Sejarah Kegilaan: Dari Zaman Purba Hingga Hari Ini
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genre-genre
وقد حرص بعض الأطباء على أن يكون صوتهم مسموعا، علما بأن ذلك كان يجلب عليهم دائما غضب رجال القانون والمطارنة. وهكذا، قام ميشيل ماريسكو، طبيب الملك وعميد كلية الطب بباريس، مع أربعة من زملائه، بتسليط الضوء على المزاعم الكاذبة بشأن إصابة مارثا بروسييه بمس شيطاني في أواخر القرن السادس عشر، وأوضح أنه لم يجد لدى هذه الفتاة إلا «الكثير من الدجل والقليل من المرض.» يقول ماريسكو: «لا شيء ينبغي أن ينسب إلى الشيطان الذي لا يملك أي قوى استثنائية تعلو على قوانين الطبيعة.» هذه الجملة على قدر كبير من الأهمية. نعم الشيطان موجود، لكن ينبغي تحجيم منطقة نفوذه إلى حد كبير لصالح سلطان الطبيعة، ومن ثم الطب. ربما كان ميشيل ماريسكو يفكر، عندما قال هذه الجملة الجريئة إلى حد كبير، في تلك الحكمة التي نطق بها أبقراط حين قال: «أما فيما يخص الشق الإلهي في الأمراض، فينبغي أن يتعلم الطبيب كيفية التكهن بذلك أيضا.»
الجزء الثالث
احتجاز المختلين عقليا
الفصل الأول
الإنجيل من منظور فوكو
عمدنا، منذ مقدمة هذه الدراسة، إلى الإصرار على أهمية كتاب ميشيل فوكو (1926-1984) «الجنون والخلل العقلي: تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي»،
1
ذلك المؤلف المؤسس، الذي كان له الفضل في إنشاء حقيقة جديدة، والذي لا يزال يشغل حيز الدراسة النقدية كاملا (الإبستمولوجية) للعلوم الإنسانية منذ بدء استخدام كلمة «جنون». فكيف يمكن دراسة مسألة احتجاز المجانين في ظل النظام الفرنسي القديم دون الرجوع أولا إلى هذه الأطروحة؟ وكيف للمرء أن يدعي فهمه لما كتبه فوكو في الوقت الذي يستخدم فيه هذا المؤلف أساليب متعددة تتداخل عن عمد وقصد مع بعضها البعض؟ فأنى لنا أن نميز متى يكون فيلسوفا، ومتى يكون عالما اجتماعيا، ومتى يكون مؤرخا؟ لذا، على شاكلة وقواق ديدرو الذي كان يمجد الفكر المنهجي، فإننا لن نركز في هذه القراءة إلا على الخطاب التاريخي فحسب - بما أنه يوجد بالفعل خطاب تاريخي - إذ إنه يمهد لتناول إشكاليات لم يعد بالإمكان تفاديها.
كيف نقرأ أطروحة ميشيل فوكو؟ بدءا من مقدمة كتاب «الجنون والخلل العقلي»، يصدم القارئ بمدى صعوبة فهم ما يقصده المؤلف. حيث يفاجئنا دوما على نحو غير متوقع بأسلوبه الشائق والرائع، وفكره الذي لا يقل عنه روعة، وجدليته المقنعة، حسبنا فقط أن ندعي قراءة هذا العمل من منظور النقد التاريخي. يطرح فوكو بعض البديهيات، التي ما إن نسلم بها، حتى تقودنا طيلة قراءة ذلك الكتاب، كما لو كنا تقريبا بصدد قبول قواعد لعبة سباق. بيد أن النرد مغشوش، منذ السطور الأولى. ماذا يعني فعليا ذلك القول المقتبس عن باسكال: «إن الرجال بالضرورة مجانين لدرجة أن عدم الجنون سيكون ضربا آخر من ضروب الجنون»؟ وما المقصود بذلك القول الذي تلا الاقتباس السابق مباشرة، والذي جاء على لسان دوستويفسكي حين قال: «إن حبس جارك ليس هو السبيل لتتيقن من رجاحة عقلك»؟ ماذا تعني هذه العبارات الواردة بهذا الشكل، إن لم يكن المقصود منها أولا تفنيد مفهوم الجنون نفسه، أو بالأحرى عدم التمييز بين ما يتبع الجنون المرضي وما يتبع الجنون بمعناه الفلسفي والأخلاقي؟ انطلاقا من وجهة النظر هذه، قد يجمع الجنون بين كلا الاتجاهين. وفقا لفوكو، ربما يكون الجنون إذن «واحديا»، بيد أننا سبق أن رأينا الجنون في العصور القديمة وهو يختلف تمام الاختلاف عن مثيله في العصور الوسطى.
ولكن ليست هذه هي المشكلة، فها نحن أمام هذه المسلمة المتعلقة ب «غير المجنون»، ذلك المجنون الآخر «الذي يستخدم لغة تخلو من الرحمة»، والذي بدر منه يوما ما سلوك يتسم بالجنون. يتعلق الأمر ب «إيجاد لحظة التآمر تلك». ومن ثم، إيجاد «نقطة انطلاق في تاريخ الجنون» - وبعيدا عن كونها قديمة قدم تاريخ البشرية نفسها - إلا أنها قد تكون جاءت بعده بوقت طويل، فقد ظهرت في «لحظة» ليست كغيرها: وهي لحظة «المؤامرة». لا مجال بالنسبة إلى فوكو للرجوع إلى العصور القديمة في هذا الصدد ، على الرغم من أنه قد سبقت الإشارة إلى مدى أهمية هذه المرحلة فيما يتعلق بالأمراض العقلية. إن إشاراته النادرة إلى تلك الفترة جعلت منها حقبة زائلة، حتى لا نقول غير موجودة. هذه الجدلية قادت فوكو إلى الاستشهاد بنيتشه (الذي أعطى أيضا الأفضلية للعقل على الحق) ليعلن، بأسلوب غليظ وقاس، رفضه ونبذه للغرب وعقلانيته اللذين وضعهما، للبرهنة على صحة كلامه، في مقابلة مع الشرق المؤيد ضمنيا لمذهب اللذة والمتعة. فها هو ذا الإنسان الغربي يقف متهما: «إن الإدراك الحسي لدى الإنسان الغربي للزمان والمكان المحيطين به يكشف عن هيكلية للرفض، تتم من خلالها إدانة قول باعتباره لا يمثل لغة، أو إيماءة باعتبارها ليست عملا، أو شخصية ما كما لو كان لا يحق لها أن تأخذ مكانها في التاريخ.» ما يثير اهتمام فوكو، وما يود رؤيته، هو القرار (وتوقيت ذلك القرار) الذي يربط ويفصل بين العقل والجنون.
Halaman tidak diketahui