سمعوا من القبر كلاما فاستمعوا له؛ فسمعوه ينادي: أنذركم ضيق القبر وعاقبة القضاء {قال: فكشفوا عنه، وظنوه حيا؛ فوجدوه مكشوف الوجه، ميتا، بحالته التي قبر بها رحمه الله وغفر لنا وله} وقال الحسن بن محمد في كتابه، عند ذكر من عرض عليه القضاء، فأبى من قبوله: استشار الأمير عبد الرحمن بن معاوية، أول الخلفاء بالأندلس من بني أمية أصحابه، في قاض يوليه على قرطبة. فأشار عليه ولده هشام، وحاجبه ابن مغيث، فالمصعب بن عمران؛ ووقف الاختيار عليه. فوقع بنفس الأمير، وأمر بالإرسال إليه؛ فلما قدم مصعب، أدخله على نفسه، بحضرة ولده هشام، وحاجبه، وخاصة أصحابه؛ فعرض عليه القضاء. فأبى من قبوله، وذكر أعذارا تعوقه عنه؛ فردها الأمير وحمله على العزيمة، وأصر مصعب على الإباية البتة؛ فاغضب الأمير، وهاج غضبه، وأطال الإطراق؛ ثم رفع رأسه إلى مصعب وقال: اذهب {عليك العفا وعلى الذين أشاروا بك} ولما أراد هشام للقضاء بقرطبة زياد بن عبد الرحمن، وعزم عليه، خرج منها فارا بنفسه، على ما حكاه ابن حارث. فقال هشام عند ذلك: ليت الناس كلهم كزياد، حتى ألغى أهل الرغبة في الدنيا {وممن عرض عليه القضاء من الفقهاء بالأندلس فأبى من قبوله، إبراهيم بن محمد ابن بار، دعاه إليه الأمير محمد بن عبد الرحمن لقصة رفعت من قدره عنده؛ فأباه فأرسل إليه بذلك هاشم بن عبد العزيز صاحبه؛ فامتنع عليه ولم يجد فيه حيلة؛ فأعاد إليه الأمير هاشما بوصية يقول: إذا لم تقبل قضاءنا، فاحضر مجلسنا، وكن أحد الداخلين علينا، الذين نشاورهم في أمورنا، ونسمع منهم في رعيتنا. فلما استمع رسالته، قال: يا أبا خالد، إن ألح علي الأمير في هذا ومثله، هربت والله} بنفسي من بلده! فما لي وله؟ فأعرض عنه الأمير عند ذلك، وعلم أنه ليس من صيده. ومنهم أبان بن عيسى بن دينار، ولاه الأمير محمد بن عبد الرحمن قضاء كورة جيان؛ فأبى ولح. فأمر الأمير بإكراهه على العمل وأن يوكل به نفرا من الحرس، يحملونه إلى حضرة جيان، فيجلسونه هناك مجلس القضاء، ويأخذونه بالحكم بين
Halaman 12