التَّارِيخ المنصوري
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الْعلي الْعَظِيم الْوَلِيّ الْحَكِيم الأزلي الْقَدِيم الدَّال على أزليته حُدُوث الْحَوَادِث الْوَاحِد الْأَحَد الْفَرد الصَّمد المنزه عَن الصاحبة وَالْولد وَالثَّانِي وَالثَّالِث محيي الْأَمْوَات ومميت الْأَحْيَاء فَهُوَ الْوَارِث لكل وَارِث خلق السَّمَوَات بِغَيْر عمد ترونها قائمات وأمسكهن أَن يقعن على الأَرْض فهن بقدرته دائمات مواكث ودحا الأَرْض على المَاء وباين بَينهَا فِي السّفل والْعَلَاء والحزون والرمائث أَحْمَده على نعمه المقيمات اللوابث ودفاعه النائبات الكوارث وَأشْهد أَلا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أفضل رَسُول أرْسلهُ وَبعد فقد قَالَ أَبُو الْجلد الأَرْض أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف فَرسَخ اثْنَا عشر ألفا للسودان وَثَمَانِية للروم وَثَلَاثَة لفارس وَألف للْعَرَب وَقَالَ يحيى بن كثير خلق الله ألف أمة فأسكن سِتّمائَة الْبَحْر وَأَرْبَعمِائَة الْبر وَالله أعلم فلنذكر الْآن ابْتِدَاء التناسل التناسل بِمُقْتَضى مَا وردني فِي السّير والتواريخ حاكيا مَا ذَكرُوهُ وسطوره كَمَا سطروه وَالله أعلم
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم الْحَمد لله الْعلي الْعَظِيم الْوَلِيّ الْحَكِيم الأزلي الْقَدِيم الدَّال على أزليته حُدُوث الْحَوَادِث الْوَاحِد الْأَحَد الْفَرد الصَّمد المنزه عَن الصاحبة وَالْولد وَالثَّانِي وَالثَّالِث محيي الْأَمْوَات ومميت الْأَحْيَاء فَهُوَ الْوَارِث لكل وَارِث خلق السَّمَوَات بِغَيْر عمد ترونها قائمات وأمسكهن أَن يقعن على الأَرْض فهن بقدرته دائمات مواكث ودحا الأَرْض على المَاء وباين بَينهَا فِي السّفل والْعَلَاء والحزون والرمائث أَحْمَده على نعمه المقيمات اللوابث ودفاعه النائبات الكوارث وَأشْهد أَلا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله أفضل رَسُول أرْسلهُ وَبعد فقد قَالَ أَبُو الْجلد الأَرْض أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ ألف فَرسَخ اثْنَا عشر ألفا للسودان وَثَمَانِية للروم وَثَلَاثَة لفارس وَألف للْعَرَب وَقَالَ يحيى بن كثير خلق الله ألف أمة فأسكن سِتّمائَة الْبَحْر وَأَرْبَعمِائَة الْبر وَالله أعلم فلنذكر الْآن ابْتِدَاء التناسل التناسل بِمُقْتَضى مَا وردني فِي السّير والتواريخ حاكيا مَا ذَكرُوهُ وسطوره كَمَا سطروه وَالله أعلم
1 / 1
سنة تسع وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
وفيهَا سَار الْملك الْعَادِل إِلَى بِلَاد الجزيرة بعد وَفَاة أَخِيه صَلَاح الدّين من خَوفه عَلَيْهَا
وَبَقِي سيف الْإِسْلَام على حَاله بِالْيمن
وفيهَا كَانَ إنذار تفاقم أَمر المماليك الصلاحية واتفاقهم وسعادتهم
1 / 2
بالديار المصرية مَعَ الْملك الْعَزِيز
وفيهَا كَانَ الْملك الْعَادِل قد نفذ إِلَى الْملك الْأَفْضَل يطْلب عسكرا مِنْهُ وَمن إخْوَته ليفتح بِلَاد الجزيرة فَجهز لَهُ الْملك الْأَفْضَل الْعَسْكَر وَكَذَلِكَ سير إِلَى الْملك الْعَزِيز فَجهز لَهُ الْعَسْكَر وَكَانَ مقدمه الْأَمِير فَخر الدّين جهاركس مَمْلُوك صَلَاح الدّين فوصل إِلَى دمشق وَالْملك الْعَادِل قد فتح سروج وَأعَاد عَسْكَر الْملك الْأَفْضَل إِلَيْهِ فَعَاد جهاركس بِمن مَعَه إِلَى مصر بَعْدَمَا تقرر مَعَه مَا يشافه بِهِ صَاحبه
1 / 3
وَفِي سنة تسعين وَخَمْسمِائة
وصل الْملك الْعَزِيز إِلَى دمشق وحاصرها وَعَاد عَنْهَا لِاتِّفَاق الْملك الْعَادِل وَالْملك الْأَفْضَل عَلَيْهِ وَلما رَحل عَنْهَا عَائِدًا إِلَى مصر سَار خَلفه واصطلحوا
سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
برز الْملك الْعَزِيز إِلَى الْبركَة وسير إِلَى أَخِيه الْملك الْأَفْضَل بِأَن يخْطب لَهُ وَيضْرب السِّكَّة باسمه فَمَا وَافقه على ذَلِك فجَاء إِلَى دمشق وحاصرها وَأَخذهَا مِنْهُ بعملة من أَوْلَاد أبي غَالب الْحِمصِي لأَنهم فتحُوا بَاب شَرْقي
وَلما تَملكهَا سَأَلَ الْملك الْعَادِل أيازكوج أَن يطْلبهَا لَهُ من الْملك الْعَزِيز فطلبها لَهُ فَأعْطَاهُ إِيَّاهَا لوَلَده الْملك الْمُعظم
1 / 4
عِيسَى
وَكَانَ مَعَ يازكوج فِي الحجبة بهَا جهاركس وسنقر الْكَبِير وَعز الدّين أُسَامَة وسراسنقر
وفيهَا بعد عوده من دمشق جد فِي نقض الأهرام وَرمى أحجارها فِي الْبَحْر إِلَى دمياط ليبني بهَا أبراجا
وفيهَا وصل الْملك الْمُعظم وَالْملك الْأَشْرَف من قلعة جعبر إِلَى أَبِيهِمَا الْعَادِل بِدِمَشْق
وفيهَا نزل الفرنج على تبنين وَجرى عَلَيْهَا من الزَّحْف والقتال وَأخذ النقوب مَا لَا يُوصف
وَوصل الْملك الْعَزِيز بعساكره واستنقذها مِنْهُم عنْوَة وَعَاد إِلَى بِلَاده بعد أَن كَانَت أشرفت على الْأَخْذ
1 / 5
وفيهَا سير الْملك الْعَزِيز هَدِيَّة إِلَى ابْن سيف الْإِسْلَام
وفيهَا كَانَ ظهر بِدِمَشْق رجل ادّعى النُّبُوَّة وخيل للنَّاس أَشْيَاء من عمل السيمياء فَقتل لِئَلَّا يفتن النَّاس
سنة ثَلَاث وَأَرْبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
خاليتان
وَفِي سنة أَربع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
كَانَ الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد بن تَقِيّ الدّين عمل الجسر على حماة خَارج بَلَده بالجانب الشَّرْقِي بِالْمَدِينَةِ السُّفْلى
1 / 6
وَفِي أول سنة خمس وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
جَاءَ للْملك الْمُعظم ولد ذكر هُوَ أول أَوْلَاده
وفيهَا مَاتَ الْملك الْعَزِيز بن الْملك النَّاصِر سُلْطَان مصر وَكَانَ سُلْطَانا جوادا حَلِيمًا مليح الصُّورَة حسن السِّيرَة وَكَانَ الْملك الظافر خضر الْمَعْرُوف بالمشمر عِنْده بِمصْر فَاجْتمع الْأُمَرَاء وأقاموه فِي الْبِلَاد سُلْطَانا إِلَى حِين وصل أَخُوهُ الْملك الْأَفْضَل من صرخد لِأَنَّهُ أَقَامَ بهَا وبأهله وعيال صَلَاح الدّين حِين أَخذ الْعَزِيز دمشق مِنْهُ فسيروا أحضروه إِلَيْهِم وَجرى مَا جرى عِنْد وُصُوله من
1 / 7
كَونه لم ينزل عِنْد فَخر الدّين جهاركس أَولا وَنزل فِي خيمة أَخِيه الْملك الْمُؤَيد وَأكل ثمَّ مِنْهَا انْتقل إِلَى خيمة جهاركس
فَمَا طَابَ لجهاركس ذَلِك وخشي من عملة عَلَيْهِ مَعَ المماليك الأَسدِية مثل يازكوج وجماعته من الْأُمَرَاء الأَسدِية
فاتفق جهاركس وزين الدّين قراجا على مُفَارقَة ديار مصر فسارا عَنْهَا وتبعهما سراسنقر
وَهَذَا سَبَب تَفْرِقَة الصلاحية أَولا وتسحبوا وَاحِدًا بعد وَاحِد إِلَى الشَّام
هَذَا وَالْملك الْعَادِل على ماردين يحاصرها
وَكَانَ اجْتِمَاع الْأُمَرَاء عِنْد نزولهم من مصر فِي الْقُدس المحروس فسيروا إِلَيْهِ واستدعوه حَتَّى إِن قراجا وسراسنقر توجها إِلَيْهِ فرتب وَلَده الْملك الْكَامِل مُحَمَّد على ماردين والأمراء عِنْده وَمن جُمْلَتهمْ عماد الدّين بن المشطوب وَتوجه إِلَى دمشق بعد ذَلِك وَكَانَ أهل ماردين قد استنجدوا بأتابك نور الدّين صَاحب الْموصل فَلَمَّا رَحل الْملك الْعَادِل جَاءَ إِلَيْهِم ونجدهم فَرَحل الْملك الْكَامِل عَنْهَا عنْوَة
وَوصل إِلَى حران بعد أَن كَانَ تسحب إِلَى آمد بِمن مَعَه من الْعَسْكَر
1 / 8
وفيهَا وصل الْملك الْأَفْضَل من الديار المصرية بعد تملكه
1 / 9
إِيَّاهَا بيويمات وَنزل على دمشق وَضرب خيمته فِي الميدان وَذَلِكَ فِي رَابِع عشر شعْبَان وَاسْتمرّ الْحصار فسير الْملك الْعَادِل طلب وَلَده الْملك الْكَامِل فَجمع العساكر وَأنْفق الْأَمْوَال وَتوجه قَاصِدا أَبَاهُ وَوصل الْخَبَر إِلَى الْملك الْأَفْضَل وَالْملك الظَّاهِر لِأَنَّهُ كَانَ قد اتّفق مَعَه وَجَاء إِلَيْهِ من حلب فاتفق رأيهما على الرحيل عَن دمشق وَسَار الْملك الظَّاهِر إِلَى بِلَاده وَالْملك الْأَفْضَل عَاد هَارِبا إِلَى ديار مصر بعد
1 / 10
أَشْيَاء جرت وَأُمُور تَجَدَّدَتْ لَيْسَ هَذَا الْمُخْتَصر مَوضِع شرحها لما شرطنا من اختصاره
وَكَانَ الْحصار عَلَيْهَا
وَالْملك الْعَادِل يُقَوي نَفسه ويخبز البقسماط وَيعْمل الْقرب والروايا وَيَقُول لَا بُد لي من ديار مصر
وَالنَّاس يعْجبُونَ من قَوْله وَفعله ويهجنون رَأْيه
فَقدر الله مَا قدره من هروب الْملك الْأَفْضَل وسَاق الْملك الْعَادِل خَلفه وَجمع بَينهمَا السائح وَجرى من الْقِتَال مَا لَا جرى فِي الْإِسْلَام وَكسر الْأَفْضَل وسَاق الْملك الْعَادِل خَلفه إِلَى الْقَاهِرَة وَبَقِي الْملك الْعَادِل عَلَيْهَا ثَمَانِيَة أَيَّام وَصَالح الْملك الْأَفْضَل وَعين لَهُ مَا يعوضه وَحلف لَهُ وَملك الْملك الْعَادِل الديار المصرية
وَكَانَ قد حلف للْملك الْأَفْضَل على ميافارقين وَرَأس عين الخابور
وسميساط وحاني وجبل جور
1 / 11
سنة سِتّ وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
فِيهَا تقرر أَن الْملك الْمَنْصُور بن الْملك الْعَزِيز عُثْمَان يكون هُوَ السُّلْطَان وَالْملك الْعَادِل أتابكه فَحلف لَهُ الْملك الْعَادِل على ذَلِك وسلطنه وحملت الغاشية لَهُ كَمَا جرت الْعَادة مُدَّة يسيرَة ثمَّ بعد ذَلِك عَاد الْملك الْعَادِل سير رسله إِلَى الْبِلَاد واستحلف النَّاس لنَفسِهِ وَضرب الْخطْبَة وَالسِّكَّة باسمه فَمَا اخْتلف عَلَيْهِ أحد وأجابه النَّاس كلهم رَغْبَة فِي دينه وتدبيره واسْمه وحزامته
وفيهَا أحضر الْملك الْعَادِل ابْنه الْملك الْكَامِل إِلَى الديار المصرية
1 / 12
ورتبه فِيهَا نَائِبا وَجعله ولي عَهده وَحلف النَّاس لَهُ
وفيهَا حاصر الْأَمِير فَخر الدّين جهاركس بانياس بِأَمْر الْعَادِل وَأَخذهَا من حسام الدّين بِشَارَة
وفيهَا حلف ابْن المشطوب وجهاركس وقراجا وَمَيْمُون القصري على أَن يولوا الْملك الْأَفْضَل وَوصل عز الدّين أُسَامَة من الْحَج فأطلعه الْملك الْأَفْضَل على مَا جرى من الْمَذْكُورين وثوقا مِنْهُ فأظهر لَهُ سُرُورًا وفرحا وَحمد الله على ذَلِك وفارقه وَكَاتب الْملك الْعَادِل بِهِ إِلَى الديار المصرية ثمَّ مَا كَفاهُ ذَلِك حَتَّى سَار بِنَفسِهِ إِلَى ديار مصر عرفه مَا جرى شفاها
1 / 13
وَدخلت سنة سبع وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
وَالْحَالة هَكَذَا
وفيهَا قصر النّيل فِي طلوعه إِلَى الْغَايَة فغلت الْغلَّة بِمصْر إِلَى أَن أبيع إِرْدَب الْقَمْح بِخَمْسَة دَنَانِير وَأكل النَّاس بَعضهم بَعْضًا بِحَيْثُ كَانَت الْمَرْأَة تَأْكُل وَلَدهَا بِسَائِر الألوان فانعدم جَمِيع الْأَوْلَاد وخلت مصر والقاهرة من أَكثر أَهلهَا بِحَيْثُ إِن النَّاس يموتون ومالهم من يدفنهم فيبقون على حَالهم شهورا
وَفِي أَوَائِل هَذِه السّنة جلبت الغلال فِي الْبَحْر من الشَّام والساحل وَوَقع الفناء أَيْضا فانقرض النَّاس فنَاء وجوعا
وفيهَا نَدم الْملك الْعَادِل على كَونه مكن جهاركس من أَخذ بانياس وتبنين وَكَذَلِكَ الْملك الْمُعظم فَاطلع جهاركس على ذَلِك فَاجْتمع هُوَ وألطنبا الجحاف وَفَارِس الدّين مَيْمُون القصري وعلاء الدّين شقير وزين الدّين قراجا وَهَؤُلَاء
1 / 14
هم كبار الصلاحية وسيروا إِلَى الْملك الْأَفْضَل وَإِلَى الْملك الظَّاهِر وحثوهما على الْحَرَكَة ليملكوا دمشق للْملك الْأَفْضَل
وَكَانَ إِذْ ذَاك الْملك الْعَادِل بالديار المصرية
وَشرع أُسَامَة يكاتبهم وَيظْهر لَهُم أَنه مَعَهم وَكَانَ كذابا فِي ذَلِك
فتجهز الْملك الْأَفْضَل وَأَخُوهُ الْملك الظَّاهِر وخرجا من حلب بالعساكر ووصلا إِلَى حماة وحاصراها فِي رَمَضَان وقاتلاها قتالا عَظِيما وَمَا حصلا على طائل مِنْهَا لشهامة صَاحبهَا وحمية أَهلهَا وَاتفقَ الْحَال بعد الْإِيَاس مِنْهَا على أَن يحمل الْملك الْمَنْصُور مُحَمَّد صَاحبهَا ثَلَاثِينَ ألف دِينَار وَإِن أخذا دمشق كَانَ فِي خدمتهما فَقبلا ذَلِك مِنْهُ ورحلا قَاصِدين دمشق فجدا تَارَة
1 / 15
وقصرا تَارَة إِلَى أَن وصلاها بعد أَن كَانَا عزما على الْعود عَنْهَا غير مرّة فجدا على قَصدهَا ووصلاها ونازلاها وحاصراها مُدَّة وَلم ينالا مِنْهَا غَرضا وَذَلِكَ لسوء نياتهما وحسد بعضهما بَعْضًا وغدر المماليك الصلاحية بهما لما سمعُوا من الْملك الظَّاهِر وَكَانَ الْملك الْعَادِل مُقيما بنابلس وَكَانَ جهاركس قد أَخذ من الْملك الْأَفْضَل ثَلَاثِينَ ألف دِينَار ورهنا على تَمام أَرْبَعِينَ ألف دِينَار
وَأخذ قراجا صلخد وَأنزل الْملك الْأَفْضَل أمه وعيال أَبِيه مِنْهَا وكل هَذَا رَغْبَة فِي الْملك وَطَمَعًا ولاتقاع جهاركس وقراجا عَلَيْهِ
وَكَانَ فِي الْجُمْلَة قد
1 / 16
قَالَ الْملك الظَّاهِر إِنَّه مَتى أَخذ دمشق مَا يُسَلِّمهَا للْملك الْأَفْضَل فَسمع الْأَفْضَل بذلك فأفكر فِي نَفسه وَأرْسل عَمه السُّلْطَان الْملك الْعَادِل على الصُّلْح مَعَه وَاتفقَ مَعَه على مَا يُعْطِيهِ بَاطِنا وَلم يطلع على ذَلِك سوى عماد الدّين بن المشطوب والمهذب بن نظيف وَكَانَ وزيره يَوْمئِذٍ وَهُوَ حموي ثمَّ شاع ذَلِك فِي المماليك ومحى الْملك الْأَفْضَل مَا قَالَه الظَّاهِر
فأقصروا عَن الْقِتَال حَتَّى إِن الْعَسْكَر كَانَ قد بلغ من دمشق أتم غَرَض بِحَيْثُ إِن بعض الْعَسْكَر كَانَ قد دخل دمشق وَشرب فقاعا وَخرج من بَاب الفراديس وَلم يبْق إِلَّا هجمها فَعَاد الْملك الْأَفْضَل
1 / 17
سير إِلَى الْجَمَاعَة ومنعهم من الْمُبَالغَة فِي الْقِتَال بِحَيْثُ أُعِيد ابْن المشطوب من بَاب الْحَدِيد
فَلَمَّا اجْتمع بِهِ قَالَ لَهُ الْملك الْأَفْضَل قَول الْملك الظَّاهِر
وَكَانَ الظَّاهِر أبدا يكارم فَارس الدّين مَيْمُون ويعظمه ويحترمه
وَهَذَا أَيْضا مِمَّا كَانَ جهاركس ينقمه على الظَّاهِر وَكَذَلِكَ قراجا فانضم جهاركس وقراجا إِلَى الْملك الْأَفْضَل وأطلعهما على قَول الظَّاهِر وشاركاه فِي الَّذِي فعله من رُجُوعه إِلَى عَمه فِي الْبَاطِن
ثمَّ هرب جهاركس وقراجا بمواطأة من الْأَفْضَل وَبِقَوْلِهِ فَعلم الْملك الظَّاهِر وَكَانَ يشرب فِي بَقِيَّة اللَّيْل هربتهم فخاف على نَفسه فشجعه ابْن المشطوب وَأَصْبحُوا وجدوا فِي الْقِتَال ذَلِك النَّهَار واحتاطوا بِدِمَشْق من كل جَانب وَنزل الْملك الظافر وَنصب سنجقه على جسر باناس وَابْن المشطوب عبر جسر الْحَدِيد وَالْملك الْمُعظم فِي دَار الْعدْل وَهُوَ مَرِيض فكفهم الْملك الْأَفْضَل أَيْضا بمجد الدّين مرزبان وعادوا إِلَى خيمهم وَرَجَعُوا عَن غرضهم
ثمَّ جَاءَت رسل السُّلْطَان الْملك الْعَادِل بَاطِنا إِلَى الْملك الْأَفْضَل بِمَا كَانَ عين لَهُ وَهُوَ رَأس عين
1 / 18
الخابور وجملين والموزر وسميساط وميافارقين وحاني وَذُو القرنين وَيحمل إِلَيْهِ فِي كل سنة من مصر قماشا بِخَمْسِينَ ألف دِينَار وَخمسين ألف دِينَار عينا ذَهَبا وَحلف لَهُ سرا وَلم يعلم الْملك الظَّاهِر وَنقل الْملك الْأَفْضَل بَيته وَعِيَاله ووالدته إِلَى حمص
وَكَانَ الْملك الظَّاهِر قد أَخذ من التُّجَّار مائَة ألف دِينَار وَزِيَادَة من القماش وفرقه على الْعَسْكَر وَيكْتب لَهُم خطه ويستوفونه من حلب
وَكَانَ الْملك الظَّاهِر قد اتّفق مَعَ الْجَمَاعَة على استدعاء عز الدّين أُسَامَة إِلَيْهِم إِلَى المخيم فَلَمَّا خرج عاتبوه وَقَالُوا لَهُ كل قَول فَمَا أَفَادَ مَعَه
وَعَاد من عِنْدهم بعد أَن قَالَ للْملك الظَّاهِر أَنْت غدار مَالك قَول وَلَا يَثِق بك أحد أبدا
وَدخل دمشق وَعرف الْملك الْمُعظم
1 / 19
مَا جرى وَكتب إِلَى الْملك الْعَادِل بذلك
وَاتفقَ أَن الجحاف عمل دَعْوَة للْملك الظَّاهِر ولجماعة الْأُمَرَاء فَسَكِرَ الظَّاهِر وطرب وغطى على عقله الشَّرَاب بِحَيْثُ إِنَّه رمى سنورا على الجحاف وأنشده
(ستعلم ليلى أَي دين تدينت ...) // الطَّوِيل //
ففهم شقير والجحاف ذَلِك فأسراه فِي أَنفسهمَا وتوهما بِأَنَّهُ قد تحقق صُورَة الْحَال مَعَ السُّلْطَان الْملك الْعَادِل فهربا فِي ليلتهما ودخلا دمشق ومعهما ياقوت الْعزي
فَلَمَّا بلغ الْملك الظَّاهِر ذَلِك ركب هُوَ وَمن عِنْده عازمين على الرحيل من دمشق وَركب جَمِيع الْعَسْكَر وسَاق النَّاس على حمية وطلعت شمس نَهَار تِلْكَ اللَّيْلَة وَهُوَ الِاثْنَيْنِ من سنة ثَمَان وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
وسَاق الْملك الظَّاهِر بِمن مَعَه
وَفِي الطَّرِيق أقطع ابْن المشطوب منبج وقلعة نجم ولسراسنقر بهسنة وَكَانَ ذَلِك بِوَاسِطَة مَيْمُون القصري
وَكَانَ قبل ذَلِك قد
1 / 20