إذا صرفنا النظر عن مهمة علي بك السياسية، فإنه كعالم صادق الرواية وهو أول أوروبي شاهد الوهابيين في مكة وقضى وإياهم مناسك الحج، وصفهم وهم يتزاحمون عند الحجر الأسود ويتسابقون إليه، فقال (الجزء الأول صفحة 72):
إنهم مرهبون ولكنهم لا يسلبون إلا ما كان حلالا في مذهبهم؛ أي مال العدو والكفار. وهم إذا اشتروا شيئا يدفعون ثمنه كما أنهم يدفعون أجرة من يخدمونهم، فلا يصادرون ولا يسخرون. ومنهم الفقراء الذين كانوا يدفعون رسوم زمزم والكعبة من البارود والرصاص الذي كان معهم. وبما أنهم يطيعون أميرهم طاعة عمياء فهم يحتملون من أجله كل شدة ساكتين صابرين، ويسيرون إذا أمرهم إلى أقصى أطراف الأرض.
من فضل الوهابيين في فتحهم الحجاز أنهم لفتوا نظر العالم إلى البلاد العربية، ونبهوا العلماء المستشرقين إلى تكشف أحوالها، فجازفوا بحياتهم، وفادى أكثر من واحد بها، طلبا للعلم.
ومن هؤلاء العالم الألماني ألريخ زتسن
12
الذي قضى عشرين سنة يدرس ويتأهب لرحلته إلى الشرق. فجاء سورية سنة 1805، وأقام في الشرق الأدنى بضع سنين، وكتب في رحلته كتابا باللغة الألمانية قيما
13
ثم سافر إلى الحجاز في زي درويش اسمه الحاج موسى، فدخل مكة حاجا سنة 1810، وارتحل منها إلى اليمن، فزار صنعاء ونزل إلى عدن. قد كان في نية زتسن أن يجتاز شبه الجزيرة إلى الخليج ليسوح في الشرق الأوسط، فعاد من عدن ووجهته الجبال، ولكن عند مروره بتعز اعترضه بعض الناس وقد أرابهم أمره فقتلوه، لم يكن هذا المستعرب الألماني على ما يظهر مثل علي بك العباسي بارعا بالتنكر، ولكنه كان أوفر علما وأنزه قصدا.
هو الذي قابل الإمام سعودا في مكة وكان قد تريب بقيافته وإسلامه، ولكن كبير الوهابيين بل كبير العرب يومئذ لم يمانع العالم الإفرنجي في تجواله. قال هوغارث: «كان زتسن نباتيا مشهورا في أوروبة، وهو من العلماء الأفاضل، له نظرات ثاقبة صائبة في الأشياء وفي الناس.» وإن من يقرأ ما كتبه عن بعض الحكام في سورية، وبعض النباتات والصناعات في لبنان، ليتأكد ذلك ويأسف جدا؛ لأن كتبه ومذكراته فقدت بعد موته في اليمن، فحرمنا رأيه في الوهابيين وأميرهم الأكبر سعود.
ولكن المستشرق الثالث الذي ساح في الحجاز في العقد الثاني من القرن التاسع عشر كان أوفر حظا من زميليه الألماني والإسباني. هو الحاج عبد الله؛ أي السويسري المشهور بركهارت
Halaman tidak diketahui