168

Sejarah Ibn Khaldun

تاريخ ابن خلدون

Genre-genre

ومنهم من كان الإنجليز يستخدمونهم في بث دعايتهم كأجراء لا غير.

ثم إن الاتحاديين ساعدوا بسوء تصرفهم واستخفافهم بأعدائهم هذه الأمم غير التركية في السلطنة على أنفسهم، ودخل في الجمعية الاتحادية عناصر كثيرة مفسدة كرهت الرعية بها. وكان رجال الحكم الجديد قد أقصوا عن وظائف الحكومة أكثر الذين كانوا يشغلونها، واستبدلوا بهم شبانا من حزبهم، فآسفوا جمعا عظيما لهم تأثيرا في السلطنة، لأنهم أصابوهم في أسباب معيشتهم، فانكسرت خواطر وتراكمت أحقاد، وتألفت فرقة جديدة من قدماء الرجال الذين كان يقال لهم الرجعين، وانتشرت لهم جرائد، وأعصو صب حولهم كثير من العوام.

ولما كان الاتحاديون يتظاهرون بالتفرنج ويتساهلون بأمور الدين، ويتكلمون أحيانا بما يخالف الشرع، مال جمهور العلماء وأنصار المبادئ الإسلامية إلى هذا الحزب الذي شرع بمصادمة جمعية الاتحاد والترقي، وألفوا تحت رئاسة الشيخ «درويش وحدتي» عصبة سموها «الوحدة المحمدية» وأخذ حزب الأحرار يمد يده على حزب الرجعيين ليكونا يدا واحدة على حزب الاتحاد والترقي، فاشتدت المعارضة في وجه الاتحاديين بينما هم مهملون للاحتياط، واثقون بأنفسهم، مستخفون بخصومهم. فاشتدت المناقشات في الجرائد، وازدادت العداوة بين الأحزاب، وإذا بالناس في 8 إبريل سنة 1909 تسمع أن حسن فهمي بك محرر جريدة «سربستي» قد قتل غيلة على الجسر وهو راجع من بيك أوغلى إلى استانبول، وكان هذا الكاتب من أكبر أعداء الاتحادي والترقي، فقيل إن الاتحاديين هم الذين أرسلوا من يغتاله، وقيل إن الذين اغتالوه هم حزب الرجعيين، وذلك لأنهم استشاروه في القضاء على الدستور والرجوع إلى النظام الحكم القديم فأبى أن يسايرهم في هذه المكيدة، فخافوا أن يفشى سرهم للحكومة فأرادوا التخلص منه فقتلوه، فهاجت الخواطر لقتل هذا الكاتب، وقدم ستة من مبعوثي المجلس سؤالا لناظر الداخلية عن هذه الحادثة، وتفاقم القلق في الأستانة وكان الرجعيون قد اتصلوا ببعض توابير من الجيش، واتهم السلطان عبد الحميد بأن له يدا في الدسيسة رأسا أو بواسطة أنصاره القدماء، فما شعر الأهالي إلا والعساكر قد ملأت ساحة أيا صوفيا، وأخذوا ينادون بإسقاط الوزارة، وعزل أحمد رضا بك رئيس مجلس الأمة، ويطلبون تسليم علي رضا باشا ناظر الحربية، وأعضاء جمعية الاتحاد والترقي ليقتلوهم، وكان بعض المشايخ علموا العسكر أن ينادوا بإعادة الشريعة وإلغاء القانون الأساسي حتى يملكوا بذلك قلوب العامة، وفي ذلك الوقت هجموا على نادي الاتحاد والترقي، وعلى إدارة جريدة «طنين» وعلى النادي العسكري وعلى نادي النساء ونهبوها وجعلوا عاليها سافلها، ثم انقض الجنود على ضباطهم فقتلوا منهم ثلاث مئة، وفر من الضباط عدد كبير من الأستانة، وتخبأ آخرون فيها. ثم هجم الجند على مجلس المبعوثين ليقتلوا منهم الاتحاديين المعروفين بمكانتهم في الجمعية، ولكن كان المبعوثون الاتحاديون قد علموا بالثورة وما يضمره الرجعيون المتسترون باسم الشريعة من نية قتلهم، فلم يحضروا إلى المجلس. وحضر الأمير محمد أرسلان رئيس لجنة الأمور الخارجية ومبعوث اللاذقية، وقيل له في ذلك اليوم إن ذهابه إلى المجلس خطر على حياته لأنه كان من الاتحاديين المعروفين، فأبى إلا أن يذهب ليقوم بالواجب وكان بلغه أن في نية الثوار إحداث مذبحة في الأستانة تحمل الأجانب على التدخل لأجل حماية رعاياهم فتسقط بذلك حكومة الاتحاد والترقي، فذهب ابن عمنا إلى المجلس ليحمل المبعوثين على مراجعة السلطان شخصيا ليبذل كلمته ونفوذه لأجل تسكين الثورة التي قد تجر وبالا عظيما على السلطنة ، فلما ذهب رحمه الله إلى المجلس لم يجد من نيف ومائتي مبعوث إلا ثلاثين أو أربعين مبعوثا فقط. فتكلم معهم في الموضوع وتقرر بينهم إرسال وفد إلى قصر بلدز ليعرض الخطب على السلطان، ويلتمس أمره الجازم للعسكر وللشعب بالسكون، فانتخب المجلس أحد عشر مبعوثا منهم محمد أرسلان ليقوموا بهذه المهمة. فلما خرجوا وركبوا العربات عرف محركوا هذه الثورة مقصدهم فردوهم من حيث أتوا وبينما هم على باب المجلس أوعز بعض المحركين لهذه الثورة إلى الجند بأن يطلقوا الرصاص على محمد أرسلان - وهم لا يعرفونه - فوقع شهيدا. ثم قتلوا أيضا ناظم باشا ناظر العدلية، وكان مرادهم أن يفتكوا أيضا بسائر أعضاء المجلس الذين لبثوا ينتظرون الموت مدة ساعتين.

ومنهم من رمى بنفسه من النوافذ فسقطوا وتكسرت أرجلهم.

ومنهم من تخبأ في أي مكان يتوارى به عن الأعين، ولكن العسكر بعد أن فتك بناظر العدلية وبمبعوث اللاذقية سمعوا أنه سيأتي عسكر آخر بأمر السلطان فيقتص منهم، فوقع الرعب في قلوبهم وأمسكوا عن قتل سائر المبعوثين وصاروا يطلقون الرصاص في الفضاء تهويلا.

وأما حسين حلمي باشا والوزراء رفاقه فقد تخبأوا حيث لا يعلم بهم أحد، وانسل محمود مختار باشا على باخرة إنجليزية فذهب العسكر إلى بيته ليقتلوه فلم يجدوه. فأمر السلطان بتأليف وزارة جديدة تحت رئاسة توفيق باشا الذي كان سفيرا للدولة في لندرة، وأدخل فيها أدهم باشا قائد الجيش العثماني الذي قهر اليونان، وذهني باشا ورفعت باشا الذي كان ناظرا للخارجية في الوزارة السابقة، فأبقوه في الوزارة الجديدة كما كان، وأبقوا أيضا ضياء الدين أفندي شيخ الإسلام. وأبقوا نورادونغيا أفندي الأرمني ناظر الأشغال النافعة، وأبقوا خليل حمادة باشا ناظر الأوقاف وتعيين عادل بك ناظرا للداخلية، والقائد ناظم باشا قائدا للفيلق الخامس مكان محمود مختار باشا، وقد كان وقوع هذه الثورة في 13 إبريل سنة 1909 وفي اليوم التالي لم ينعقد المجلس ولكن لما تم تشكيل الوزارة انعقد بحضور 191 مبعوثا وأصدر المجلس منشورا يحاول فيه تلطيف الحادثة، ويحث الرعية على السكون. ونقلت جثة الأمير محمد أرسلان باحتفال عظيم إلى بيروت حيث كان له مأتم لم يسبق نظيره، وبكى الجميع شابه لأنه كان في الرابعة والثلاثين من العمر، وبكوا مزاياه العالية. وحزن عليه أبوه الأمير مصطفى أرسلان حزنا أثر في صحته فلم يعش بعد ذلك طويلا.

ولما وصل الخبر إلى سلانيك وهي مركز الاتحاد والترقي هاج العسكر ولا سيما الضباط الذين علموا بقتل رفاقهم، فلم يبطثوا أن زحفوا إلى الأستانة. فاجتمع الفيلق الثالث - أي فيلق سلانيك - والفيلق الثاني - أي فيلق أدرنة - وساروا إلى العاصمة تحت قيادة محمود شوكت باشا، فوقع الرعب في الأستانة وخيف أن العساكر الآتية من أدرنة وسلانيك تنتقم من العساكر والأهالي الذين قاموا بالثورة الرجعية، فأرسل الصدر الأعظم إلى محمود شوكت باشا يقول له: إن السكون تام في الأستانة وأنه لا خوف من حرب، وكان توفيق باشا قد نصح للسلطان بعدم المقاومة خوفا من حرب أهلية.

ولما اجتمعت الجيوش في «سان ستفانو» وذلك في 21 إبريل أقبل عليها النواب والشيوخ وانعقد مجلس الأمة تحت رئاسة أحمد رضا بك، ونشروا منشورا يجعل الأمر والنهي والاقتصاص من الثائرين في يد محمود شوكت باشا قائد الجيش المسمى بجيش الحركة، وكان العساكر البحرية قد اشتركوا في الثورة من قبل، ولكنهم لما رأوا القوة أقبلت أسرعوا إلى الخضوع. وبالإجمال لم يكن في نية توفيق باشا ولا أدهم باشا، ولا أحد من الوزارة الجديدة مقاومة الفيلقين القادمين من الرومللي ولكن بعض العساكر الذين كانوا في ثكنة «ظاشقشلة» والذين كانوا هم الثائرين والفاجرين للدماء، أطلقوا النار على جيوش الرومللي فوقعت معركة انتهت بفوز الرومللي، وكذلك وقعت مناوشات خفيفة في ثكن أخرى وانتهت بفوز قوة محمود شوكت باشا، وكان يحيط بقصر يلدز سبعة آلاف من الجيش المخلص للسلطان، إلا أنهم لم يروا السلطان ناويا المقاومة فخضعوا لمحمود شوكت باشا. وفي 26 إبريل تقرر في مجس الأمة خلع السلطان. وصدرت الفتوى من مشيخة الإسلام بأنه إذا كان زيد - الذي هو أمير المؤمنين - يحذف مسائل مهمة من كتب الشرع وقد يمنع تداول هذه الكتب أحيانا ، وكان يخالف الشرع في استعمال بيت مال المسلمين ويقتل وينفي ويحبس بمجرد هواه، ويحنث بيمينه الذي أقسمه، ويحدث الفوضى في المملكة أفلا يجوز تخليص الأمة من ضرره؟ أفلا يكون من مصلحة الأمة خلعه إلخ؟ الجواب، نعم.

السلطان محمد الخامس

وهكذا تقرر خلع عبد الحميد الثاني، ومبايعة أخيه السلطان محمد رشاد باسم محمد الخامس. وهذبت لجنة مؤلفة من عارف حكمت باشا وآرام أفندي من أعضاء مجلس الأعيان، ومن أسعد باشا مبعوث دراج، وفراسو أفندي مبعوث سلانيك، فبلغوا السلطان قرار خلعه، وفي يوم الأربعاء 28 إبريل الساعة الثامنة والنصف مساء جاء القائد حسين حسني باشا وعلي فتحي بك وأبلغا السلطان قرار نقله إلى سلانيك، وسفروه في نصف الليل، وكان معه نساؤه وإثنان من أولاده، الأمير عبد الرحيم أفندي وعمره 16 سنة والأمير محمد عابد وعمره 6 سنوات، ولم يصحبه إلا أربعة من الخصيان، وتسعة من الخدم. وبعد نقل السلطان إلى سلانيك ومبايعة أخيه سكنت الأمور وأعلنت الإدارة العرفية في العاصمة، وتألف مجلس حربي لمحاكمة الذين أحدثوا الثورة وسفكوا الدماء فصدر الحكم بشنق عدد من هؤلاء، ولا شك في أنه كان قد نفى أناس كثيرون متحفزون لإعادة السلطان عبد الحميد إلى العرش في أول فرصة، ولكن هذا الحزب كان يرى لزوم السكينة إشفاقا على الدولة. ولما اشتعلت الحرب البلقانية أعادت الدولة السلطان عبد الحميد إلى الأستانة، وأنزلته في قصر «بكلر بك» حيث بقى إلى أن مات سنة 1917 وحضرت مأتمه وشهد الجمهور بحقه شهادة حسنة لأنهم كانوا يعتقدون إسلامه وإيمانه، وبعد أن بويع السلطان محمد الخامس، أعيد حسين حلمي باشا إلى الصدارة، وبقى النفوذ الحقيقي لجمعية الاتحاد والترقي، فحصل بين الجمعية وحسين حلمي باشا اختلاف أدى إلى استقالته. فاستدعى الاتحاديون إبراهيم حقي باشا سفير الدولة في روما، وجاء إلى الأستانة في 11 يناير سنة 1911 فاختار حقي باشا لنظارة الحربية محمود شوكت باشا وصار طلعت بك ناظرا للداخلية، وجاويد بك للمالية، ورفعت باشا للخارجية، ونجم الدين ملا بك للعدلية، وحلاجيان أفندي للنافعة، والأميرال خليل باشا للبحرية، والشريف علي حيدر باشا للأوقاف، وأمر الله أفندي للمعارف، وتولى مشيخة الإسلام القاضي حسين حسني أفندي.

Halaman tidak diketahui