المتساهل) قد أنصف الإمام فيصلا، فقد قال يصف حكمه: «إن القوافل تجتاز القصيم وسدير والوشم ومقاطعات نجد الأخرى آمنة، بفضل الحكم الوهابي، شر البدو وتعدياتهم. ويسير التجار والحجاج والفلاحون في البلاد بأمن وسلام.»
1282ه / 1865م: ولكن عهد فيصل السعيد لم يكن أطول عمرا من عمره، فبعد وفاته في (21 رجب / 11 ديسمبر) من هذه السنة، تنازع أنجاله الملك كما سترى وأضاعوه. أنجاله، وهم عبد الله ومحمد وسعود وعبد الرحمن مثلوا الدور الأخير المحزن من رواية آل سعود الملأى بأنواع الحوادث التاريخية.
بعد أن نهك الترك والمصريون أهل نجد بحملاتهم المتعددة، وبددوا صفوف وحدتهم القومية والدينية، عادت إلى الوجود تنكأ الجراح تلك العداوات القديمة لآل سعود؛ أي عداوات القبائل. فانتقضت قحطان، وعصت العجمان، وتمردت عنزى، وتقلبت مطير، وتذبذبت عتيبة، وصال بنو مرة، وتنمر بنو خالد. ناهيك بالإخوة وأبناء العم من البيت نفسه، وقد قام بعضهم على بعض يتنازعون السيادة، فكانوا في حروبهم مغنما لهذه القبائل النازعة إلى الغزو المسترزقة منه.
قامت القبائل توالي هذا الأمير وتناوئ الآخر أخاه أو ابن عمه طمعا بكسب، أو شفاء لغليل، أو حبا بسيادة يحققونها في أنفسهم. وكان عبد الله قد حمل على العجمان لتعديهم على الحجاج فكسرهم في وقعتين قرب الكويت، فرحلوا شمالا وتحالفوا ورؤساء المنتفق على أهل نجد.
ثم أجلى عبد الله بعض العجمان إلى وادي الدواسر. فلما قام سعود ينازع أخاه الإمارة بعد موت أبيهما، لجأ إلى ابن عائض في أبها فرده خائبا؛ لأن آل عائض في تلك الأيام كانوا موالين لآل سعود. عاد سعود بن فيصل من أبها إلى نجران وكان العجمان هناك، فاجتمعوا حوله ينصرونه على أخيه، وانضم إليهم عدد كبير من الدواسر وبني مرة. هذي هي بداية الحرب السعودية التي اشتركت فيها قبائل نجد، فكانت يوما لهم ويوما عليهم - وكانت في الحالين على آل سعود. هي الحرب الأهلية التي استمرت متقطعة أكثر من ثلاثين سنة فاستثمرتها الدولة العثمانية، وكانت في النهاية المغنم الأكبر لأمراء بيت الرشيد.
ولكن ابن الرشيد كان لا يزال في بداية الحرب يدين لابن سعود، وعندما خرج عبد الله إلى وادي الدواسر غازيا سار معه الأمير متعب بن الرشيد الذي قتل بعد تلك الغزوة، فتولى أخوه بندر الإمارة بعده وأقره فيها الأمير عبد الله.
وكان محمد بن فيصل مع أخيه عبد الله على أخيه سعود، فاحتربوا في وقعة المعتلا، فجرح سعود وانهزم ثم سار بعد أن داوى جروحه عند أهل مرة إلى عمان يستنجد صاحبها فلم ينجده، وراح من عمان إلى البحرين فلباه شيخها، ثم حالف العجمان في الأحساء وأعاد الكرة على أخويه محمد وعبد الله، فالتحمت جنود الإخوة عند ماء يسمى جودة (1288ه / 1871م)، وكانت الغلبة لسعود. قال إبراهيم بن عيسى: «والسبب في ذلك أن بعض جنود محمد وهم سبيع خانوه وانقلبوا على أصحابهم ينهبونهم.» قد قتل أربعمائة من جنود الفريقين في وقعة الجودة، وأسر محمد فاعتقل في القطيف، ثم دعا سعود أهل الحساء للمبايعة فجاءوه على عين جودة مبايعين.
بعد وقعة الجودة احتل مدحت باشا - يومئذ والي بغداد - الحساء وذلك بمساعدة عربان الكويت الذين جاءوا بحرا إلى العقير وبرا إلى القطيف بقيادة الشيخ مبارك الصباح. وفي احتلال الحساء في هذه السنة قطع مدحت الصلة بين نجد وعمان، ووسع ثلمة العداء بين سعود وأخويه، فأطلق محمدا من سجنه في القطيف، ووعد عبد الله بأن يعينه «قائمقام ولاية نجد»، ولكن عبد الله خشي الخدعة - قيل إن مدحت كان ينوي القبض عليه - ففر هاربا إلى الرياض، فاستقبله أهلها مرحبين مهللين.
ولكن سروره لم يدم طويلا، فقد زحف سعود في السنة نفسها؛ أي سنة 1288 إلى الرياض، فدخلها ظافرا ونهب رجاله المدينة، ثم كتب إلى رؤساء البلدان أن يقدموا إليه للمبايعة فجاءوا يبايعون. أما عبد الله فكان قد جمع بدو قحطان وانسحب إلى وادي حنيفة، فتعقبه سعود بجيش من آل مرة، والعجمان، وسبيع، والسهول، والدواسر. وبعد وقعة في البرة انهزم عبد الله وعاد إلى الحساء.
قد كانت هذه السنة (1871) والتي تليها سنتي قحط في نجد، فجاءت المجاعة تنجد الحرب على أهله. نعم قد توالت النكبات وتعددت، فمن لم يمت بالسيف مات جوعا. وكان الناس يأكلون جيف الحمير ويحرقون جلود الأباعر ويدقونها، بل كانوا يدقون حتى العظام ويأكلون مسحوقها.
Halaman tidak diketahui