ثم جاء صفي الدين الحلي المتوفى سنة 750ه فنظم بديعيته الذائعة الصيت في مائة وخمسة وأربعين بيتا اشتملت على مائة وواحد وخمسين نوعا، وقد جعل كل بيت منها مثالا لنوع، وربما اتفق في البيت الواحد منها النوعان والثلاثة، والمعتمد منها ما أسس عليه البيت.
وقد اقتصر الصفي الحلي على نظم ما جمعه من الأنواع، وأغفل ما اخترعه هو نفسه منها، وقد شرح بديعيته هذه شرحا مفيدا.
وكان يعاصر الشيخ صفي الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد الهواري الأندلسي فنظم بديعيته على وزن بديعية الحلي ورويها، تعرف ب «بديعية العميان» لأن ناظمها كان مكفوف البصر. ولا يعلم أيهما السابق إلى النظم على هذا الغرار، وإن كان الحلي قد استوفى من الأنواع ما لم يستوفه الأندلسي.
والذي نظنه أن الذي نبه الرجلين إلى سلوك هذا المنهج إنما هو الشيخ شرف الدين البوصيري المتوفى سنة 695ه في قصيدته المشهورة المعروفة بالبردة أو البرأة، فإنها من أبلغ ما كتب في مدح النبي
صلى الله عليه وسلم
وقد اشتملت من البديع على معظم أنواعه، وإن لم يتعمد ناظمها ما تعمده الحلي والأندلسي من بعده من التزام استقصاء الأنواع البديعية، وقد اشتهرت هذه القصيدة في زمن ناظمها اشتهارا طارت على أجنحته شرقا وغربا. ومما يزيد ظننا ترجيحا أن بديعتي الرجلين جاءتا متفقتين مع بردة البوصيري وزنا ورويا وغرضا، فإن القصائد الثلاثة في مدح النبي
صلى الله عليه وسلم
والبوصيري أسبق الثلاثة إلى هذا الغرض، بل هو ابن بجدته وزعيم جماعته، والحلي ومعاصره الأندلسي ليسا المجليين في هذه الحلبة وهي نظم أنواع البديع بهذا الأسلوب البديع، فقد سبقهما الشيخ أمين الدين علي بن عثمان السليماني الأربلي المتوفى سنة 670ه في لاميته التي مطلعها:
بعض هذا الدلال والإدلال
حال بالهجر والتجنب حالي
Halaman tidak diketahui