Sejarah Terjemahan dan Gerakan Budaya di Zaman Muhammad Ali
تاريخ الترجمة والحركة الثقافية في عصر محمد علي
Genre-genre
وبعد ذلك بقليل أعلن المجمع - شأنه في كل عام - عن مسابقات رصد لها جوائزه السنوية التي تمنح لأحسن بحث أدبي بوجه عام، ولأحسن قصة، ولأحسن ديوان شعر، ورأيت أنه وإن كانت الفرصة السابقة قد فاتتني في المسابقة الماضية منذ تقدم الباحثون بأبحاثهم وفاز بجائزة الجميل باشا بحث الصديق الأستاذ جاك تاجر، فإن هذه فرصة جديدة أستطيع أن أنتهزها لأطلع المجمع على منهجي في بحث الموضوع كما سبق أن شرحته له.
وتقدمت بكتابي «تاريخ الترجمة في مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر» لجائزة البحث الأدبي، وقدر له أن يفوز بهذه الجائزة، وكانت اللجنة التي قرأته ورشحته للجائزة مكونة من حضرات الأساتذة:
المغفور له أنطون الجميل باشا، والدكتور إبراهيم بيومي مدكور بك، ومحمد فريد أبو حديد بك، ومحمد أحمد العوامري بك.
وقد نشرت صورة من تقارير حضراتهم في صدر هذا الكتاب.
وأعلنت نتائج المسابقات لتلك السنة في حفل عام أقيم في قاعة المحاضرات بالجمعية الجغرافية الملكية في أبريل سنة 1946، وتحدث عن كل مسابقة مقرر لجنتها، وكان مقرر لجنة البحوث الأدبية حضرة صاحب المعالي الأستاذ الدكتور طه حسين باشا، فتحدث عن كل كتاب من الكتب الفائزة، وخص كتابي بكلمة قيمة فيها تقدير كريم للبحث وقيمته ومنهجه.
2 •••
هذه هي قصة الكتاب وهذا هو تاريخه، أما موضوعه فلست أجد وصفا له أبلغ من هذه الكلمة التي وصفه بها المغفور له أنطون الجميل باشا في قوله: «هو تاريخ خطوات مصر الأولى في سبيل تحريرها، أو تاريخ العلماء والأدباء الذين كفلوا بوادر نهضتها، أو تاريخ محاولتها الخروج من عزلتها وتعرفها بالغرب لوصل ما انقطع من حضارتها، أو تاريخ الوسيلة المثلى التي اصطنعها محمد علي في إقالة عثرتها»، فقد بقيت مصر قرابة قرون ثلاثة - في العصر العثماني - منطوية على نفسها، مقفلة النوافذ والأبواب، والعلاقات بينها وبين العالم الخارجي - وخاصة أوروبا - مقطوعة مبتوتة، ولو أن الحكومات المشرفة على مصر عملت على النهوض بها داخليا خلال هذه المدة لهان الخطب، ولكن زاد الطين بلة أن هذه العزلة صحبها ركود واضمحلال في كافة شئون مصر الداخلية، حربية كانت أم اقتصادية أم ثقافية.
ولم يكد يشرف القرن الثامن عشر على نهايته حتى كان الغرب قد ضاق ذرعا بهذه العزلة التي تقبع فيها بلدان الشرق الأدنى - ومصر بوجه خاص - ولم يشأ هذا الغرب الأوروبي أن يسلك السبيل السوي فيدعو مصر إلى أن تقطع حبل هذه العزلة، وإلى أن تفتح الأبواب والنوافذ كي تسمح لأضواء الحضارة الأوروبية الجديدة بالدخول والانتشار، ولكنه آثر أن يقوم هو بفتح هذه الأبواب والنوافذ، وبالقوة، قوة السلاح؛ فقد كانت تدفعه عوامل الاستعمار، عوامل الأثرة والاستغلال، مما أثار قوى المقاومة الداخلية، وقوى المنافسة الخارجية، وبهذا اضطرت جيوش الفرنسيين إلى الجلاء عن مصر بعد أن قضت في ربوعها سنوات ثلاث لم تذق في خلالها طعم الراحة يوما واحدا.
وهكذا استيقظت مصر من سباتها الماضي الطويل العميق، ولكن يقظتها لم تكن تلقائية رفيقة هادئة، بل لقد كانت يقظة عنيفة مفاجأة دفعت إليها دفعا، وكانت الأضواء التي حملها الفرنسيون معهم - أضواء السلاح والحضارة والعلم - قوية براقة، كادت تغشى لها عيون المصريين، ولم يتمالك كبير من علمائهم - وهو المؤرخ المعروف عبد الرحمن الجبرتي - أن يعبر عنها حين زار مكتبة الفرنسيين ومعهدهم، بقوله: «ولهم فيه أمور وتراكيب غريبة، ينتج منها نتائج لا تسعها عقول أمثالنا.»
وشهدت مصر في السنوات الأولى من القرن التاسع عشر صراعا عنيفا بين قوى ثلاث: الأتراك، والمماليك، والإنجليز، كل منها تعمل لحسابها ، وتمهد السبيل كي تفوز هي وتصبح لها السيطرة على مصر وشعبها وشئونها، ووسط هذا الضباب الكثيف، ووسط هذا العثير المتطاير نتيجة لصراع هذه القوى الأجنبية الثلاث بدأت تظهر قوة جديدة ظلت كامنة قرابة ثلاثة قرون، تلك هي قوة الشعب المصري.
Halaman tidak diketahui