عليه ، فنام ليلته غير هياب من سيوف قريش المسلولة ورماحها المشرعة مستهينا بنفسه ليسلم سيده القائد الحكيم. لقد أقدم علي (ع) على الموت وهو يراه بعينه ولم يتجاوز العشرين عاما من عمره ، يستقبل حياة حافلة بالأماني والأحلام ، ولكنه في تلك اللحظة يستقبل الموت الذي هو أعز أمانيه وأحلامه السعيدة في تلك الساعات التي يراها من أحرج ساعات الحياة. إنه لا يتصور إلا سلامة محمد (ص) ونجاته من أعدائه ليؤدي رسالة ربه كاملة غير منقوصة وينشر بين مئات الملايين من البشر تلك المبادئ التي تأمر بالعدل والإحسان والمساواة ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي. وهذه كل آماله واحلامه يوم كان طفلا وشابا وكهلا ويوم حاربه ابن هند والزبير وطلحة ويوم تجمعت قوى البغي ضده ويوم قال : والله لو أعطيت الأقانيم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت. لقد هيأ الله سبحانه عليا (ع) ليفدي محمدا ودعوته بنفسه ، وهيأ من بين العرب أهل يثرب ، فرحبوا بمحمد ودعوته وآمنوا بها وبايعوه على أن يمنعوا عنه كيد قريش وغدرها ويبذلوا في سبيله الغالي والرخيص ، وفي المدينة ، نزلت الآيات التي أباحت له القتال دفاعا عن النفس وعن تلك الدعوة المباركة وأول الآيات التي شرعت الجهاد قوله سبحانه : ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير ) (1) وقد استمر المشركون على إيذاء المسلمين والتنكيل بهم ، فكانوا يأتون الرسول ما بين مضروب ومشجوج ولكنه كان يأمرهم بالصبر لأنه لم يؤمر بقتالهم ، ولما هاجر نزلت عليه هذه الآية ، وهي كالصريحة في أنه سبحانه انما أذن لهم بقتال المشركين لدفع الظلم والعدوان ، لأنهم أخرجوهم من ديارهم بلا
Halaman 65