Sejarah Tamadun Islam (Jilid Pertama)
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
Genre-genre
ويظهر أنهم لم يكونوا يذكرون اسم البلد الذي ضربت النقود فيه إلى أوائل القرن الثاني للهجرة، وكانوا إذا ذكروا تاريخ الضرب سبقوه بلفظ «الستة» ثم أبدلوها بلفظ «عام»، وكثيرا ما كانوا يقولون شهور سنة كذا أو شهور عام كذا أو في أيام دولة فلان، وكان يكتب التاريخ أولا بالحروف على حساب الجمل ثم كتب بالأرقام، وأقدم ما عثروا عليه مؤرخا بالأرقام سنة 614ه. (2-5) دار الضرب
وكانت دار الضرب ضرورية للدولة كما نراها ضرورية في هذه الأيام، إذ لا تخلو دولة من دول الأرض المتمدنة من دار تضرب فيها النقود، وكان ذلك شأن الدول الإسلامية في كل أدوارها، ولم تكن تخلو عاصمة أو قصبة من دار للضرب، في بغداد والقاهرة ودمشق والبصرة وقرطبة وغيرها شيء كثير، وكان لدار الضرب ضريبة على ما يضرب فيها من النقود يسمونها ثمن الحطب وأجرة الضراب، ومقدار ذلك درهم عن كل مائة درهم أي واحد في المائة، وربما اختلفت هذه الضريبة باختلاف المدن، فكان للدولة من ذلك دخل حسن.
وأما مقدار ما كان يضرب في الدولة من النقود فيختلف كثيرا، ويتعذر تقديره لاختلاف أحوال السكة عندهم، فقد يمر على الدولة أعوام وهي تتعامل بنقود دولة أخرى ولا دار للضرب عندها، أو ربما كانت تضرب نقودا في عاصمتها وتتعامل بنقود غيرها أيضا مما لا يمكن ضبطه، ولكننا نأتي بما اتصل بنا من هذا القبيل على سبيل المثال، فقد ورد في نفح الطيب للمقري أن دار السكة في الأندلس بلغ دخلها من ضرب الدراهم والدنانير على عهد بني أمية في القرن الرابع للهجرة 200000 دينار في السنة وصرف الدينار 17 درهما، فإذا اعتبرنا هذا الدخل باعتبار واحد في المائة عن المال المضروب، بلغ مقدار ما كان يضرب في الأندلس وحدها من ممالك الإسلام 20000000 دينار أو نحو عشرة ملايين جنيه، وذلك نحو ضعفي ما كانت تضربه إنجلترا قبل الحرب العالمية الأولى وهي في إبان قوتها الاقتصادية وثبات عملتها، فإذا أضيف إليها ما كان يضرب في القاهرة عاصمة الدولة الفاطمية، وفي بغداد عاصمة الدولة العباسية، وفي غيرها من المدن الإسلامية يومئذ، كان مبلغ ذلك شيئا كثيرا.
وكانت صناعة ضرب النقود في تلك العصور لا تزال في أبسط أحوالها، وهي عبارة عن طابع من حديد تنقش فيه الكلمات التي يراد ضربها على النقود مقلوبة، ثم يقسمون الذهب أو الفضة أجزاء بوزن الدنانير أو الدراهم، ويضعون الطابع فوق تلك القطعة ويضربون عليها بمطرقة ثقيلة حتى تتأثر وتظهر الكتابة عليها، وكانت هذه الحديدة تسمى أولا «السكة»، ثم نقل هذا المعنى إلى أثرها في النقود وهي النقوش، ثم نقل إلى القيام على ذلك العمل والنظر في استيفاء حاجاته وشروطه وهي الوظيفة، فصار علما عليها، ويدخل في دار الضرب كثير من الوظائف، وفيها عدد كبير من العمال، من الوازن والضارب وصاحب العيار وغيرهم. (3) الطراز
ومن شارات الخلافة أيضا الطراز، وهو قديم في الدول من عهد الفرس والروم، وذلك أن يرسم الملوك والسلاطين أسماءهم أو علامات تختص بهم في طراز أثوابهم المعدة للباسهم من الحرير أو الديباج أو الإبريسم، كأنها كتابة خطت في نسيج الثوب لحاما وسدى بخيط من الذهب، أو بما يخالف لون الثوب من الخيوط الملونة من غير الذهب، ما يحكمه الصياغ بحيث تصير الثياب الملوكية معلمة بذلك الطراز، للدلالة على أن لابسها من أهل الدولة من السلطان فما دونه، كما هي الحال في لباس أجناد هذه الأيام، فترى على بعضهم شرائط القصب والأزرار الصفراء ونحوها من علامات الرتب، كرسوم التيجان والسيوف والنجوم ونحوها.
وكان ملوك الفرس والروم يجعلون رسم ذلك الطراز بصور ملوكهم وأشكالهم، أو صور أخرى تشير إلى الملك، فلما استقر المسلمون على عرش الأكاسرة والقياصرة وعظمت دولتهم أحبوا الاقتداء بهم، ولم يستحسنوا اتخاذ الصور فاعتاضوا بكتابة أسمائهم وكلمات أخرى تجري مجرى الفأل أو الدعاء. (3-1) الطراز العربي
وأول من نقل الطراز إلى العربية من ملوك المسلمين عبد الملك بن مروان الأموي، لأن الخلفاء الراشدين ظلوا على سذاجة البداوة كما تقدم، فلما أفضت الخلافة إلى بني أمية وخالطوا الروم، وساروا على خطواتهم في أكثر شؤون دولتهم، وكان في جملة ذلك الطراز على أثوابهم وستور منازلهم وقراطيسهم «والقراطيس برد مصرية كانوا يحملون بها الآنية والثياب» فاتخذ المسلمون الطراز كما كان عند الروم والكتابة عليه بالرومية، وظلوا على ذلك أيام عبد الملك بن مروان فجعله في العربية، وبدأ بالقراطيس وكانت تنسج بمصر، وأكثر من في مصر لا يزال على النصرانية، فكانوا يطرزونها بالرومية وطرازها «بسم الآب الابن والروح القدس»، فظهر الإسلام وفتحت مصر والشام والطراز باق على ما كان عليه، وكيفية تنبه عبد الملك لذلك، أنه كان يوما في مجلسه فمر به قرطاس فرأى عليه الطراز بالرومية، فلاح له أن يستطلع فحواه فأمر أن يترجم بالعربية، فلما وقف على الترجمة أكبر أمرها وقال «ما أغلظ هذا في أمر الدين والإسلام أن يكون طراز القراطيس وغير ذلك مما يطرز من ستور وغيرها من عمل مصر تدور في الآفاق والبلاد وقد طرزت على هذه الصورة»، ثم كتب إلى أخيه عبد العزيز بن مروان عامله على مصر بإبطال ذلك الطراز، على ما كان يطرز به من ثوب وقرطاس وغير ذلك، وأن يستبدلوا تلك العبارة بصورة التوحيد «لا إله إلا هو» ففعل، وظل هذا طراز القراطيس في سائر أيام الدول الإسلامية، ولم يغير شيء من جوهره، وكتب عبد الملك إلى عمال الآفاق جميعا بإبطال ما في أعمالهم من القراطيس المطرزة بطراز الروم، ومعاقبة من يخالف ذلك بالضرب الوجيع والحبس الطويل.
فلما حملت هذه القراطيس إلى بلاد الروم، وعلم الإمبراطور بخبرها وعلم ترجمة ما فيها أنكره واستشاط غيظا، فكتب إلى عبد الملك «إن عمل القراطيس بمصر وسائر ما يطرز هناك للروم ولم يزل يطرز بطرازهم، فإن كان من تقدمك من الخلفاء قد أصاب فقد أخطأت، وإن كنت قد أصبت فقد أخطأوا، فاختر إحدى الحالتين» وبعث إليه بهدية يسترضيه بها للرجوع إلى الطراز، فرد عبد الملك الهدية وأخبر الرسول أن لا رد عنده، فأعاد إليه أضعافها وطلب الجواب، فلما لم يرد عليه جوابا غضب الإمبراطور وبعث يهدد بنقش سب النبي على النقود، فكان ذلك داعيا إلى تنبه عبد الملك إلى ضرب النقود الإسلامية الحقيقية كما تقدم.
ذلك ما كان من أمر القراطيس، والظاهر أن المسلمين تنبهوا للطراز على الأثواب من ذلك الحين، فجعلوا على ملابس أجنادهم ورجال دولتهم شارة الخلافة، وهي اسم الخليفة أو لقبه أو نحو ذلك، وبقاء هذا الطراز على شارات الدولة وبنودها وكسائها يدل على بقاء سلطانها، فإذا أراد أحد الولاة الخروج من طاعة الخليفة قطع الخطبة له وأسقط اسمه من الطراز، كما فعل المأمون لما بلغه وهو على خراسان أن أخاه الأمين نكث بيعته. (3-2) دور الطراز أو الكسوة
وأنشأ الخلفاء للطراز دورا في قصورهم تسمى دور الطراز، لنسج أثوابهم وعليها تلك الشارة، وكان القائم على النظر فيها يسمى «صاحب الطراز»، وهو ينظر في أمور الصياغ والآلة والحاكة فيها ويجري عليهم أرزاقهم ويشارف أعمالهم، وبلغت تلك الدور أفخم أحوالها في أيام الدولتين الأموية والعباسية، وكانوا يقلدون أعمال هذه الدور لخاصة دولتهم وثقات مواليهم، وكذلك كانت الحال في دولة بني أمية بالأندلس، وفي الدولة الفاطمية بمصر، ومن كان على عهدهم من ملوك العجم.
Halaman tidak diketahui