Sejarah Kegilaan: Dari Zaman Purba Hingga Hari Ini
تاريخ الجنون: من العصور القديمة وحتى يومنا هذا
Genre-genre
وعلى أي حال، نحن بعيدون كل البعد عن الاعتقاد السائد في العصور الوسطى فيما يتعلق بعدم جدوى معالجة الجنون. علاوة على ذلك، هذه الترسانة الطبية لا تعد شيئا بالمقارنة مع رواج رحلات الحج العلاجي. وقد كانت هذه الرحلات شائعة للغاية في اليونان القديمة، ثم انتشرت على نطاق واسع في سياق الإيمان العميق بالمسيحية؛ فقد كانت العلاجات التقليدية باهظة الثمن، بينما رحلات الحج، وخاصة المحلية منها، في متناول الجميع. وكان هناك لكل مرض، ولكل جزء مصاب بالجسد، قديسه الشافي. بل كان البعض يربطون بين المرض واسم القديس الشافي؛ فنجد على سبيل المثال «داء القديس يوحنا» كناية عن الصرع. وتعدد القديسون الذين اشتهروا بشفاء الجنون، ولا يتسع المجال الآن لذكرهم جميعا. كان هناك قديسون على الأصعدة «المحلية» و«الإقليمية» و«الدولية»، وكان الناس يأتون للتضرع إليهم من جميع أنحاء أوروبا. كان عددهم حوالي خمسين قديسا، هذا دون احتساب القديسين «العموميين»، الذين لم يكونوا متخصصين في شفاء مرض ذي طابع خاص كالجنون.
وبالطبع، كانت مدينة جيل (بلجيكا حاليا) أكثر الأماكن التي يقصدها الحجاج شهرة. ويعد هذا المكان مكرسا للقديسة ديمفنا، تلك الأميرة الأيرلندية التي عاشت في القرن السابع الميلادي، والتجأت إلى هذا المكان حينما لاذت بالفرار لتهرب من ملاطفات أبيها لها. ولكن للأسف! وجدها الوحش وقطع رأسها. ثم جاءت الملائكة وثبتت رأسها على عنقها قبل دفنها، ومنذ ذلك الحين سرعان ما أصبح ضريحها مزارا مبجلا ومقصدا يحج إليه أولئك الذين «فقدوا عقلهم»؛ أي المجانين الذين أصبحت هذه القديسة بمنزلة شفيعة لهم اعتبارا من القرن العاشر الميلادي. وأمام تدفق الحجاج المتزايد على هذا المكان، بنيت به كنيسة واسعة في القرن الثالث عشر الميلادي. وشيد مبنى ملحق بالكنيسة لإيواء المجانين الذين يحجون إلى هذا المكان. غير أن الحجاج كان عددهم كبيرا لدرجة أنهم كانوا يقيمون في بعض الأحيان لدى أحد السكان، وهكذا، أصبحت جيل أول مستعمرة للمختلين عقليا في الغرب.
ومن الأماكن الأخرى التي كان يقصدها الحجاج، بلدية لارشان، في منطقة جاتينيه، وكان هذا المكان مكرسا لشفيع آخر للمجانين، وهو القديس ماتورينوس، الذي كان يهتم بهذه الفئة أيضا خلال حياته في روما. برز تخصص هذا القديس في شفاء الجنون في وقت متأخر، ولكن سرعان ما ترسخ الاعتقاد في شفاعته حينما اعتاد المستشفى الرئيس بباريس إرسال فاقدي العقل إلى مزاره. وقد تم إنشاء العديد من «المزارات الفرعية» - وذلك بتخصيص كنيسة صغيرة على اسم القديس داخل الكنيسة الكبيرة ووضع تمثال بسيط للقديس بها - بحيث تكون بمنزلة مزار محلي لأولئك الذين لا يستطيعون القيام برحلة الحج إلى لارشان، وخاصة أن السفر لم يكن بالأمر الهين في ذلك الزمن. فما كان يهم بشكل أساسي هو «اقتياد المريض إلى القديس ماتورينوس». وسرعان ما أصبح الأمر معروفا، لدرجة أنه ظهر تعبير شعبي دارج له مدلول سلبي أو بالأحرى ازدرائي، فكان يقال كناية عن شخص مجنون أو غير متزن في أفعاله: «لا بد من اقتياده إلى القديس ماتورينوس!» وبالطبع يمثل هذا التعبير إهانة إذا كان الخطاب موجها بشكل مباشر إلى الشخص المعني. أما الحج، بمعناه الذي ظهر في المجمع الفاتيكاني الثاني، فكان يتم دائما في عيد العنصرة (يعرف أيضا بعيد حلول الروح القدس على تلاميذ السيد المسيح).
كما كان يجري اصطحاب المجانين إلى بلدية هابر، في شمال فرنسا؛ من أجل التضرع إلى القديس أكير (حيث كان يقال هناك «داء القديس أكير»). وقد أدى نجاح رحلات الحج إلى مزارات القديسين ، اعتبارا من القرن الثاني عشر الميلادي، إلى إنشاء «مشفى» لعلاج المجانين في عام 1218م. وكان المجانين يأتون إلى بلدية سان مينو، في مدينة بوربونيه؛ طلبا لشفاعة القديس مينو (أو مينولف). كما كانوا يذهبون إلى بلدية سان ميان (إقليم إيل وفيلان حاليا) للتضرع إلى القديس ميان، وإلى بلدية لوكمينيه (إقليم موربيهان حاليا) الواقعة أيضا في منطقة بريتاني بفرنسا للتضرع إلى القديس كولومبان. كما كان كثيرون يتوافدون على ضريح القديس ديزييه في منطقة الألزاس، وهناك أيضا، كان بإمكانهم الإقامة في منازل القرويين. نذكر أيضا، حتى لا يتبقى إلا الأضرحة الرئيسة والكبرى في فرنسا، مزار القديس فلورنتين في بلدية بونيه (في إقليم الموز بفرنسا)، ومزار القديس جرا في إقليم أفيرون، ومزار القديس فرونت في بيريجو (حيث كان التشفع بهذا القديس أمرا معروفا وثابتا، ثم أضيف إليه قديس آخر يدعى القديس ميموار)، ومزار القديس هيلدفرت في بلدية جورنيه-أون-بريه. وفي هذه الكنيسة، كان المرضى يتشفعون برفات القديس؛ طلبا للشفاء من الجنون ومن الصاعقة، يا له من ترابط «مستنير» بين الاثنين!
كانت رحلات الحج العلاجي للاستشفاء من الجنون تمثل في العصور الوسطى مشهدا مذهلا ومخيفا في الوقت نفسه. وبالطبع لم يكن المرضى يأتون بمفردهم، وإنما كان يصطحبهم بقوة وبحزم أناس آخرون. وبطبيعة الحال، كان هؤلاء المرضى إما مصابين بالذهول وإما هائجين وإما غاضبين وساخطين. وكان يتم دفعهم بشدة، أو حملهم بشكل يعيقهم عن الحركة، على محفات أو نقالات، أو أيضا على نوع آخر من الأسرة يشبه النعوش بشكلها المزعج والمحزن. وكان يجري تهديد المرضى الأكثر عندا وتمردا بضربهم بالسوط. أما الممسوسين (وسنتحدث عنهم لاحقا)، فقد لعبوا دورهم باقتناع؛ حيث كانوا يتخبطون ويطلقون صرخات حادة ويتفوهون بألفاظ تجديف (الكفر بنعمة الله والكلام عليه بالشتم) وسباب. وكان سكان هذه المناطق يخرجون من منازلهم ليتمتعوا برؤية ذلك المشهد المدهش. وكانت الدعابات التي يطلقها هؤلاء القرويون وتعليقاتهم الساخرة، إضافة إلى صراخ الأطفال ونباح الكلاب وقرع الأجراس في بعض الأحيان، كل هذه الأصوات، تضفي مزيدا من الصخب والفوضى على هذا المشهد.
ولم تكن رحلات الحج تنقضي سريعا؛ فعلى شاكلة طقس حضانة المرض الذي كان يمارس في العصور القديمة في بلاد الإغريق، كان المجانين يبيتون في المزار بضعة أيام، تسعة أيام بالضبط؛ أي تساعية، وفقا لطقس شهير في الكنيسة المسيحية. خلال هذه المدة، كان لا بد من إيواء المرضى، أو بالأحرى، احتجازهم في زنازين أو حجرات مفروشة بالقش. وكان المرضى يقيمون، في بعض الأحيان، بمبنى ملحق بالكنيسة، أطلق عليه «غرفة المرضى»، أو في كنيسة صغيرة جانبية محكمة الغلق، أو في قبو الكنيسة في أحيان أخرى. خلال التساعية، كانت تقام صلوات، وتراتيل، وقداسات، وزياح (طواف بأشياء مقدسة داخل الكنيسة وخارجها) في المزار وفي المناطق المحيطة به، كما كان المريض يغتسل ويتم تغطيسه في ينبوع مياه معجزية. وقد شيدت كنائس كثيرة، خلال القرون الأولى لانتشار المسيحية، فوق العديد من المواقع الوثنية. وكان أقدس وقت في التساعية هو وقت الصلاة والتضرع عند رفات القديس، وفي أغلب الأحيان عند قبره. وكانت بعض الأضرحة، مثل ضريح القديس فلورنتين، مشيدة على أربعة أعمدة مرتفعة بما يكفي ليمر الحجاج تحتها ويطوفوا بضريح القديس. وأحيانا، كان يتم عمل فتحة بالناووس حتى يدخل المجانين رءوسهم بها. نذكر على سبيل المثال «ضريح القديس مينو»
le débredinoire de Saint-Menoux (وكلمة
bredin
تعني في اللهجة المحلية شخصا مجنونا أو غريب الأطوار)، وكانت هذه الخاصية تعتبر سمة مميزة للمزار، وقد زادت من نسبة الإقبال عليه بشكل كبير. وفي الواقع، كانت تتلى صلوات وطلبات خاصة على رءوس المجانين وذلك بعد حلاقة شعرهم. وفي كنيسة القديس فلورنتين ببلدية بونيه، كان يوضع على رأس المريض تاج من النحاس به دلاية تحتوي على جزء صغير للغاية من عظام القديس. وفي بلدية سان جرا، توجد خوذة رومانية غير معلوم أصلها، ولكن يقال إن القديس كان قد ارتداها، ويقوم المجنون بوضعها على رأسه بضع ثوان حتى تغمره النعم والبركات.
وبالطبع، لم تكن هذه المراسم الطويلة تتم في هدوء؛ فالمجانين، الذين كان يتم عادة إلباسهم رداء باللون الأحمر أو الأبيض، تذكيرا بالرداء الذي وضعه المسيح وقت الصلب والآلام؛ لم يكونوا جميعا يخضعون بسهولة وعن طيب خاطر إلى كل هذه الطقوس، فكان أولئك الأكثر هيجانا يبقون ملجمين في أسرتهم أو مقيدين إلى جدار مزود بحلقات حديدية على «دكة المجانين». وكانوا كثيرا ما يجلدون بالسوط؛ وذلك لشيوع الاعتقاد بأن المجانين يسكن جسدهم شيطان، وبناء على ذلك، لا يوجه الضرب إلى المريض، وإنما إلى الشيطان المستقر في غلافه الجسدي.
Halaman tidak diketahui