المستقيم يحمل الناس على التماس وسائل لحفظ بقائهم أفعل من التي يتوسل بها الفرد يجاهد وحده. هم يستكشفون أن البلية عامة، وأنه يمكن ملافاتها بوسائل عامة، فتنبت أول وأهم قاعدة خلقية، وهي يجب طلب السلم، فإن لم نفلح في تحقيقه وجب التوسل للحرب. وشرط السلم أن ينزل كل فرد عن حقه المطلق في حال الطبيعة، فينزل الأفراد عنه صراحة أو ضمنًا إلى سلطة مركزية، قد تكون فردًا وقد تكون هيئة تجمع بين يديها جميع الحقوق، وتعمل لخير الشعب، فتحل الحياة السياسية محل حال الطبيعة.
ج- من هذا التعاقد يلزم وجوب الصدق والأمانة وعرفان الجميل والتسامح والإنصاف، والشركة فيما يتعذر اقتسامه، وفض الخلافات بالتحكيم؛ وبالجملة تلزم قواعد تلخص في العبارة المأثورة: "لا تصنع بالغير ما لا تريد أن يصنع الغير بك" لذا كان القانون الخلقي الطبيعي إرادة الله الذي وهبنا العقل المستقيم. وليس يكفي طاعة القواعد ظاهرًا، بل يجب أيضًا طاعتها لذاتها والتشبع بها، فإن القانون الخلقي يقيد الإنسان أمام ضميره. وكل هذا معقول، ولكن هوبس لا يصل إليه إلا بالعدول عن الطبيعة الحسية إلى العقل المستقيم، وليس العقل مما يعترف به المذهب المادي كقوة خاصة لها قيمة خاصة.
د- ويجب أن تكون السلطة العامة مطلقة قوية إلى أبعد حد، بحيث لا يعود الفرد بإزائها شيئًا مذكورًا، ويكون واجبه الخضوع المطلق، وإلا عدنا إلى التخاصم والتنابذ. وفي الواقع يمتنع حد السلطة السياسية فإن مثل هذا الحد يعني الاعتراف بالسلطة المطلقة للفرد أو الأفراد المخول إليهم حق مؤاخذة الحكومة أو خلعها. والملكية خير أشكال الحكومة؛ من مزاياها أن واحدًا فقط قد يجاوز العدل ويسيء الحكم، وأنها تغني عن المنازعات الحزبية، وتصون أسرار الدولة، أما الديمقراطية فما هي إلا أرستقراطية خطباء. ويذهب حق السلطة إلى حد تقرير المعتقدات الدينية والقواعد الأخلاقية، وحسم الخلافات فيها لإقرار النظام. فالدين مخافة القوات غير المنظورة التي تعترف بها الدولة؛ والخرافة مخافة القوات غير المنظورة التي لا تعترف بها الدولة. ودين الدولة واجب محتوم على كل مواطن، والدين بالإجمال ظاهرة طبيعية أصلها الشعور بالضعف، وليس الدين فلسفة ولكنه شريعة، لا تتحمل المناقشة بل تقتضي الطاعة، إلى هذا الحد من
1 / 56