فى اللوح المحفوظ وأوّل الانوار نور محمد ﷺ وأهل التحقيق على أن المراد من هذه الاحاديث شىء واحد لكن باعتبار نسبه وحيثياته تعدّدت العبارات كما ان الاسود والمائع والبرّاق عبارة عن الحبر لكن باعتبار النسب* وفى شرح المواقف قال بعضهم ان المعلول الاوّل من حيث انه مجرّد تعقل ذاته ومبدؤه يسمى عقلا ومن حيث انه واسطة فى صدور سائر الموجودات ونقوش العلوم يسمى قلما ومن حيث توسطه فى افاضة أنوار النبوّة ومن حيث ان الكمالات المحمدية من أثر نور سيد الانبياء ﷺ من حيث انه سبب لحياته يسمى روحه وسيجىء لهذا زيادة بيان* وفى شواهد النبوّة أن نبينا ﷺ وان كان آخر الانبياء فى عالم الشهادة لكنه أوّلهم فى عالم الغيب قال ﵊ كنت نبيا وآدم بين الماء والطين بيانه ان الله تعالى فى أزل الآزال كان الله ولا شئ معه فجميع الشؤن من غير امتياز من بعض وصورة معلومية ذلك الشان تسمى تعينا أوّل وحقيقة محمدية وحقائق سائر الموجودات كلها أجزاء وتفاصيل فتلك الحقيقة والتجليات التى وقّعت بصورها فى الغيب انما نشأت وانبعثت من التجلى بصور تلك الحقيقة والصورة الوجودية لتلك الحقيقة أوّلا فى مرتبة الارواح كانت جوهرا مجرّدا عبر عنه الشارع ﷺ تارة بالعقل وتارة بالقلم وتارة بالنور وتارة بالروح حيث قال ﷺ أوّل ما خلق الله العقل وأوّل ما خلق الله القلم وأوّل ما خلق الله روحى أو نورى ولا شك أن اختلاف العبارات رتبى اذ مرتبة الاوّلية حقيقة لا تصلح لغير شئ واحد والصورة الوجودية لتلك الحقيقة مرتبة بعد مرتبة حتى انتقلت الى الصورة الجسمانية العنصرية الانسانية التى أوّل افرادها آدم فهو وسائر الانبياء ما لم يظهروا لصورة جسمانية عنصرية فى الشهادة لم يوصفوا بالنبوّة بخلاف نبينا ﷺ فانه لما وجد بوجود روحانى بشره وأعلمه بالنبوّة بالفعل وفى كل الشرائع أعطى الحكم له لكن بأيدى الانبياء والرسل الذين كانوا نوّابه كما ان عليا ومعاذ بن جبل فى عالم الشهادة ذهبا بنيابته الى اليمن وبلغا الاحكام فانّ ثبوت النبوّة ليس الا باعتبار شرع مقرّر من عند الله فجميع الشرائع شريعته الى الخلق بأيدى نوّابه ولما ظهر بالوجود الجسمانى العنصرى نسخ تلك الشرائع التى كان اقتضاها بحسب الباطن فان اختلاف الامم فى الاستعدادات والقابليات مقتض لاختلاف الشرائع* وفى فصوص الحكم وشرحه وما كان من نبىّ يأخذ شيئا من الكمالات الا من مشكاة خاتم النبيين وان تأخر عنهم وجود طينته اذ لا تعلق لمشكاته بوجوده الطينى فانه بحقيقته موجود قبلهم لانه أبو الارواح كما انّ آدم أبو الاشباح* وفى كيفية خلق نوره ﷺ وردت روايات متعدّدة وحاصل الكل راجع الى أن الله تعالى خلق نور محمد ﷺ قبل خلق السموات والارض والعرش والكرسى واللوح والقلم والجنة والنار والملائكة والانس والجنّ وسائر المخلوقات بكذا كذا ألف سنة وكان يرى ذلك النور فى فضاء عالم القدس فتارة يأمره بالسجود وتارة يأمره بالتسبيح والتقديس وخلق له حجبا وأقامه فى كل حجاب مدّة مديدة يسبح الله تعالى فيه بتسبيح خاص فبعد ما خرج من الحجب تنفس بأنفاس فخلق من أنفاسه أرواح الانبياء والاولياء والصدّيقين والشهداء وسائر المؤمنين والملائكة كما روى عن جابر بن عبد الله الانصارى أنه قال سألت رسول الله ﷺ عن أوّل شئ خلقه الله قال هو نور نبيك يا جابر خلقه ثم خلق منه كل خير وخلق بعده كل شئ وحين خلقه أقامه قدّامه فى مقام القرب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام خلق العرش من قسم والكرسى من قسم وحملة العرش وخزنة الكرسى من قسم وأقام القسم الرابع فى مقام الحب اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أقسام فخلق الخلق من قسم واللوح من قسم والجنة من قسم وأقام القسم الرابع فى مقام الخوف اثنى عشر ألف سنة ثم جعله أربعة أجزاء
1 / 19