد تزوج بإحدى بنات الملك أبسامتيك الثاني؛ ليؤسس منها عائلة ملوكية جديدة، فولدت له ابنا سماه بسامتيك الثالث، الذي حكم على المملكة، وكان آخر ملوك هذه العائلة.
الفصل الحادي عشر
تملك العجم على بلاد القبط
وفي أيام أبسامتيك الثالث دخل مصر العجم على يد كمبيز ملكهم الذي لما استتب له الحكم أراد أن يغزو ثلاث غزوات؛ الأولى: غزوة قرطاجة، والثانية: بلاد النوبة، والثالثة: صحراء لبية، ولكن لم يحظ بوطره، ولم يفز بنوال أربه على الإطلاق.
وعند عودته إلى مصر ألفى كهنة الأقباط وأمراءهم محتفلين بعيد معبودهم العجل أبيس، فاستشاط غضبا واحتدم غيظا وقيظا؛ إذ ظن أنهم شامتون فيه وفرحون بخيبته وهزيمته، فضرب العجل المذكور بخنجر كان بيده وقتل عددا عديدا من كهنتهم وأمرائهم ثم مات غير مأسوف عليه.
ومن ذاك الحين تولدت العدواة والبغضة في قلوب الوطنيين نحو العجم، وخصوصا في أيام حكم الملك دارا الذي أخلف كمبيز في الحكم؛ فإنهم انتهزوا فرصة انهماكه بإخماد فتنة العراق ورفعوا عليه راية العصيان فلم يتمكن من قمعهم، ولكن لما تولى الملك شيرش خلفه عاقب أرباب هذه الفتنة وأخضعهم، ولكنهم لم يلبثوا أن قاموا ثانيا يطالبون باستقلالهم، وما زالوا مثابرين على هذه الخطة إلى أن تيسر لهم قتل الملك دارا الثاني النائب عن دولة العجم بمصر، وطردوا عساكر الفرس من بلادهم، وبهذه المثابة عاد لهم استقلالهم.
الفصل الثاني عشر
ملوك القبط الوطنيون بعد طرد العجم
وبعد أن تحصل القبط على استقلالهم وطردوا العجم من بلادهم؛ قامت بالملك منهم عائلة جديدة تدعى بالصاوية نسبة إلى صالحجر. على أن هذه العائلة لم تتعدد ملوكها بل كانت عبارة عن ملك واحد وهو الملك أمرطيس، الذي خاض عباب المصاعب، وتجشم الأهوال في تخليص البلاد من سلطة الأعجام، ومع أن مدة حكمه لم تكن إلا سبع سنوات لكنه مع ذلك أصلح البلاد إصلاحا لم يعهد له مثيل.
ثم ظهرت عائلة أخرى وطنية يقال لها الأشمونية نسبة إلى أشمون، ومن أشهر ملوكها الملك نفروطف الذي تحالف مع اليونان لمعاونته على الأعجام؛ لعلمه أنهم أعداء المصريين واليونانيين الألداء. وبعد موته أخلفه في الحكم الملك هورقور الذي اختط خطة سلفه ومكن العلائق والروابط الودية بين المصريين واليونانيين. فأرسلت له دولة اليونان جيشا جرارا تحت قيادة خابرياس الأثيني وقاية له وتحصينا لبلاده. وفي عهده جاء العجم إلى بلاد القبط بقصد الاستيلاء عليها دفعة ثانية، ولما شاهدوها محصنة بالعساكر والدساكر ارتدوا راجعين على أعقابهم بخفي حنين، وفي أيام حكم هذا الملك وفد أيضا إلى البلاد القبطية أفلاطون الحكيم وغيره من حكماء اليونان لتلقن الحكمة والفلسفة من حكماء عين شمس ومنف وطيوه، وبعد وفاة هذا الملك الجليل قام بالملك ثلاثة ملوك آخرين من عائلته، ولكن لم يأتوا عملا يذكر فيشكر أو ينشر فيفتخر به.
Halaman tidak diketahui
وبعد انقراض هذه العائلة وجدت عائلة أخرى وطنية ثالثة قامت بأعباء الملك، أول ملوكها الملك نقطانب الأول الذي في أيامه كانت العجم تتهدد البلاد القبطية من وقت إلى آخر، وتود أن تستولي عليها عند سنوح الفرصة، فلما توقع الملك نقطانب منهم ذلك جند الجنود وحشد العساكر؛ فقيض له الله النصر عليهم ثم قضى نحبه، فأخلفه الملك طاخوس الذي عند علمه بأن العجم تقصد الاستيلاء على البلاد القبطية جمع جيشا جرارا، واستنجد بدولة اليونان؛ فبعثت إليه بجيش عظيم أيضا تحت قيادة القائد أجزيلاس اليوناني الذي اقترح على الملك طاخوس أن لا يتوجه لمحاربة العجم إلا إذا أتوا هم أولا لمحاربته، فلم يذعن لمقترحاته ولم يرضخ لمشورته، بل بادر إليهم بذاته، فلما خرج عن حدود البلاد رفعت عليه العساكر راية العصيان؛ فولى الأدبار وركن إلى الفرار وانحاز إلى جيش الأعجام. فتولى بعده نقطانب الثاني الذي عقد معاهدة مع أهل صيدا وصور؛ للاتقاء من شر الأعجام، فلما هجم على صور أرسل إليها الملك نقطانب فرقة عسكرية يونانية لنجدتها ومعاونتها، فهزم جيش العجم. فلما رأى ملك الفرس ذلك اضطرمت في فؤاده نيران الغضب والغيظ، فقاد الجيش بنفسه وهجم على جيوش اليونانيين والمصريين دفعة واحدة؛ فانتصر عليهم نصرا مبينا، حتى تمكن من إبادتهم جميعا؛ فولوا من أمامه هاربين وقفلوا راجعين وهم مذعورين صاغرين، ثم اقتفى أثرهم حتى سلموا أنفسهم بأنفسهم وهم خاضعين خاشعين، أما الملك نقطانب الذي هو آخر ملوك الأقباط الوطنيين فلم يسعه إلا أن جمع خزائن أمواله وفر هاربا إلى بلاد النوبة حيث قضى نحبه بها.
الفصل الثالث عشر
حكم العجم على بلاد القبط دفعة ثانية
ومن ثم صارت بلاد القبط تحت حكم العجم بعد أن لبثت نحو ستة وستين سنة مستقلة استقلالا كاملا، وكان ملك العجم وقتئذ الملك داراخوش صاحب تلك النصرة المشهورة، ولكن أبى الله إلا أن يقصر مدة حكمهم عليها في هذه الدفعة؛ إذ لم تستمر إلا ثلاث سنوات ليس إلا، وبعدها انتهى حكمهم في سنة 232ق.م وهي السنة التي أتاها فيها البطل الهمام رب الشوكة والصولة، ألا وهو الملك إسكندر المقدوني الأكبر، الملقب بذي القرنين كما سيأتي. وفي خلال هذه المدة الوجيزة التي حكم فيها العجم على البلاد القبطية لم يقم بالملك منهم إلا ثلاث ملوك فقط؛ كان دأبهم وديدنهم هدم العمارات المدنية، والهياكل الدينية وتدمير الآثار الوطنية؛ ولذا ترى أنه في مدة حكمهم هذه القصيرة قد خربت أغلب الآثار القبطية، وطمست معالمها حتى أصبحت وأنت لا ترى فيها إلا أطلالا بالية لا منفعة لها ولا فائدة منها على وجه الإطلاق، ولم يبق من الآثار المصرية على حاله القديم إلا ما شيد في أيام البطالسة. وبالإجمال فإن تملك العجم على القبط في هذه الدفعة الثانية عاد على البلاد والعباد بالوبال الوبيل.
الفصل الرابع عشر
حكم اليونان على بلاد القبط
وبعد مضي ثماني سنوات من حكم العجم على مصر بلاد القبط، وافاها إسكندر الأكبر ذو القرنين فاستولى عليها كما قدمنا، وجعلها تابعة لمملكة اليونان التي حكمت عليها نحو 27 سنة. أما الملك إسكندر الأكبر المومأ إليه فكان شهما أبي النفس عادلا؛ إذ أتاح للمصريين أي الأقباط قاطبة التدين بدين آبائهم وأجدادهم ومتعهم بالحرية التامة التي حرموا منها منذ أمد مديد.
واختط مدينة الإسكندرية فصارت مخزنا عاما لتجارة الدنيا بأسرها، ولم تزل كذلك إلى الآن، ولقد لقبها باسمه أي الإسكندرية.
وبعد وفاته تقاسم قواده ممالكه؛ فكانت مصر بلاد القبط من نصيب القائد بطليموس لاغوص الأول الذي نهج منهج الإسكندر في جميع أعماله، ولما كان محبا للعلم والعلماء أنشأ مكتبة الإسكندرية الشهيرة، ووسع نطاق البلاد القبطية؛ إذ أضاف عليها بلاد العرب وقبرص. وبعد وفاته حكمها بطليموس الثاني الذي ترجم التوراة إلى اللغة اليونانية، ثم بطليموس الثالث، فبطليموس الرابع، فالخامس، فالسادس، فالسابع إلى الثالث عشر.
وكان هؤلاء البطالسة جميعا رجال حزم وعزم عارفين ما لهم من الحقوق عند رعيتهم وما عليم من الواجبات نحوهم ، وفي أيامهم ارتقت بلاد القبط ارتقاء لا نظير له؛ إذ بثوا فيها روح العلوم والمعارف، ونشطوها من عقال الإهمال، فبلغت أوج المجد وذروة الكمال.
Halaman tidak diketahui