التاريخ المعتبر في أنباء من غبر
«وهو كتاب جامع لتاريخ الأنبياء وتاريخ الإسلام وتراجم أئمته العظام إلى مبتدأ القرن العاشر الهجري»
تأليف
القاضي مجير الدين العليمي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن المقدسي الحنبلي
(المولود بالقدس سنة ٨٦٠ هـ والمتوفى بها سنة ٩٢٨ هـ) - رحمه الله تعالى -
تحقيق ودراسة
لجنة مختصة من المحققين
بإشراف
نور الدين طالب
دار النوادر
Halaman tidak diketahui
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة / 2
التَّاريخُ المُعْتَبَر في أنبَاءِ مَنْ غبَر
[١]
مقدمة / 3
جميعُ الحقُوقِ مَحْفوظَة
الطَّبعَةُ الأُولى
١٤٣١ هـ - ٢٠١١ م
ردمك: ٨ - ٨٧ - ٤١٨ - ٩٩٣٣ - ٩٧٨ ISBN
دَار النَّوَادِر
سورية - لبنان - الكويت
مؤسسة دَار النَّوَادِر م. ف - سُورية * شركَة دَار النَّوَادِر اللبنانية ش. م. م - لبنان * شركَة دَار النَّوَادِر الكويتية ذ. م. م - الكويت
سورية - دمشق - ص. ب: ٣٤٣٠٦ - هَاتِف: ٢٢٢٧٠٠١ - فاكس: ٢٢٢٧٠١١ (٠٠٩٦٣١١)
لبنان - بيروت - ص. ب: ١٤/ ٥١٨٠ - هَاتِف: ٦٥٢٥٢٨ - فاكس: ٦٥٢٥٢٩ (٠٠٩٦١١)
الكويت - حَولي - ص. ب: ٣٢٠٤٦ - هَاتِف: ٢٢٦٣٠٢٢٣ - فاكس: ٢٢٦٣٠٢٢٧ (٠٠٩٦٥)
www.daralnawader.com
[email protected]
أسسها سنة ٢٠٠٦ م نور الدّين طَالب المدير الْعَام والرئيس التنفيذي
مقدمة / 4
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مُقَدِّمة التَّحْقيق
إنَّ الحمدَ لله نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرورِ أنفُسِنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، وصلَّى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبه وسلم.
أمّا بعد:
فإنَّ التاريخَ: علمٌ يُبحثُ فيه عن معرفة أحوال الجماعات وبُلدانهم ورسُومِهم وعاداتهم وصَنائعهم وأنسابهم ووفَياتهم.
وموضوعه: أحوالُ الأشخاصِ الماضيةٍ، من الأنبياء والأولياء والعلماء والحكماء والشعراء والملوك والسَّلاطين وغيرِهم.
والغرضُ منه: الوقوفُ على الأحوالِ الماضيةِ من حيث هِيَ وكما كانت (١).
_________
(١) انظر: "عجائب الآثار" للجبرتي (١/ ٦).
مقدمة / 5
* ولكتب التاريخِ وأخبارِه فوائدُ كثيرة، ومنافعُ دنيويةٌ وأُخْرويةٌ جمَّةٌ غزيرة (١):
* فمن الفوائد الدنيوية:
- أنَّ الإنسانَ لا يخفى أنه يحِبُّ البقاء، ويؤثر أن يكون في زُمرة الأحياء، فأيُّ فرقٍ يكون بين ما رآه أمسِ أو سمعه، وبين ما قرأه في الكتب المتضمنة أخبارَ الماضينَ وحوادثَ المتقدمين، فإذا طالَعها فكأنَّه عاصرهم، وإذا علمها فكأنه حاضَرهم.
- ومنها: أنَّ الملوكَ ومَنْ إليهم الأمرُ والنهي إذا وقَفوا على ما فيها من سيرة أهل الجَور والعدوان ورأَوْها مدوَّنة في كتبٍ يتناقلها الناسُ فيرويها خلفٌ عن سلف، ونظروا إلى ما أعقبت من سوء الذِّكر وقبيح الأُحدوثة، وخرابِ البلاد، وهلاك العباد، وذهاب الأموال، وفساد الأحوال، استقبحوها وأَعْرضوا عنها واطَّرحوها.
وإذا رأَوْا سيرةَ الوُلاة العادلين وحسنَها وما يتبعها من الذِّكر الجميل بعد ذهابهم، وأنَّ بلادهم وممالكهم عَمَرت، وأموالَها درَّت، استحسنُوا ذلك ورَغِبوا فيه وثابروا عليه وتَركوا ما ينافيه، هذا سوى ما يحصل لهم من معرفة الآراء الصَّائبة التي دفعوا بها مضرَّات الأعداء، وخَلُصوا بها من المهالك، واستصانوا نفائسَ المدنِ وعظيمَ الممالك، ولو لم يكن فيها
_________
(١) انظر هذه الفوائد في "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (١/ ٩ - ١٠).
مقدمة / 6
غيرُ هذا لكفى به فخرًا.
- ومنها: ما يحصل للإنسان من التَّجارِب والمعرفة بالحوادث، وما تصير إليه عواقبُها، فإنه لا يحدُث أمرٌ إلا قد تقدَّم هو أو نظيره، فيزداد بذلك عقلًا، ويُصْبحُ لأَنْ يُقتدى به أهلًا.
- ومنها: ما يتجمَّل به الإنسانُ في المجالس والمحافل من ذكرِ شيء من معارفِها، ونقلِ طَرِيفة من طرائفها، فترى الأسماعَ مُصْغيةً إليه، والوجوهَ مُقْبلةً عليه، والقلوبَ متأمِّلةً ما يورِدُه ويصدُرُه، مستحسنةً ما يذكرُه.
* وأما الفوائد الأخروية:
- فمنها: أنَّ العاقلَ اللَّبيبَ إذا تفكَّر فيها ورأى تقلُّبَ الدُّنيا بأهلها، وتتابعَ نكَباتها إلى أعيان قَاطِنيها، وأنها سَلَبت نفوسَهم وذخائِرَهُم، وأعْدَمت أصاغِرَهُم وأكابرهم، فلم تُبْقِ على جليلٍ ولا حقير، ولم يَسْلَم من نكَدها غنيٌّ ولا فقير، زَهِدَ فيها وأعرضَ عنها وأقبلَ على التزوُّد للآخرة منها، ورَغِبَ في دار تنزَّهت عن هذه الخصائص، وسَلِمَ أهلُها من هذه النقائص.
- ومنها: التخلُّق بالصَّبر والتأسِّي، وهما من محاسن الأخلاق، فإنَّ العاقلَ إذا رأى أنَّ مُصَابَ الدُّنيا لم يَسْلَم منه نبيٌّ مُكَرَّمٌ ولا مَلِكٌ معظَّمٌ، بل ولا أحدٌ من البشر، عَلِمَ أنه يُصيبه ما أصابهم، وَينُوبه ما نَابَهم.
مقدمة / 7
وهَلْ أَنا إلا مِنْ غَزِيَّةَ إنْ غَوَتْ ... غَويتُ وإنْ تَرْشُدْ غَزِيَّةُ أَرْشُدِ
ولهذه الحكمة وردت القصص في القرآن المجيد ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق: ٣٧]، فإنْ ظَنَّ هذا القائلُ أنَّ الله سبحانه أراد بذكرها الحكاياتِ والأسمارَ فقد تمسَّكَ من أقوال الزَّيغِ بمُحْكَم سببِها حيث قالوا: هذه أساطيرُ الأولينَ اكْتَتبها.
وهذا كتابٌ نفيسٌ حاوٍ للفوائدِ الدُّنيوية والأُخروية جمعًا، للإمام العلاَّمة مُجير الدِّين العُلَيميِّ الحنبلي، وَسَمه بـ"التَّاريخ المعتبر في أنباء مَنْ غَبر" ذَكَر فيه من الحوادث العجيبة والوقائع الغريبة والعبر، وأخبارِ مَنْ فات ومَنْ حضر، ما ترتاحُ لسماعه القلوب، وما يزُول عن مطالعه ما يجده من الهمِّ والكُروب، أوردَ فيه أخبارَ الأنبياءِ وأحوالَ الأممِ والملوكٍ، وذكر تراجمَ الأعيانِ من الصَّحابة والتابعين والأئمة المَرْضيين، مُعرِّجًا على ذكر الحكماء والصُّلحاء والشعراء، مُؤْثرًا في سرده الاختصار، على التطويل والإكثار، بأسلوب سهلٍ بعيدٍ عن التعقيد في ذكر الأحداث، مبوِّبًا لذلك أحسنَ تبويب.
فقد ابتدأ كتابَه بقصص الأنبياء؛ بذكرِ آدمَ وانتهاء بعيسى ﵉.
ثم ذكرَ أممَ اليهودِ والنَّصارى والهند والسِّند والسُّودان وغيرِهم، حاكيًا فيها الأمور العِجَاب، مُوردًا جملةً من الإسرائيليات على سبيل
مقدمة / 8
التحلِّي بها والتندُّر، لا على سبيل الاستشهاد والاحتجاج.
ثم ذكر سيرةَ النبيِّ ﷺ بأسلوبٍ مختصَرٍ مَلِيح حتى انتهى إلى وفاتِه ﷺ.
ثم أتى على ذكر الخُلفاء الراشدين الأربعةِ وما جرى في خلافاتهم من وقائعَ وأحداثٍ.
ثم أتبعهم بذكر خلفاءِ بني أميةَ مُبتَدِأً بمعاويةَ بن أبي سفيانَ ﵁، خاتمًا بخلافةِ مروانَ بنِ محمد.
ثم أعقبهم بذكر خلفاءِ بني العبَّاس مبتدأً بخلافة أبي العباس السَّفَّاح، وخاتمًا بخلافة المُستعصم بالله.
ثم ذكر خلفاءَ الدَّولةِ العَلَوِّية الفاطميَّة، والخلفاءَ من بني العباس بالديار المصرية، وأخبارَ ملوكِ سلاطينِ الأيوبيين والمماليكِ حتى سلطنةِ قايتباي الظاهري سنةَ إحدى وتسع مئة.
ساردًا في أثناء ذلك كلِّه لُمعًا من أخبارهم وأحوالهم ومواليدهم ووفياتهم، وما جرى في ولاياتهم وسَلْطَنَاتهم من وقائعَ وأحداث، بذكرِها على ترتيب السَّنوات حَسْبَ الإمكان، وبذلك ينتهي الجزءُ الأول من كتابه.
ثم أفردَ الجزءَ الثاني منه بذكر تراجمِ الأعيانِ من الأئمة الأربعة وغيرِهم من التابعين والعلماء الأعلام والرؤساء والوزراء والشعراء والقضاة على وجه الاختصار مُرَتَّبين على حروفِ المُعْجَم من غير التزامٍ
مقدمة / 9
بترتيب الأسماء في كلِّ حرف كما ذَكَر، معرِّفا باسم المترجَم وتاريخِ وَفاته وذكرِ شيء مِنْ سيرته إن تيسَّر على وجه الاختصار، جامعًا ما يزيد على ستِّ مئة عَلَم.
هذا وقد وفَّقنا الله للوقوف على نسخة خطيَّة نَفيسة منقولَة عن نُسخة المؤلِّف التي كتبها بخطِّه، وهي مِنْ خزائن مكتبة جامعة برنستون، بالولايات المتحدة الأمريكية، تحت رقم (٢٢٦٣)، وتقع في جزأين، الأولِ منهما يقع في (١١٢) ورقة، والثاني في (٧٠) ورقة.
وقد كتبت سنة خمس وأربعين وتسع مئة.
وهي نسخةٌ جيدة مكتوبة بخطٍّ جيد، كُتبت فيها العناوينُ الرئيسةُ باللَّون الأحمر، وحُلِّيت بالهوامش والتَّصحيحات.
* وقد كان العملُ في هذا الكتاب على النحو التالي:
١ - نسخ الأصل الخطِّي بحسب قواعد ورسم الإملاء الحديث.
٢ - معارضةُ المنسوخ بالأصل الخطِّي للتأكُّد من سلامة النص واستقامته.
٣ - معارضةُ مادةِ المؤلّف التي سَرَدها بالأصول التي نقل عنها، وأكثرُها من "وفيات الأعيان" لابن خلِّكان، و"المختصر في أخبار البشر" لأبي الفداء الحَمَوي، و"تتمة المختصر" لابن الوَرْدِي، كما أن جملة من مادته متقاطعٌ مع مادة كتابه الحافِل الآخر: "الأُنس الجليل في تاريخ القدس والخليل".
مقدمة / 10
٤ - جعل الزِّيادات وما لا يقوم النص إلا به بين معكوفتين، مستفادًا من الكتب التي كان ينقل عنها المؤلف ﵀.
٥ - عزو الآيات القرآنية الكريمة إلى مواضعها، وإدراجها برسم المصحف الشريف في صُلْب النَّص.
٦ - تخريج الأحاديث النبوية الشريفة وبعض الآثار، وهي قليلةٌ جدًا.
٧ - ضبطُ الأماكن والبقاع والأعلام وما يُشْكِلُ لفظُه بالشكل المناسب.
٨ - كتابة مقدمة للكتاب وترجمة للمؤلف ﵀.
٩ - تذييل الكتاب بفهرسٍ للآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الشريفة، والأشعار، والأعلام المترجَم لهم، وفهرس للموضوعات.
هذا ولا بدَّ من توجيه الشُّكر والعِرْفان للجنة العلمية التي ساهمت في إخراج هذا المُصنَّف النفيس، والحمد لله الذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وصلى الله على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه وسلَّم.
حَرَّرُه
نور الدين طالب
دِمشق - دُومَة
٩ رمضان ١٤٣١ هـ
مقدمة / 11
تَرجَمَةُ الإمامِ مُجير الدِّين العُلَيمي (١)
* اسمهُ وَنَسَبهُ وَوِلَادتهُ:
هو الإمام، المؤرخ، المفسر، الفقيه، القاضي، أبو اليمن، عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف العليمي (٢)،
_________
(١) انظر ترجمته في المصادر التالية:
١ - "النعت الأكمل" للغزي (ص: ٥٢).
٢ - "السحب الوابلة" لابن حُميد (ص: ٥١٦).
٣ - "مختصر طبقات الحنابلة" للشطي (ص: ٨١).
٤ - "رفع النقاب عن تراجم الأصحاب" لابن ضويان (ص: ٣٥٢).
٥ - "كشف الظنون" لحاجي خليفة (١/ ١٧٧، ٣٠٥)، (٢/ ١٧٣٢).
٦ - "هدية العارفين" للبغدادي (١/ ٥٤٤).
٧ - "الأعلام" للزركلي (٣/ ٣٣١).
٨ - "معجم المؤلفين" لكحالة (٥/ ١٧٧).
٩ - "معجم مصنفات الحنابلة" للطريقي (٥/ ١٣٤).
(٢) العُلَيمي: بضم العين المهملة، وفتح اللام، وسكون الياء، وكسر الميم.
نسبة إلى الشيخ علي بن عُلَيل، المشهور عند الناس بعلي بن عليم، =
مقدمة / 13
العمري (١)، مجير الدين، المقدسي، الحنبلي (٢).
ولد كما أخبر عن نفسه يوم الأحد، ثالث عشر ذي القعدة، سنة (٨٦٠ هـ) بالقدس الشريف (٣).
* * *
* نَشْأتهُ وَطَلبهُ لِلعِلمِ:
نشأ ﵀ في حجر والده العلامة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن، وتفقه عليه، وأخذ عنه جملة من العلوم النافعة (٤).
_________
= والصحيح أنه عليل باللام، كذا في نسبه الثابت. انظر: "الأنس الجليل" للمؤلف (٢/ ٢٦٦)، و"المنهج الأحمد" له أيضًا (٥/ ٢٦٩).
(١) نسبة إلى عمر بن الخطاب ﵁. وقد ذكر المؤلف ﵀ سلسلة نسبه المتصلة بعمر ﵁ في كتابيه: "الأنس الجليل" (٢/ ٢٦٦)، و"المنهج الأحمد" (٥/ ٢٦٩).
(٢) أول من اشتغل بالعلم على مذهب الإمام أحمد ﵀ من أسرته هو والده الشيخ الإمام محمد بن عبد الرحمن، وكل أسلافه شافعية، لم يكن منهم من هو على مذهب الإمام أحمد سواه. انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ٢٦٢)، و"المنهج الأحمد" (٥/ ٢٦٢).
(٣) انظر: "الأنس الجليل" للمؤلف (٢/ ١٨٩)، و"السحب الوابلة" لابن حميد (ص: ٥١٧).
(٤) انظر: "السحب الوابلة" لابن حميد (ص: ٥١٧)، و"النعت الأكمل" للغزي (ص: ٥٣).
مقدمة / 14
وبدت عليه ﵀ مخايل النجابة منذ الصغر؛ فقد حفظ: "ملحة الإعراب" للحريري، وعرضها على الشيخ محمد بن عبد الله القرمشندي، وله ست سنين (١)، ثم حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره على الشيخ علاء الدين علي بن عبد الله الغزي، وكرر عليه ختم القرآن مرات كثيرة، وأحضره مجلس شيخه محمد بن موسى بن عمران في الحديث، واعتنى له بتحصيل الإجازة منه (٢).
ثم حفظ كلًّا من "المقنع"، و"الخرقي"، وعرضهما على علماء بلده؛ كالكمال بن أبي شريف، وأبي الأسباط أحمد بن عبد الرحمن الرملي، والنجم ابن جماعة، وغيرهم.
ودخل القاهرة سنة (٨٨٠ هـ)، وأقام بها عشر سنين، وحل على شيخه القاضي بدر الدين السعدي، وتفقه به، وسمع الحديث على جماعة، منهم: الحافظ السخاوي، والقطب الخيضري، والجلال البكري، وغيرهم.
وولي قضاء القدس، وكان من أمثل القضاة فيها (٣)، والرملة، والخليل، ونابلس مدة إحدى وثلاثين سنة، لم يتخلل له منها عزل (٤).
_________
(١) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ١٨٩).
(٢) المرجع السابق، (٢/ ٢٣٧).
(٣) انظر: "السحب الوابلة" (ص: ٥١٦) نقلًا عن الحافظ السخاوي.
(٤) إلا قضاء نابلس، فإنه تركه باختياره بعد سنتين.
مقدمة / 15
وقد حج سنة (٩٠٨ هـ)، وأقام بمكة نحو شهر، ملازمًا للتلاوة والعبادة، ثم انقطع بعد انفصاله عن القضاء بالمسجد الأقصى يدرس ويفتي ويؤلف (١).
* * *
* شُيُوخهُ:
١ - والده الخطيب، الفقيه، المحدث، قاضي القضاة، شمس الدين، محمد بن عبد الرحمن بن محمد العمري العليمي
ولد بمدينة الرملة سنة (٨٠٧ هـ)، وولي قضاءها سنة (٨٣٨ هـ)، ولم يعلم أن حنبليًا قبله وليها في هذه الأزمنة، ثم ولي قضاء القدس، والخليل، وصفد، وباشر نيابة الحكم بدمشق، وكان صحيح الاعتقاد، متبعًا للسنة، ينكر على المبتدعة وينافرهم، ويصرح في خطه - في كثير مما يكتبه - بالتبرؤ إلى الله تعالى ممن يعتقد خلاف مذهب أهل السنة والجماعة، ولا يرى الكلام في علم الكلام، ويرى التسليم أسلم.
توفي بالطاعون سنة (٨٧٣ هـ) بالرملة (٢).
_________
(١) انظر: "السحب الوابلة" (ص: ٥١٧ - ٥١٨).
(٢) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ٢٦٢)، و"المنهج الأحمد" (٥/ ٢٦٢)، و"الدر المنضد" (٢/ ٦٦٤) ثلاثتها للمؤلف ﵀ ولم يُشِر فيها إلى أنه والده، وكذا لم يشر إلى ذلك عندما ترجم له في كتابه هذا - أعني: "التاريخ المعتبر" - (٣/ ٢٧١) من مطبوعتنا. وهو عجيب وقوعه عند المصنفين. وانظر: "السحب الوابلة" لابن حميد (ص: ٩٣٢).
مقدمة / 16
٢ - شيخ الإسلام، حافظ العصر، كمال الدين، أبو المعالي، محمد بن محمد بن أبي بكر بن علي بن أبي شريف المقدسي، الشافعي
قال المؤلف ﵀: عرضت عليه في حياة الوالد ﵀ قطعة من كتاب "المقنع في الفقه" على مذهب الإمام أحمد ﵁، ثم عرضت عليه مرة ثانية ما حفظت بعد العرض الأول، وأجازني في شهور سنة (٨٧٣ هـ)، وحضرت بعض مجالسه من الدروس والإملاء بالمدرسة الصلاحية. وحضرت كثيرًا من مجالسه بالمسجد الأقصى الشريف، وحصلت الإجازة منه غير مرة؛ خاصة، وعامة.
وله تصانيف منها: "الإسعاد بشرح الإرشاد" في الفقه، و"الدرر اللوامع بتحرير جمع الجوامع" في الأصول، وكتب قطعة على "صحيح البخاري"، وغير ذلك.
توفي سنة (٩٠٠ هـ) (١).
٣ - الإمام، العالم، العلامة، شيخ الإسلام، بدر الدين، أبو المعالي، محمد بن محمد بن أبي بكر بن خالد السعدي المصري، الحنبلي
قال المؤلف ﵀ شيخنا، وأستاذنا، وعالم عصرنا، سمع على الحافظ ابن حجر، وابن هشام، وعز الدين الكناني، وغيرهم.
قال المؤلف: ولقد أكرم مثواي عند تمثلي بين يديه، لمّا قدمت
_________
(١) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ٣٧٧).
مقدمة / 17
عليه إلى القاهرة سنة (٨٨٠ هـ)، وأقمت تحت نظره للاشتغال بالعلم الشريف، فأحسن إليَّ، وتفضَّل عليَّ، وأفادني العلم، وعاملني بالحلم، ومكثت بالديار المصرية نحو عشر سنين إلى أن سافرت منها في سنة (٨٨٩ هـ)، وأنا مشمول منه بالصِّلات، ومتصل من فضله بالحسنات.
توفي سنة (٩٠٢ هـ) (١).
٤ - علاَّمة الزمان، عبد الله بن محمد بن إسماعيل، تقي الدين، أبو بكر القرمشندي الشافعي، سبط الحافظ أبي سعيد العلائي
قال المؤلف ﵀: شيخنا، الإمام، العلامة، الحبر، الفهامة، أجازه جمع من العلماء والحفاظ، وأفتى ودرَّس، وناظر وحدَّث، وسمع عليه الرحالون، وساد بيت المقدس.
قال المؤلف: وقد عرضت عليه "ملحة الإعراب" سنة (٨٦٦ هـ) بمنزله، ولي دون ست سنين، وهو أول شيخ عرضت عليه، وتشرفت بالجلوس بين يديه، وأجازني بالملحة وبغيرها من كتب الحديث الشريف، وما يجوز روايته، وكتب والدي الإجازة بخطه، وكتب الشيخ خطه الكريم عليها.
توفي سنة (٨٦٧ هـ) (٢).
_________
(١) انظر: "المنهج الأحمد" (٥/ ٣١٥)، و"الدر المنضد" (٢/ ٦٩٥)، و"الضوء اللامع" للسخاوي (٩/ ٥٨).
(٢) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ١٨٨).
مقدمة / 18
٥ - الإمام، العالم، قاضي القضاة، علي بن إبراهيم البدرشي، نور الدين أبو الحسن المصري المالكي
قال المؤلف ﵀: شيخنا، كان من أهل العلم، وقد قرأت عليه قطعة من آخر كتاب "الخرقي" قراءة بحث وفهم، ثم قرأت قطعة من أول "المقنع" قراءة بحث وفهم، فكان يقرر في العبارة تقريرًا حسنًا، لعل كثيرًا من أهل المذهب لا يقرره، وقرأت عليه في النحو، ولازمت مجالسته، وترددت إليه كثيرًا، وحصل لي منه غاية الخير والنفع.
توفي سنة (٨٧٨ هـ) (١).
هذا وللمؤلف ﵀ عدد كبير من الشيوخ الذين أخذ عنهم، ذكر منهم جملة في كتابه "الأنس الجليل"، فممن ذكره:
٦ - أحمد بن عبد الرحمن الرملي، شهاب الدين، أبو الأسباط الشافعي، المتوفى سنة (٨٧٧ هـ) (٢).
٧ - أحمد بن علي اللُّدِّي الشافعي، سبط العلامة جمال الدين بن جماعة الكناني، المتوفى سنة (٨٨٠ هـ) (٣).
٨ - أحمد بن عمر العميري، شهاب الدين، أبو العباس الشافعي،
_________
(١) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ٢٥٠).
(٢) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ١٩٥).
(٣) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ١٩٦)، و"الضوء اللامع" للسخاوي (٢/ ١٩).
مقدمة / 19
المتوفى سنة (٨٩٠ هـ) (١).
٩ - إبراهيم بن عبد الرحمن، برهان الدين أبو إسحاق الأنصاري الخليلي الشافعي، المتوفى سنة (٨٩٣ هـ) (٢).
١٠ - علي بن عبد الله بن محمد، علاء الدين الغزي الحنفي، المعروف بابن قاموا، المتوفى سنة (٨٩٠ هـ) (٣).
١١ - محمد بن عبد الوهاب، شمس الدين، أبو مساعد الشافعي، المتوفى سنة (٨٧٣ هـ) (٤).
١٢ - محمد بن موسى بن عمران الغزي، شمس الدين، أبو عبد الله المقدسي الحنفي، المتوفى سنة (٨٧٣ هـ) (٥).
كما أخذ المؤلف ﵀ عن الحافظ السخاوي، وطلب منه الإجازة.
قال ابن حُميد - نقلًا عن السخاوي -: كتب إليَّ سنة (٨٩٦ هـ) يلتمس مني أن أُذيِّل له على "طبقات الحنابلة" لابن رجب، وأن أجيز له،
_________
(١) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ٢٠٣).
(٢) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ٢٠٦).
(٣) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ٢٣٧).
(٤) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ١٩١).
(٥) انظر: "الأنس الجليل" (٢/ ٢٢٩).
مقدمة / 20
ثم قال: وقد دخل القاهرة، وجلس به شاهدًا (١).
* * *
* تَلَاميذهُ:
لم تذكر لنا المصادر التي ترجمت للإمام العليمي الآخذين عنه، والمتتلمذين على يديه، ما خلا ما ذكره جار الله بن فهد المكي الشافعي المسند المؤرخ، المتوفى سنة (٩٥٤ هـ)، حيث ذكر أنه أخذ عن العليمي بعض مؤلفاته، وأجاز له روايتها (٢).
وأفاد الدكتور عبد الرحمن العثيمين: أنه وقف على إجازة للإمام العليمي يجيز بها أحد تلامذته، وهو إبراهيم بن خليل القاقوني (٣) الحنبلي، بكتاب: "التسهيل" في الفقه الحنبلي (٤).
_________
(١) انظر: "السحب الوابلة" لابن حميد (ص: ٥١٦).
(٢) انظر: "السحب الوابلة" لابن حميد (ص: ٥١٨).
(٣) كذا ذكره الدكتور العثيمين واستفهم عنده، ورأيت في "شذرات الذهب" لابن العماد (٨/ ٢٢) ترجمة غرس الدين أبي القاسم خليل بن خليل الفراديسي الصالحي الحنبلي، المتوفى سنة (٩١٤ هـ)، فلعل هذا هو والد المجاز الذي ذكر، والله أعلم.
(٤) انظر: مقدمة "الدر المنضد" (ص: ٢٦).
مقدمة / 21