Zaman Kemerosotan: Sejarah Negara Arab (Jilid Ketujuh)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Genre-genre
فأنت تقرأ من وراء كلمات هذه المقطوعة شدة نقمة الناس، لا على اليهود؛ بل على أولئك القادة والأمراء والملوك الذين قدموهم، واستعانوا بهم، وأبلغوهم معالي الأمور وأعالي الرتب حتى صار الملك ومستشاره وقواده طوع أيديهم، فلا سبيل للناس إلا أن يتهودوا بعد أن تهود الكون والفلك نفسه، ولكن أنى لهم أن يعلوا والله سبحانه قد أذلهم، ولا بد للناس من أن يأتيهم نصره، ويأخذ اليهود المجرمين أخذ عزيز مقتدر، فقد كتب عليهم الذل والمسكنة وباءوا بغضب منه، ولن يكون حالهم اليوم في دويلتهم الهزيلة التي أوجدوها في فلسطين الحبيبة، إلا كحالهم بالأمس فلن يقوم لهم ملك، ولن تنتظم لهم دولة مهما تعالوا ومهما سموا.
ذلك ما كانت عليه العاصمة الإسلامية - بغداد - وذلك ما كانت عليه مدن الدولة العباسية من أقصاها إلى أقصاها قبل دخول التتار، وعقبه من تحكم السوقة واليهود وأبناء الجمالين والبراجين في أمور الدولة.
أما حالة الشعب من عري ونوائب صحية وطواعين وأوبئة وفقر وجهل، فحدث بها بما شئت ولا حرج، وقلما كانت تمضي خمس سنوات دون أن يحدق بالبلاد جميعها طاعون أو وباء، أو أن تصيبها جائحة سماوية تأتي على الأخضر واليابس، وترتفع الأسعار، ومن أفظع ما حدثنا التاريخ به عن هذه الحقبة ما حدث سنة 684ه فقد غلت أسعار الخبر غلاء فاحشا حتى بيع كل ثلاثة أرطال بدرهم، وحتى باع الفقراء أولادهم وبناتهم، وألقت النساء بنفوسهن في دجلة من الجوع، وقد حدثنا التاريخ أيضا أن امرأة جاعت وجاع أولادها، وسألت الناس فلم يعطوها شيئا، فوضعت نفسها وأولادها في جوالق ودفعته إلى دجلة فالتهمه، وقد استمرت هذه الحال نحوا من سنة حتى أكل الناس عروق القصب والبردي وأوراق الحلفاء وأعشاب الأرض،
5
وقد قاسى العامة بل الخاصة من الويلات ما يشيب الطفل من روايته فكيف بالوقوع فيه، ولم تكن تلك حالة عابرة مرت على العراق أيام فتنة هولاكو ثم ذهبت بذهابه، بل إنها كانت كثيرا ما تقع بين الفينة والفينة، وليس هذا بغريب بعد أن تحكم التتار في البلاد، واستولوا على خيراتها، وقضوا على موارد الثروة فيها، ولما ذهبوا عن البلاد خلفهم التركمان، ولم يكونوا إلا أسوأ حالا وشرا في أفعالهم، فقد رأيت في القسم السياسي من هذا الكتاب أن كثرة السلاطين التركمان من البايندرية والبارانية كانت لا تعرف الرحمة ولا تحس بآلام الشعب، وإنما كان همها أن تأكل في صحاف الذهب، وتتمتع بما تستطيع من المتع، وعلى الشعب العربي النبيل أن يتحمل، وأن يقدم لها ولأمرائها وحاشيتها من شذاذ الآفاق الذهب والفضة والطعام والشراب والكساء والزينة، ولو حرم الشعب من ضروريات الحياة، فكم ماتت أطفال من الجوع، وكم استعبدت شريفات من الفاقة، وكم اشتغل فلاحون وحصادون حتى يقدموا للأمير أو الوزير المغولي أو التركماني أو العجمي الطعام الشهي، والكساء البهي والعيش الهني، فقد روى أكثر مؤرخي العراق في هذه الحقبة أنه في سنة 670ه لمع نجم الخواجة شرف الدين هارون ابن الصاحب شمس الدين الجوني، وهو شاب عجمي من أسرة خدمت الدولة المغولية، وسمت به وظائف الدولة حتى صار يلقب بحاجب ديوان الممالك في العراقين، وطمحت نفسه إلى أن يتزوج بحفيدة الخليفة المستعصم بالله، فتم له ما أراد، ويقال: إنه قد عرض عليها مهرا لا يكاد يصدق العقل وقوعه، وهو مائة ألف دينار فقبلت أمها به على شريطة أن يكف عن شرب الخمر فقبل بذلك، وقد عجب المؤرخون لهذه الحادثة حتى قال ابن أبي عذيبة في تاريخ دول الأعيان وكان صداقها مائة ألف دينار، وهذا ما سمع بمثله إلا لملك، فإن القائم بأمر الله أصدق خديجة السلجوقية مائة ألف دينار، وكذلك المكتفي بالله زوج ابنته زبيدة بالسلطان مسعود بن محمد ملكشاه على صداق مائة ألف دينار،
6
فهل جمعت هذه الآلاف المؤلفة من دنانير الذهب من غير الفلاحين والبائسين، والسوقة المعوزين الذين كانوا يعطون أموالهم عن يد وهم صاغرون.
ومن الأمور التي يلاحظها المرء أثناء تتبعه لحوادث العراق في هذه الفترة أن الأخلاق العامة قد فسدت فسادا بارزا على وجه العموم، فقد كثر الدجالون والأفاكون والأشرار والمفسدون، وخصوصا الذين كانوا يسمون أنفسهم «الشطار» الذين كانوا يعيثون في البلاد فسادا، وينضم إليهم طبقات من الجهال وأهل الاحتيال فيزداد شرهم، ويلقى المستورون وأصحاب السكينة والفضيلة منهم كل شر، وربما فرضوا على بعض الناس الفرائض، وطالبوهم بجعالات وضرائب، فإن دفعوها نجوا من شرهم، وإلا هددوهم بالقتل والحرق، وسلب الأولاد والتعدي عليهم، وكم حرقوا من بيوت وأفسدوا من زروع، ورجال الشرطة وضابطة الأمن وأهل الاحتساب لاهون ساهون، أو أنهم كانوا يخافونهم فلا يستطيعون إيقاف أعمالهم المريبة أو الشائنة، أو الحيلولة دون جرائمهم الشيطانية الغريبة التي كانوا يؤذون بها الناس ويفسدون عليهم أعمالهم، والحق أن موجة الفساد قد انتشرت في البلاد عامة بعد احتلال المغول، فكثر الغش وعم الفساد ومرضت الضمائر، وهذا أمر طبيعي بعد أن تحكم الأشرار في أمور الدولة، وصار الأمناء والمخلصون منزوين، وأضحى الموظفون الشرفاء لا يستطيعون الاستمرار في أعمالهم بما تقتضيه المصلحة العمومية، ولا يستطيعون البقاء في عملهم؛ إما خوفا من الأشرار أو مجاراة لهم، والعواصم والمدن الكبرى في العادة تكون مألفا لهم ولأمثالهم في أيام العزة والسلطان القوي النفوذ، فكيف بها في أيام الفتن والويلات والحروب والسلطان الضعيف الذي يتحكم فيه من لا أخلاق لهم ولا دين يردعهم؟!
أما حالة الأسرة فلم تكن أفضل من غيرها، وقد أخذت كثير من عراها تتفكك، وتسوء بانحطاط شأن المرأة العربية بعد أن حلت محلها الجواري، وطغت عليهن طغيانا فظيعا، وعلى الرغم من أن الجواري قد كن سيطرن على المنزل العربي منذ العهد العباسي الأول بسبب كثرة الرقيق، فإنه قد كان أيامئذ شيء من العزة القومية وقوة الدولة يمنع الناس من الانصهار المطلق في البوتقة الأعجمية، أما في هذا العصر الذي نؤرخه فقد انحل كل شيء عربي حتى لم يكد يبقى له من أثر، وساءت الأسرة، وانحطت عقلية المرأة، وبانحطاطها انحط مستوى أولادها، وفسدت حالاتهم العامة.
أما من ناحية العلم والمعرفة والمشاركة في التوجيهات الاجتماعية والثقافية: فلم تكن حالة المرأة أفضل، بعد أن كانت لها مكانة مرموقة في ذلك منذ فجر العصر العباسي حتى أواخر القرن السادس للهجرة، فكم ظهرت منهن فواضل بوارع في الأدب والعلم والسياسة والحرب، أما في هذا العصر فقد ساءت أحوالها بشكل خطير، وانحصر علمها في حفظ شيء من كتاب الله وبعض المعلومات الساذجة، والإلمام بكثير من الخرافات والجهالات، وهكذا انحط مستواها العقلي، وفقدت سجاياها العربية الكريمة من عزة النفس والاستقلال في التفكير، وصار الرجل يقسو في معاملتها، ويمنعها من الخروج إلى المجامع العامة، ويسدل عليها ستار الجهل، ويشدد عليها في الحجاب والانزواء عن مجالس العلم، وحلقات الأدب، التي كانت تغشاها في العصور السابقة منذ عصر الانبثاق.
Halaman tidak diketahui