ومما خلفوه رسم لرأس جواد، ورسمان يشيران إلى جواد حول رأسه ما يشبه ربطة اللجام، ولكنهم لم يمتطوا صهوة الجواد، وربما استخدموه في الجر. وليس يبدو أنهم عرفوا حلب لبن الحيوان أو المباني؛ إذ كانوا يتخذون من الخيام الجلدية بيوتا ومن الطين صورا لا فخارا وكانوا عرايا إلا ما يضعونه من أثواب جلدية وفروية وكانوا لا يعرفون الزراعة ولا صنع السلال ولا نسيج الأقمشة، وقد عاشوا في المدارج المكشوفة في أوروبا مئات القرون. ولما أخذ الطقس يرطب ويعتدل ارتد الأيل ثم البيزون إلى الشمال والشرق، وحل الغزال الأحمر محل الجواد والبيزون، وتحولت المدارج إلى غابات، وتنوع صنع الأدوات وطرق استخدامها وشاع الصيد من البحيرات والأنهار. قال دي موتييه: «إن الإبرة المصنوعة من العظام في ذلك العصر أعلى مرتبة مما صنع بعدئذ، بل مما صنع في الأزمنة التاريخية، فإن سكان روما لم يصنعوا مثلها.»
ظهر بعدئذ؛ أي منذ 12 ألف سنة أو 15 ألفا، «الآزيليون» وهم عنصر جديد جاءوا إلى إسبانيا تاركين رسوما تصورهم على وجه الصخور، وهم ينسبون إلى «كهف ماس الأزيل»، ويبدو من هذه الصور أنهم كانوا يعرفون القوس، وكانوا يضعون غطاء جلديا على رءوسهم. ثم إن رسومهم أخذت تضؤل حجما فكان الإنسان يصور كالسمكة الصغيرة أو كالخط العمودي يتصل به خطان أفقيان آخران، مما قد يشير إلى فجر فكرة الكتابة. وهناك رسوم يبدون فيها كالصيادين، ورسوم يبدو فيه رجلان يبخران عش النحل. وكان هذا في العصر الباليوليتيكي؛ أي عصر الحجر الأول. ومنذ عشرة آلاف سنة أو أكثر قليلا، استطاع الإنسان أن يصقل أدواته الحجرية ويشحذها بعد أن كان قانعا بتشقيقها. كذلك عرف الزراعة في العصر النيوليتيكي؛ أي عصر الحجر الجديد، الذي سنتحدث عنه في «الفصل التاسع».
ومما يجدر بالذكر، أنه منذ قرن كان يعيش في تاسمانيا عنصر إنساني أحط من الناحيتين البدنية والعقلية من أقدم العناصر البشرية. ويبدو أن هذه الكائنات البشرية قد عزلتها التقلبات الطقسية عن العالم، فأدركها الانحطاط عوضا عن الارتقاء، وكان أفرادها يتغذون بالمحار والصيد الصغير، وكانوا جوالين لا سكنى لهم .
هذا وقد عثر العلماء والأمريكيون على فك إنسان وقواطع حيوانية منقرضة في طبقة من الأرض من عصر الجليد؛ أي في زمن بين 15 ألف سنة وثلاثين ألفا، وعند أحد العلماء الفرنسيين أن الإنسان في العصر الحجري كان يستعمل الخشب - إلى جانب الحجر - في صنع أدواته. •••
وقد وقفت البعثة الأثرية الجوية الإنجليزية فوق قمة جبل إفريست، أعلى جبال هيمالايا الهندية على أن هذه الجبال كانت في عصر الجليد في تطور، وعلى أن إنسان عصر الحجر كان يسكن في كهوفها، ووجدت سهامه وقواطعه الحجرية وعظام الحيوان المنقرض. (1) عناصر حجم الإنسان وتاريخ الإنسان وتفوقه
يتألف جسم الإنسان الذي وزنه 71 كليوجراما من 10 جالونات من الماء و25 رطلا من الكربون و7 أرطال من الكلس، و3 أرطال من الفسفور، وأوقية من ملح الطعام، ونصف أوقية من الحديد، وربع أوقية من السكر، وخمسة أرطال من النيتروچين، و14 رطلا من الأيدروچين والأوكسيچين الخالص من الماء، ثم قليل جدا من البوتاس والكبريت والمغنسيوم والفلورين واليود.
هذا هو الجانب المادي للإنسان. أما الجانب الآخر فهو العقل أو الروح أو النفس، وقد تباينت آراء العلماء في أنها شيء واحد أو أشياء مختلفة وفي وصف كل منهما. ويوصف العقل بأنه نشاط خلايا الدماغ ونتيجة حركاتها. وفي الدماغ، وهو شيء مادي في الرأس، مركز الذاكرة والحواس.
أما السطح الأعلى الخارجي لدماغ الإنسان، فيغطيه غشاء يعرف بالمادة السنجابية، سمكه بين عشر البوصة وربعها. أما غشاء دماغ الحيوان فواقع في باطن دماغه.
هذا ويبدو أن الشعر كان يكسو جسم الإنسان البدائي، وكان الشعر يغطي الفيل ووحيد القرن (الكركدن) اتقاء للبرد في عصر الجليد وعند القطب.
لخص «أناتول فرانس» تاريخ الإنسان في كلمات ثلاث: «إنه يولد، ويتعذب، ويموت.»
Halaman tidak diketahui