وقد استدام الجلاد بين بخت نصر هذا وبين نخاو وإيريس من ملوك العائلة الساوية، وأخرب مملكة يهوذا ومدينة أورشليم (سنة 587) ولكنه أخفق سعيا أمام مدينة صو، وخرجت من يده فينيقية في أواخر حكمه. (4)
وقد اشتهر هذا الملك بعمائره بقدر ما اشتهر بحروبه، وجعل بابل أبهى وأبهج مدينة في المشرق، وأحاطها بأسوار منيعة، وشق في كلديا ترعا كثيرة زادت في خصوبة الأرض . (5)
ثم أسرعت عائلته في الانقراض (من سنة 562 إلى سنة 555) فلبس التاج بعدها نابوناهيد، وكان من الملوك المتدينين، وأكثر من العمائر. وكان الأهالي لا يحبونه. وقد حاول صد هجمات الفرس بتحالفه مع الليديين والمصريين عليهم ولكنه لما سقطت مملكة ليديا (سنة 546) لم يفطن لاغتنام فرصة السنين التي أمهله فيها كورش ليحصن مملكته ويستعد للدفاع؛ حتى إنه لما شن الفرس الغارة عليه (سنة 528) هزموه وأسروه، فمات بعد ذلك ببضعة أيام، وبقيت كلديا من ذلك الوقت عمالة من عمالات الدولة الفارسية.
إن هذا الشكل المقرر الآن لهذا الاسم هو تحريف ترجع فيه المسئولية على الناسخين العبرانيين الأولين، الذين كتبوا التوراة. هذا واعلم أن اسمه عند العرب بخت نصر ونبوخذ نصر وهذا أقرب إلى الأصل.
الباب الثالث عشر
الديانة الكلدانية (1) الآلهة الإخاذيون
كانت كلديا شبيهة بمصر في وجود الآلهة الأخاذيين بها، فكان لكل إله منهم مدينته الملوكية يحكم فيها حكما مطلقا على الأرض والسماء؛ فكان إيع إله إيريدو، وبعل في نيبتور، وسن في أورو، وشمش في لارسام (لرسن)، وميروداخ في بابل، وكان آشور إله بلاد آشور على العموم. وانتشرت عبادة هذه الآلهة من مدينة إلى أخرى بالسرعة حتى صارت عامة في جميع الأقطار الكلدانية، ولكن القوم لم يحيدوا عن ملاحظة كل إله مضافا إلى أهل جهته وتخصيصه بها عند التوجه والعبادة، فإذا قاموا بعبادة ميروداخ مثلا في غير بابل فإنما كانوا يوجهون عبادتهم إليه بعنوان أنه إله بابل. (2) البانثيون الكلداني
إن اختلاط الأمم المختلفة الأجناس المتوطنة على ضفاف دجلة والفرات قد أحدث اختلاطا في الأديان؛ بحيث لا يسهل على الإنسان أن يتعرف أصول كل منها أو أن يوفق بينها وبين بعضها. فإن الآثار القديمة التي عثرنا عليها مهما كانت بعيدة العهد ترينا آلهة الأمم المختلفة متحدة وممتزجة ببعضها، كما حصل مثل ذلك في الأمم أنفسهم؛ فكانوا كالمرتبطين مع بعضهم بمعاهدة إلهية؛ وكان لكل واحد منهم وظيفته الخاصة به ومقامه المعين له تعيينا واضحا ظاهرا.
وفوق هذا الترتيب التدريجي مجلس مؤلف من ثلاثة آلهة؛ آنو وبلع وايع. فالأول هو السماء وهو «القديم وأبو الآلهة وملك الدنيا والليل ورب الظلمات.» وبعل خلق الدنيا وهو «رب جميع البقاع وملك كل الأرواح.» وأما ايع فهو «رب العلوم والفخار والحياة.» ولكل واحد منهم إلهة تزوج بها تعاونه في إنجاز الخلق والإيجاد، وهن أنت، وبعليت، ودمكينا. وليست وظائفهم محدودة تحديدا معينا محصورا بحيث لا يكون لأحدهم فرصة في الاعتداء على ملك الآخر، بل كثيرا ما اغتصب بعل سلطة آنو، كما تعدى ايع على سلطة بعل.
وتحت هؤلاء الآلهة القديرين الذين يحيط بهم الإبهام والاختلاط؛ آلهة آخرون أعرق منهم في الحياة والغرابة، وهم سين الذي هو القمر، وشمش الذي هو الشمس، ورامانو الذي هو الجو. وكان الكلدانيون يقدمون الإله القمر على الإله الشمس، وكانوا يعتبرون الإله سين «الرئيس والقادر والمتلألئ، وإله الثلاثين يوما التي يتركب منها الشهر.» وأما رامانو فكان يرسل العواصف والزوابع والغرق ويستل الصاعقة ذات الأربعة الأطراف كالصارم البتار. وأما الآلهة الأخرى فكان مقرها السيارات الخمس أعني أن آذار في زحل، ومردوك في المشترى، ونرجال في المريخ، وأشتر في الزهرة، ونيبو في عطارد. وخلاصة القول أن الكلدانيين إنما كانوا يعبدون الكواكب والسماء وهذه هي أكبر آلهتهم. (3) الشياطين والسحر
Halaman tidak diketahui