Zaman Kemerosotan: Sejarah Negara Arab (Jilid Ketujuh)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
Genre-genre
وأنهم رحماء بينهم، وأنهم حملة الخير والحكمة والاستقامة وحفظ الدين؟! وقد كان بلاؤهم في هذه المرة شديدا، وتداخل الجند والأسباهية والانكشارية والأعراب في الحرب واشتد سعيرها، واضطر الشريف سعيد إلى إرسال الوسطاء، وتعهد بدفع مشاهرات الأشراف، فلم يقبلوا وعزموا على الثورة بعد أن ولوا أمورهم الشريف عبد المحسن بن أحمد بن زيد، ووقعت معركة كبيرة بين الطرفين حتى احتمى جماعة الشريف سعيد بمكة، وضاق عليهم الأمر، واضطر الشريف إلى الهرب بنفسه، ودخل الثوار مكة، وأجبروا الشريف سعيدا على أن يتنازل لابن عمه الشريف عبد الكريم بن محمد، وأقره على ذلك جميع الأشراف ما عدا الشريف سعيدا وأباه سعدا؛ فإنهما خرجا مغاضبين، وأخذا يجمعان الأعراب حولهما لمحاربة الشريف عبد الكريم وجماعته، فتمكنا من الاستيلاء على مكة، وتسلط الشريف سعد من جديد على ولاية الحجاز للمرة الرابعة، ولكنه لم يلبث في هذه المرة إلا أياما حتى عاد الشريف عبد الكريم فتغلب عليه، وهلك الناس مهلكة عظيمة من جراء هذه المآسي حتى قتل في إحدى المعارك التي وقعت بين الطرفين نحو من ألف ومائتي رجل،
12
وظلت الأمور قلقة حتى أواخر سنة 1116ه حين مات الشريف سعد، واستقر ابنه الشريف سعيد في الشرافة للمرة الرابعة، واستقامت له الأمور فترة، ثم رجع الأشراف ومماليكهم إلى السلب والنهب وكثرت الاضطرابات، وكثيرا ما كانت تتعطل الشعائر الدينية من صلوات وحج، وربما قتل الناس في المسجد الحرام، وباتوا في خوف ووجل شديدين، ومما زاد الأمر اضطرابا حركات «الانكشارية» التي كانت تؤرج النار ضراما وتفسد البلاد، ولا أحد يستطيع الوقوف في سبيلهم والحد من ظلمهم .
وفي سنة 1117ه رجع الشريف عبد الكريم إلى مكة ومعه عساكر مصر وعساكر الوزير سليمان باشا، ولما وصلوا المسجد الحرام، وفتحت الكعبة، وجدوا القاضي والمفتي والأعيان وأهل المناصب في محلهم على العادة المألوفة، ولما استقر الشريف في مكانه قدموا إليه الكسوة السلطانية وهي مكونة من قفطان - أي جبة بالسمور والفرو - ثم أخذ ينعم على الحاضرين بالكسى والقفاطين والتشاريف، وقرئ الأمر السلطاني بتسمية الشريف عبد الكريم، وهذه هي المرة الثالثة التي يتولى فيها، ولما تمت المراسيم جمع الأشراف وسليمان باشا وشيخ الحرم والقاضي والمفتي وكبار المفتين والعلماء وآغوات العساكر والأعيان، وقال لهم فيما قال: قد شاهدتم ما وقع من التعب والشقاق حتى آل الأمر إلى الحرب، وتعبنا نحن والرعايا، وعمت الفتن، وأصيب فيها الغني والفقير، وذهب بسببها الأموال والرجال، والموجب لهذا كله زيادة المعالم الخارجة عن المعتاد التي عجز عن تحصيلها العباد والبلاد، فكل ملك يتولى، يحصل بينكم وبينه التعب والمشقة بسبب المعلوم، فالقصد منكم أن تنظروا في مدخول البلاد، وتوزعوه أرباعا؛ فثلاثة أرباع تكون بينكم، والربع لي ولجماعتي وعسكري ومهمات البلد، فرضي الجميع بما قاله، وسجل القاضي كلامه في حجة شرعية،
13
وتم الصلح وانصرف الجميع إلى أعمالهم، ولم تمض فترة حتى وردت الأنباء بأن الشريف سعيدا قد جمع جموعا من البدو والمماليك يريد بهم مكة، فاستعد له الشريف عبد الكريم، والتقى الجمعان، فتفرق جماعة الشريف سعيد، ورجع الشريف عبد الكريم إلى مكة، وبعث بعض جنده للحاق بالشريف سعيد الذي فر إلى الطائف، فردهم ووطد أمره في الطائف، وجمع جمعا أراد به الزحف إلى مكة، وعلم بذلك الشريف عبد الكريم فعاجله وشتت جموعه واستولى على الطائف، ولكن سعيدا تمكن من أن يستعيدها بعد أن غادرها عبد الكريم، فلم يبق فيها إلا مدة فرض فيها على أهلها بعض المال فأخذه وهرب، وفي سنة 1120ه انضم إليه بعض الأشراف الذين غضبوا من الشريف عبد الكريم، وعزم على الاستيلاء على مكة فردهم الشريف عبد الكريم، إلى أن كانت سنة 1123ه فجمع جموعه واتجه نحو مكة فدخلها، ووردت الرسل بأن السلطان العثماني قد أنعم عليه بالشرافة فخرج عبد الكريم إلى مصر، أما سعيد فإنه شرع بعد دخوله إلى مكة في توطيد أركانه وإصلاح ما فسد، وسار بالناس سيرة حسنة كأنه يريد التكفير عن سيئاته، وظل على ذلك إلى أن مات في سنة 1129ه، فتولى الأمر من بعده ابنه عبد الله، وسار بالناس في مبدأ أمره أحسن سيرة، ثم ما لبث أن عدل عن النهج القويم، وأفسد البلاد، فتجمع الناس، ونادوا بعزله وتولية أخيه علي في فجر عام 1130ه وكتبوا بذلك إلى السلطان العثماني فوافقهم وهدأت الحالة، ولكنها ما لبثت أن اضطربت للخلاف الذي نشب بين الشريف علي وسائر الأشراف الذين خرجوا من مكة مغاضبين لقطع معاليمهم وعوائدهم المقررة، فلما قدم الحجيج الشامي وأميرهم الوزير الحاج رجب باشا شكوا إليه أمرهم، وأنهم يريدون عزل علي وتولية الشريف يحيى بن بركات، فلما طلبهم وعهد بالأمر إلى الشريف يحيى.
وكان يحيى رجلا حازما قويا سار بالبلاد سيرة حسنة إلى أن كانت سنة 1132ه فتغلب عليه الشريف مبارك بن أحمد، وفي عهده في سنة 1134ه وقعت الفتنة الكبرى بين آغوات الحرم المدني وبين أهل المدينة حتى تحصن الآغوات في المسجد، وأخذوا يطلقون النار على الأهلين من المنائر فتعطلت الصلاة، وقتل من الأهلين جماعات إلى أن عزل الشريف مبارك وتولى الشريف يحيى للمرة الثانية، ولم يلبث في شرافته هذه إلا مدة حتى تنازل عنها لولده الشريف بركات في سنة 1135ه فغضب الأشراف من هذا التصرف وأعلنوا عصيانهم، وذهبوا إلى الشريف مبارك، وانضموا إليه، وحرضوه على إعلان الثورة، فعزم الشريف بركات على تأديبهم وخرج هو وإسماعيل باشا أمير جدة للقائهم والتقى الجمعان في المحرم سنة 1136ه، فانهزم الشريف بركات وجماعته، وانتصر الشريف مبارك، ولقيت البلاد بلاء عظيما من هذه المحنة، وغلت أسعارها، وثارت العامة على الشريف مبارك طالبة إليه أن يترك منصبه، فخرج من مكة وتولاها الشريف عبد الله للمرة الثانية، فأساء السيرة وظلم الرعية، وفرض على التجار من سكان مكة وجدة والطائف والواردين من جميع الأقطار أموالا جسيمة وضرائب باهظة، وقاسى الناس منه ومن الأشراف ويلات حتى كانت سنة 1140ه فهطلت أمطار كثيرة، ورخصت الأسعار، وكثرت الخيرات، واستراح الناس، واستعادوا بعض نشاطهم، واستمرت الأمور إلى سنة 1143ه وفيها هلك الشريف عبد الله، وتولى مكانه ابنه الشريف محمد، واستمر إلى سنة 1145ه، وكان رجلا حسن الإدارة والسيرة فتصرف بالبلاد وأحسن إلى الحجاج، ولكن الأشراف لم يرضوا عنه فتخلى عن منصبه للشريف مسعود بن سعيد، ولم يبق إلا فترة حتى تنازل عنه للشريف محمد بن عبد الله، ثم اضطر هذا إلى أن يخلع نفسه ويتولى الشريف مسعود، فلقيت البلاد من هذا التنقل بلاء وفوضى، ولما رأى ذلك زعيم الأشراف محسن بن عبد الله تألم له أشد تألم، فسافر إلى الشام مهاجرا مع أمير الحاج الشامي سليمان باشا العظم وهناك مات.
14
وقد ظل مسعود في شرافته إلى سنة 1165ه وفيها مات، فتولى الولاية من بعده أخوه الشريف مساعد، وسار بالناس سيرة مضطربة إلى أن جاء الحجاز عبد الله باشا أمير الحاج الشامي في سنة 1172ه فبلغه سوء سيرته وما تقاسيه الناس منه فعزله وولى أخاه جعفرا، فلم يقبل جعفر وظل الشريف مساعد إلى سنة 1184ه فتولى الأمر من بعده أخوه الشريف عبد الله، ولم يطل عهده بل تنازل لأخيه الشريف أحمد، وفي أيامه وقعت الفتنة الكبرى بين الشريف أحمد وبين محسن بك أبي الذهب الذي بعثه صاحب مصر ليعزله الشريف أحمد، ويولي الشريف عبد الله مكانه، فوقعت البلاد في فوضى، وكثر السلب والنهب، وانتشر البدو الذين جاءوا مع الشريف عبد الله في البلاد، وهم يعيثون فيها الفساد وينهبون الأهلين، إلى أن انتصر الجند المصري مع أبي الذهب، ودخلوا مكة والشريف عبد الله يتقدمهم في سنة 1184ه، ولقد لقي الحجاز من أبي الذهب وجنوده تعبا ومشقة؛ فإنهم نهبوا الدور والقصور، وأساءوا معاملة العلماء والوجوه، ولم يتركوا البلاد إلا بعد أن ساءت أحوالها، ولما غادروها اجتمع الأهلون، وخلعوا الشريف عبد الله وأعادوا الشريف أحمد، وأول عمل قام به هو إحراقه بعض دور الأشراف الذين اتهمهم بإحراق قصر دار السعادة، وهو مقر الشرافة، وبهدم بعض قصور البلد وأبوابها، ولم يكن الشريف أحمد أحسن سيرة من سلفه؛ فقد أباح لجنده نهب بيوت الناس والاستيلاء على أموالهم في مكة وجدة والمدينة، فأفسدوا الحرث والنسل واشتد كرب الأهلين، وعم الغلاء حتى أكل الناس القطط، وشربوا الدماء، ولم تكن حال البوادي خيرا من حال الحواضر، فقد ضج أهلها، وظلت الأمور قلقة إلى سنة 1185ه حين قدم الحجيج المصري الشامي، وأحضرا معهما الأقوات والأقمشة فانفرجت الأزمة، وفي سنة 1186ه ثار الشريف مسرور بن مساعد على عمه الشريف أحمد وأخرجه من مكة بعد أن هزم جنده، واستولى على الشرافة، فذهب عمه يستصرخ القبائل ليعود إلى ولايته، ووقعت بينه وبين ابن أخيه خمس عشرة موقعة
15
Halaman tidak diketahui