ووقعت سفينة قبطان البحر العثماني بين سفينتي الأميرال الإسبانيولي، والأميرال البندقي، فجاءت أربع سفن عثمانية لأجل تخليص أمير البحر العثماني، وفي أثناء المعمعة أصابته رصاصة فسقط وهجم الإسبانيول وقطعوا رأسه ودارت بعد ذلك الدائرة على العثمانيين، فأخذ الأسطول المسيحي منهم مئة وثلاثين سفينة غصبا وأحرقوا أربعا وتسعين وغنموا ثلاث مئة مدفع، وأسروا ثلاثين ألف مقاتل وأنقذوا خمسة عشر ألف أسير مسيحي، ولم ينج من الأسطول الإسلامي إلا أربعون سفينة لأمير الجزائر، وكانت خسائر أسطول النصرانية لا تزيد على خمس عشرة سفينة وثمانية آلاف مقاتل، وبعد هذه المعركة المشهورة بمعركة ليبانت لم تقم للبحرية الإسلامية قائمة تحمد في البحر المتوسط.
ولهذه المعركة قرعت طبول البشائر في جميع العالم المسيحي ولا يزال أهل إيطاليا يحتفلون كل سنة بتذكار هذه الموقعة، ولما بلغ الخبر السلطان امتنع ثلاثة أيام عن الطعام وطرح نفسه على الأرض يستغيث بالله أن يرأف بالإسلام لأن القوة البحرية التي كان أسسها سليم الأول وسليمان القانوني استولى عليها البوار بهذه الكائنة، ولكن الصوقلي بمهاراته لم يلبث أن شرع بتجديد الأسطول العثماني بسرعة خارقة للعادة وعضده في ذلك أمير الجزائر «أولوج علي» وتوجهت عيله إمارة البحر. فبنى العثمانيون مئة وخمسين سفينة حربية، وكان القرار هو أن يبنوا مئة وخمسين سفينة ثانية، فقال قبطان البحر: إنه يصعب على الدولة استحضار كل لوازن هذه السفن، فأجابه الصوقلي الصدر الأعظم بأن السلطنة بمنابع ثروتها تقدر أن تجعل جميع الأسلحة من الفضة وجميع الأشرعة من الأطلس، وهكذا خرج الأسطول العثماني في سنة 1572 بمائتين وخمسين بارجة حربية، فعادت البندقية تحسب للعاقبة حسابا، وفي مارس سنة 1573 ارتضت بالصلح مع الباب العالي وتخلت عن جزيرة قبرص، ودفعت ثلاث مئة ألف دوكة تعويضات ثم طرد العثمانيون الإسبانيول من تونس واستولوا على هذه البلدة، وامتنع الإسبانيول بحلق الواد إلا إن الدون جوان دوتريش جاء بأسطول إلى تونس ورد مولاي حسن الحفصي إلى الملك، ولم يطل هذا الأمر إذ بعد سنة ونصف جاء سنان باشا ومعه أربعون ألف مقاتل فطرد الحفصي والإسبانيول معا واستولى على قلعة حلق الواد التي كان امتنع الإسبانيول بها.
ثم عصت بلاد البغدان فأرسلت الدولة جيشا خلع أميرها ونصب مكانه رجلا اسمه إيفونيا وفر أمير البغدان السابق إلى الروسيا حيث قتله إيفان ملك الروس، ثم إن إيفونيا نفسه عصى على الدولة وظاهره القوزاق واستولى على برايلا ويندر واكرمن، فزحفت إليه الجنود العثمانية فهزمته ووقع في الأسر واستؤصل القوزاق بأجمعهم، ومات السلطان سليم في 12 ديسمبر 1574، ومع ما كان عليه هذا السلطان من القصور فقد كانت وفاته مصيبة على الدولة، لأنه بعد وفاته سقط الصدر الأعظم الصوقلي وكان رجلا من دهاة الرجال وكان نادر المثال.
وجاء في شذرات الذهب نقلا عن الأعلام أن السلطان سليم الثاني ولد سنة تسع وعشرين وتسع مئة ، وجلس على تخت السلطنة يوم الاثنين لتسع من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وتسع مئة ومدة سلطته تسع سنوات، وسنه حين تسلطن سنة وأربعون سنة وعمره كله ثلاث وخمسون سنة، وكان سلطانا كريما رءوفا بالرعية رحيما عفوا عن الجرائم حليما محبا للعلماء والصلحاء محسنا إلى المشايخ والفقراء طالما طافت بكفيه الآمال واعتمرت، وصدع بأوامره الليالي والأيام فأثمرت، وكم أظهرت لسواد الكفرة يد صارمه البيضاء آية للناظرين، وكم جهز جيوشا للجهاد في سبيل الله فقطع دابر القوم الكافرين.
فمن أكبر غزواته فتح جزيرة قبرص بسيف الجهاد ومنها فتح تونس المغرب وحلق الواد ومنها فتح ممالك اليمن واسترجاعها من العصاة، ومن خيراته تضعيف صدقه الحب على أهل الحرمين، والأمر ببناء المسجد الحرام وتولى بعده ولده السلطان مراد تاريخ جلوسه.
بالبخت فوق التخت أصبح جالسا
ملك به رحم الإله عباده
وبه سرير الملك سر فأرخوا
حاز الزمان من السرور مراده
ا.ه. وهو من نظم الشاعر «مامية» الرومي
Halaman tidak diketahui