179

Sejarah Ibn Khaldun

تاريخ ابن خلدون

Genre-genre

ولما أقبل الليل كان الوالي الحاج عادل بك أعد لنا مكانا للمبيت فاستعفيت منه قائلا: إنني كنت مفتشا للهلال الأحمر المصري، ولا يزال له بعثة في أدرنة وكنت أنا السبب في دخولها، فأرغب في المبيت بدائرة الهلال الأحمر المصري، فذهبت وبت هناك وعند الصباح رأيت مئات من مسلمي أدرنة أمام دائرة الهلال الأحمر وبأيديهم سطول، فسألت عن ذلك فقالوا: إنه كل يوم يتوزع عليهم حساء وخبز، ولكنهم قالوا إنه في أثناء حصار أدرنة بعد أن قلت الأقوات واشتد الجوع كان الأربعون ألف نسمة من مسلمي أدرنة يعيشون كلهم من الهلال الأحمر المصري، ولولاه لهلكوا بأجمعهم من الجوع، لأنه لم يبق بأيديهم شيء من طول الحصار، حتى أن الذين في أيديهم شيء من النقود لو أرادوا شراء القوت لم يجدوه، فالله تعالى أغاثهم بوجود هذه البعثة المصرية. ولما استرجعت الدولة أدرنة درت الخيرات، وارتفع الضيق ووزعت الدولة عليهم الأقوات، فلم يعودا محتاجين إلى الهلال الأحمر، وقالوا لي إن الذين تراهم الآن إنما هم خمس مئة أو ست مئة شخص منا لمساكين والعاجزين.

وبمناسبة هذه المعاونة التي لقيتها أدرنة من حمية أهل مصر ينبغي لي أن أذكر على وجه الإجمال ما قامت به مصر كنانة الله في أرضه من إمداد الدولة العثمانية في الحرب البلقانية المشئومة، وأن لا أدع هذه الواقعة غفلا قياما بواجب الأمانة مع التاريخ، وتوفيرا للحق لأهله، فأهل مصر يومئذ حققوا قوله تعالى:

إنما المؤمنون إخوة

وقوله

صلى الله عليه وسلم : «المسلمون في توادهم وتعاطفهم كالجسم الواحد إذا تألم منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى» فأول شيء أنهم جمعوا إعانة للدولة مبلغ نصف مليون جنيه، وذلك بهمة لجنة الإعانة التي كان يرأسها الأمير «عمر طوسون» الذي هو يرأس كل عمل خيري تقريبا في مصر، وأرسلوا بعثة من الهلال الأحمر المصري قامت بأعظم الأعمال في معسكر شطلجة، ثم إن مسلمي الرومللي بالنظر لما وقع عليهم من اعتداء البلقانيين - لاسيما البلغار واليونان - فروا من وجه العدو اتقاء القتل للنفوس والهتك للأعراض، فالتجأوا جميعا إلى الأستانة ليجوزوا إلى بلاد الأناضول، وجاء منهم فريق إلى غاليبولي ليجوزوا منها أيضا إلى البلاد نفسها، وبديهي أن هؤلاء الذين فروا من وجه العدو هاموا على وجوههم لا يلوون على شيء خوفا على دمائهم وأعراضهم، ولم يكن ليتيسر لهم التريث حتى يستحضروا النفقات اللازمة لهم من أجل السفر، وأكثرهم خرجوا بعيالهم وهم لا يملكون القوت الضروري، وكان ذلك في قلب الشتاء، وكان عددهم لا يقل عن مئة وخمسين ألف نسمة.

فلما دخلوا الأستانة أنزلتهم البلدية في الجوامع والمدارس. فاستوعبتهم جميعا، ومن هنا يعرف الإنسان فائدة هذه الجوامع العظيمة التي شيدها سلاطين آل عثمان بالحجر الصلب، وتوسعوا في عمارتها إلى الدرجة القصوى، حتى أن الجامع الواحد منها مع مضافاته والمدارس المتصلة به يكاد يكون بلدة، فأبرقنا إلى مصر بحالة هؤلاء المهاجرين وكنت أنا المتولي الكتابة إلى الأمير عمر طوسون، والأمير محمد علي توفيق ووصفت لهما حالة إخواننا المهاجرين وما هم عليه من البأساء، فلم نلبث إلا أياما قلائل حتى فوضوا إلينا هذا العاجز ومحمد باشا الشريعي وكامل باشا جلال وعدة أشخاص آخرين من مستخدمي الهلال الأحمر توزيع الإعانات على هؤلاء المهاجرين على معدل ثلاثة ريالات مجيدية للنسمة، فطلبنا من أمانة البلدة جداول أسمائهم جميعا وأخذوا بتنظيمها لنا، فكنا نذهب بأنفسها إلى جامع جامع ومعنا البوليس يدعو كل رئيس عائلة باسمه ليأتي أمام اللجنة مع جميع أفراد عائلته، فننظر في الجدول الذي في أيدينا ونسأله عن اسمه وأسماء أفراد عائلته فإذا طابق ما في الجدول أدينا له ما يستحقه، فكان صاحب العائلة يقبض عشرين ريالا، أو ثلاثين ريالا، أو أربعين ريالا بحسب عدد عائلته. وهكذا حصل لهؤلاء المهاجرين من الفرج ما لا يوصف في زمن كانت الدولة في شغل شاغل عنهم بسبب الحرب وإعداد لوازم الجيوش.

وقد بقينا أكثر من شهر نوزع هذه الإعانات عليهم حتى أخذ كل من المئة والخمسين ألف نسمة نصيبه، وأرسلنا لجنة إلى غاليبولي فدفعت مثل ذلك من الإعانات إلى المهاجرين الذين اجتمعوا فيها، وجميع هؤلاء المهاجرين عبروا إلى الأناضول وسلموا من الإهانات والاعتداءات، لا بل من الفظائع التي حلت بالذين تخلفوا من المسلمين في بلاد البلقان، وهي وصمة عار على البلقانيين لا يمحوها الدهر فقد ارتكبوا من الفظائع والفجائع بحق مسلمي الرومللي المساكين بعد انهزام العساكر العثمانية ما لو ارتكب المسلمون بحق المسيحيين عشر معاشره لقامت أوروبا وقعدت وملأ صراخها الآفاق، وملأت أساطيلها مرافئ الشرق، وتوالت احتجاجاتها في العشي والإشراق، ولكن هذه الدول التي تدعي المحافظة على حقوق الإنسانية وتزعم أنها تعلم الناس قواعد المدنية، عرفت بجميع فظائع البلقانيين بحق المسلمين وما أتت بأدنى حركة.

ولي في ذلك الوقت برقية شديدة إلى السر إدورد غراي ناظر الخارجية الإنجليزية أبين له فيها دهشة العالم من وقوفهم بدون أدنى اكتراث لما هو واقع على مسلمي الرومللي الوادعين في بيوتهم من اعتداءات الدول البلقانية، على حين أنهم كانوا يقيمون القيامة لو كان الاعتداء واقعا من المسلمين على البلقانيين. وبعد إرسال البرقية طلب كامل باشا الصدر الأعظم صورتها وأعجب بها، وجرى حديث بيني وبين فيسموريس مستشار السفارة الإنجليزية في الأستانة في هذا الموضوع فلم يقدر أن يعترض بكلمة واحدة، وغاية ما قدر أن يقول لي إن السربيين كانوا أقل أذى للأهالي المسلمين من غيرهم.

ولما سقطت سلانيك في أيدي البلقانيين كان قد اجتمع فيها جميع المسلمين الذين في جوارها، والذين فروا من وجه جيوش الأعداء فدخل اليونان والبلغار إلى سلانيك وفيها مئة وخمسون ألف نسمة من المسلمين اللاجئين إليها، فضلا عن المسلمين الذين هم من أهلها، وقد ضبط الأعداء جميع الأقوات والأرزاق التي في البلدة لأجل جيوشهم، فصار المسلمون على شفا الهلاك جوعا، وحرص اليونان والبلغار على قطع أخبار سلانيك عن العالم حتى لا يعلم أحد ماذا يجري فيها، وهذا قد كان من أسوأ أعمالهم، وكأنهم أرادوا أن يمحوا هؤلاء المسلمين الذين اجتمعوا هناك بواسطة الإجاعة فلم يجدوا وسيلة أحسن من قطع أخبار سلانيك عن العالم حتى لا يعرف المسلمون ماذا جرى، ولا يرد منهم أدنى مدد إلى مسلمي سلانيك، ولكن أبى الله إلا أن يغاثوا فجاء رئيس أطباء الجيش العثماني في سلانيك إلى الأستانة واسمه سلامي باشا وكان خروجه من سلانيك بمجرد دخول العدو، فلم يطأ أرض الأستانة حتى اجتمعنا به ومنه أخذنا الخبر عن سقوط تلك البلدة لأن البلقانيين كانوا قطعوا الأسلاك التلغرافية، فكان لم يمض على سقوطها غير ثلاثة أيام. وهو الذي أخبرنا بأن في سلانيك مائتي ألف مسلم بالأقل إذا مضى عليهم عشرة أيام ، ولم تأتهم أقوات يموتون كلهم جوعا. فسرعان ما حركت قلمي بالإبراق إلى مصر سواء إلى الأمير عمر طوسون أو إلى الهلال الأحمر، وحيى الله لجنة الإعانة المصرية والهلال الأحمر المصري، فإنه ما مضى أسبوع حتى كانت البواخر دخلت مرفأ سلانيك ملأى بالأقوات والأرزاق والأكسية وجميع اللوازم الضرورية، ومعها الرجال الموكلون بها، فأغاثوا المسلمين وانتاشوهم من خطر الهلاك جوعا، وكذلك سمعت أن الخديوي السابق أرسل بواخر إلى مرسى «قوله» موقرة أرزاقا لأن قوله هي موطن محمد علي باشا جد العائلة المالكة في مصر. وكان اجتمع إليها أيضا عشرات ألوف من المسلمين الفارين من وجه البلقانيين.

وخلاصة القول أن المقام الذي قامه أهل مصر أبقاهم الله ركنا للإسلام من إغاثة مسلمي البلقان في الحرب البلقانية يبقى لهم مأثرة خالدة لا تبليها الأيام في تاريخ الإسلام.

Halaman tidak diketahui