على أنه إذا أطلقت علوم الأدب فإنما يراد بها العلوم اللسانية، التي لا بد من معرفتها لكل من يتصف بصفة الأديب. ونحن نلخص ذلك في الفصل التالي مع شيء من الإيضاح. (2) إجمال وإيضاح
حدثنا التاريخ أنه عندما أحس أولونا بوقوع بوادر الاضطراب على ألسنة أحداثهم، وشعروا بدبيب اللكنة في حواضرهم وتسرب اللحن إلى أحداثهم؛ عز عليهم ذلك، وخافوا أنهم إذا تركوا الحبل على الغارب يستفحل أمر اللحن والاضطراب في لغتهم، ويتدفق عليها تيار العجمة فيطمس آثارها، فانصرفوا بكل ما لديهم من تفكير إلى وقايتها وصيانتها، وصد ما يعتورها من طوارئ الخلل والاضطراب ، كيف لا وهي لغتهم ولغة دينهم الذي هو سر نهضتهم، وعنوان سيادتهم. ومن ثم بادر علماؤهم إلى تدوينها، وضبط قواعدها، وتقييد مسائلها، وما برحوا ينتقلون في خدمتها من حال إلى حال، حتى استوت لديهم على توالي الأجيال جملة علوم أطلقوا على مجموعها «علوم العربية» أو «علوم الأدب»، فمن هذه العلوم ما يخدم العربية المعربة من حيث ضبط مفرداتها وبيان مدلول كل لفظ من ألفاظها، وهذا ما سموه «علم اللغة» أو «متن اللغة».
ومنها ما يخدمها من جهة معرفة ما يعرض لأبنية كلماتها من الهيئات المختلفة، ومعرفة القواعد التي يستعان بها على معرفة تحويل الأصل الواحد إلى صيغ مختلفة في الهيئات متحدة في المادة، للحصول على معان لا يمكن الحصول عليها إلا بتلك الصيغ، وهذا ما يسمى «علم الصرف» أو «التصريف»، ونريد به ما يشمل علم الاشتقاق.
ومنها ما يعرف به أصول تركيب كلمها، وانطباق هذه التراكيب على المعاني المرادة منها، وما يعرض لأواخر الكلمات بعد التركيب من التغير وعدمه، وهذا «علم النحو».
ومنها قواعد يعرف بها خواص تركيب الكلام، وأسرار بلاغته، وإيراده منطبقا على مقتضى المقام والحال، وهذا هو «علم المعاني» وبعضهم يسميه «علم البلاغة». ومنها قواعد تعين على معرفة إيراد المعنى الواحد بطرق متعددة وتعابير مختلفة في الإيضاح والتبيين، وهذا هو «علم البيان».
ومنها ما يعرف به وجوه تحسين الكلام لفظا أو معنى، وهو «علم البديع»، وبعضهم يسمي هذه العلوم الثلاثة أو الأخيرين منها فقط «علم البيان»، وبعضهم يطلق على الثلاثة «علم البديع».
ومنها ما يبحث فيه عن طرق بيان المقصود بالكلام المنثور كتابة، وعن اختلاف أساليب الكلام باختلاف الموضوعات، وعن الآداب التي ينبغي للكاتب أن يتأدب بها، والمعارف التي يجب أن يتحلى بها وما إلى ذلك، فأطلقوا على هذا «صناعة الإنشاء». وبحثوا عن كيفية تصوير الألفاظ بحروف هجائها، وسموا ذلك «علم الرسم» أو «الخط» أو «الكتابة».
كل هذه العلوم تخدم المنثور من الكلام. ثم انتقلوا إلى المنظوم فبحثوا فيه من وجوه عديدة: بحثوا عن كيفية نظم الشعر، وعن آداب الشاعر، وعن نقد ألفاظ الشعر ومعانيه، وأطلقوا على هذه المباحث «صناعة قرض الشعر».
ثم بحثوا عن ضبط الأوزان التي نظم عليها العرب المعربون، وأسموا مجموع ذلك «علم العروض».
وبحثوا عن أحوال أواخر الأبيات من حيث حروفها، وحركاتها، وسكناتها، ومحاسنها، وعيوبها، وأسموه «علم القوافي».
Halaman tidak diketahui