Kajian dalam Sejarah Sains di Kalangan Arab
بحوث في تاريخ العلوم عند العرب
Genre-genre
ثامنا: منهاج وتطبيق
نعود إلى البيروني والأسس المنهجية التي أرساها لعلم التاريخ ... الحاسة النقدية ... القدرة على الرؤية الشمولية، الاحتكام المتكرر للتعقيل والعقلانية ... هذه الأسس والأبعاد المنهجية انعكست متجلية في تأريخات البيروني ومباحثه الحضارية، فتجاوز مجال التاريخ وكان أيضا في طليعة الأنثربولوجيين ودارسي الحضارات ومؤسسي علم الأديان المقارن.
هذا العلم الأخير تضيق به ذرعا، بل توصد في وجهه أبواب البيئات الحضارية المغلقة والمتزمتة؛ لأنه قد يفتح بابا لأنسنة التجربة الدينية، وبالتالي التجديف والهرطقة. هذا على الرغم من الرؤى الكشفية العميقة التي يتيحها هذا المبحث بشأن تطور الوعي وأصول التجربة الدينية، إن التزم الحدود العلمية والموضوعية، ومما يعطي مؤشرا بالغ الدلالة على مدى تفتح وازدهار وتسامح البيئة الحضارية الإسلامية هي أنها أفسحت المجال لعلم الأديان المقارن. فقد أشار ابن المسعودي إلى شغف أبي بكر الرازي بطبائع البشر في ماضيهم وحاضرهم والتحري عن معتقداتهم ومذاهبهم،
69
لنتذكر إصرارنا على تأثر البيروني به، ثمة أيضا ابن حزم الأندلسي وكتاب عبد الكريم الشهرستاني. «الملل والنحل» ذائع الصيت.
ولكن كتاب البيروني «تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة»
70
ذو مكانة فريدة تجعل البيروني بحق مؤسس علم الأديان المقارن، حتى يندهش «إدوارد ساخاو» من كل تلك الموضوعية التي يتحلى بها عالم مسلم وهو يبحث في العقائد الوثنية وتاريخها، خصوصا وأن هذا الكتاب يسبق كتاب الشهرستاني، ثم إنه لا يقتصر على الملل والنحل، فهو دراسة منهجية فذة بقدر ما هي شاملة.
أشرنا فيما سبق لقدرة البيروني على تأليف عظيم بين تراث الحضارات المختلفة العبرانيين والنصارى، المسلمين، اليونان والمغاربة، الفرس والهنود ... ولأن البيروني ممثل لمسار التقدم العلمي في عصره، فليست قصة العلم إذن خطا مستقيما من اليونان إلى غرب أوروبا، بل هي ميراث أمم شتى. طبعا كان البيروني عميق الاستيعاب لتراث الإغريق، ولكن ما يؤكد عالمية العلم أن الهند التي كانت فاتحة اتصال العرب بالرياضيات والفلك منذ القرن الثاني الهجري، كانت أيضا الرافد الدافق الذي ساهم بقوة في تشكيل عقلية البيروني، فقد مكث فيها سنينا طويلة مصاحبا للسلطان مسعود الغزنوي، وكان على خلاف أبيه محمود الغزنوي الذي أسر العلماء، ومن بينهم البيروني - كما ذكرنا - ولما توفي محمود وتولى ابنه مسعود دعم حكم الإسلام للهند، ودأب مسعود على تكريم وتقريب العلماء عموما، والبيروني خصوصا، فاصطحبه ثلاث عشرة مرة في فتوحاته السبعة عشر للهند. فعمل البيروني طوال هذا على نقل علوم الإسلام والإغريق للهند، وإتقان لغة الهنود السنسكريتية واستيعاب العلوم الهندية ونقل صورة علمية دقيقة عن الهند للمسلمين، في مؤلفات متعددة.
درة حصائل هذا كتابه المذكور «تحقيق ما للهند من مقولة» فقد تعمق في وصف الهند، ليس فقط أرضها ومناخها ومعالمها الجغرافية، بل شمل بالدراسة عادات الهنود وأديانهم - خصوصا عقيدة التناسخ - وشرائعهم وأساطيرهم، ونظام الطبقات الاجتماعية وأزياءهم وأخلاقهم وأنشطتهم الاقتصادية، أنواع الخط وطرق الكتابة والنحو والشعر، الأدب والفنون والحساب والعلوم، ثم علم الفلك عند الهنود والزيج والتقاويم والتنجيم ... فيشبه أحمد أمين هذا بجهود جمعية العلماء الفرنسيين الذين صاحبوا حملة نابليون وأخرجوا موسوعة وصف مصر، على أن البيروني - بتعبير أحمد أمين - كان جمعية وحده. أما مؤرخ العلم المتميز ج. برنال فيشير إلى أن منهج البيروني الاستقصائي في هذه الدراسة لم يبار إلا في القرن التاسع عشر.
Halaman tidak diketahui