وفى الغد حيث كان ملك الأنجم قد أطل من أفق المشرق وهو يستل سيفا بعد ويسدد سهاما إلى أوج الليل الداجى وقد هزم بسهام النور ظلمة الليل الحالك ، وصلت إلى أطراف قلعة" إستوناوند" فأغار علينا فوج من أحزاب الغار وأصحاب النار فما تركوا لنا الجواد ولا الغلام ولا المتاع ولا الحطام ، ووصلت إلى حضرة أبى بعد مشاق كثيرة ومعاناة بلا حصر نتيجة فوضى الولاية ، ولم أتمتع لا بخدمة لأبى ولا نطقت بكلمة عن المراد لكننى حملت القدم على مواصلة السير برغم الألم (اختبلت حين اجبلت ومنيت بمرافقة الأنجاس بعد مفارقة الأجناس) حتى وصلت «آمل» وبقيت بها فترة وقلت :
إذا بلدة حل فيها البلا
لسكانها حل منها الجلا
فلا زمتنى شهوات النفس التى هى هوام الهموم وحيات الحياة مع خداع الأمانى وسحر الزمان وهواجس الوساوس على عينى وقلبى :
وحدثت نفسى بالأمانى ضالة
وليس حديث النفس غير ضلال
فودعت أبى مضطرا وقررت الرحيل حيث ألقى الزمان ، وهو شاطئ الغفلة بالبلاد فى حلواى عند صخرة أبى قوبيس ، حتى طار العقل من دماغى مثل البخار واستولى على نوم كنوم أصحاب الكهف ، وحينما أفقت وجدتنى ذليلا فى خوارزم (كعمل جسد له خوار) روضه على وخم ، فرأيته إقليما تلو إقليم وعالما إثر عالم فيه تحصيل العلم ، وفوائد العلماء فيه من الكثرة بحيث إن كل ما فى الدنيا لا يوازى عشر ما لديهم ، وبعد أن أتممت فيهم خمس سنوات حدث : أن مررت بساحة الوراقين فالتقطت كتابا من حانوت وكانت عدة رسائل كان «داوود اليزدى» وهو رجل من أهل السند قد أمر «علاء بن سعيد» بترجمتها من الهندية إلى العربية فى سنة سبع وتسعين ومائة ورسالة أخرى كان ابن المقفع قد عربها من البهلوية وهى جواب على رسالة «جسنفشاه» أمير طبرستان من قبل العالم «تنسر» تعريف عالم إقليم فارس وقاضى قضاة أردشير بن بابك ، ومع أن الدهر لم يكن مواتيا ولا كان القلب ولا الساعد مساعدا برأسه بن جيب الغيب وقد حل انكسار النشاط وانطواء الرباط وتخاذل الأعضاء ودواعى الفناء ، فلم تكن بقيت فى الحواس شهوة ولا فى الكأس لذة ، وقد
Halaman 25