العلوم والآداب في 300 عام
إذا أراد الكاتب وصف حالة العلوم والآداب قبل 300 عام، يقف يراعه في يده جزعا، ولا يطاوعه للسير على القرطاس. وفي بدء الجيل السابع عشر، كانت تشتم في روسيا رائحة الآداب الغربية، ولكن الغربيين عندما كانوا يكتبون عن روسيا، يصفونها بأنها بلاد نصف آسيوية.
الإمبراطورة إليصابات بتروفنا.
وقد سادت في روسيا مدة طويلة المدارس الدينية التي كانت قلما تبحث عن الحقائق العلمية في غير الكتب المقدسة، ولم يكن في المدارس الأخرى علوم متنوعة، سوى قواعد اللغة والتاريخ، وقد قبضت المدارس الدينية بيدها الحديدية على زمام العلوم والآداب أكثر من مائة عام.
وفي أوائل القرن الثامن عشر، عندما كان الأوروبيون يؤلفون الروايات والكتب المتنوعة، ما كان في روسيا أثر لذلك مطلقا، حتى إن لغتها لم تكن مهذبة في ذلك العصر، وقد أنجبت البلاد في ذلك العصر المظلم، النابغة لومنسوف الذي أصلح اللغة الروسية وهذبها، وبعد مرور 60 أو 70 عاما أخذت الآداب الروسية تتدرج في سلم الرقي، حتى ضاهت اللغات الأوروبية.
وفي سنة الستين والسبعين، نبغ في روسيا كاتبان مجيدان، ونريد بهما دوستويفسكي وتولستوي، ولا سيما هذا الأخير الذي دوى اسمه في سائر أنحاء المعمورة، وقد امتاز هذان الكاتبان بتصوير نفس الإنسان الداخلية وشعوره، ووصف معيشة الناس على اختلاف طبقاتهم، ووصف الخير والشر وصفا مطابقا للحقيقة.
الإمبراطور يوحنا الرابع.
وإذا ألقينا نظرة على مؤلفات بوشكين، وغوغول، وأرباب الأقلام، في العام الخمسين نجد أن الروايات والمؤلفات، تقدمت تقدما سريعا، حتى فاقت الروايات الروسية في موضوعها وآدابها الروايات الفرنسية.
وأما المؤلفات القصصية الروسية في الجيل السابع عشر، فقد كانت منحطة انحطاطا عظيما، وتناولت مواضيع سخيفة، مثل الحكايات الخرافية عن إسكندر ذي القرنين وغيرها من الحكايات والخرافات التافهة التي لا يستخلص الإنسان منها مغزى أدبيا، أو فائدة من الفوائد، وأما الروايات التمثيلية، فقد مثلت أول رواية في مدينة موسكو في مرسح غريغوري في القرن السابع عشر، وهي رواية إستير الدينية، وبعد ذلك نقلت من اللغة الإنكليزية إلى الروسية بعض الروايات التمثيلية، ثم أنشئت بجوار المرسح المذكور أول مدرسة لتدريس فن التمثيل.
وبعد مائة عام رفع سوماروكوف شأن التمثيل الروسي (التياترو)، ولكن الفرق بين تمثيل ذلك العهد، والتمثيل في عهد غريبويديف، وبوشكين، وغوغول، ثم أوستروفسكي واسع جدا. وزائر المراسح الروسية في هذه الأيام يستولي عليه الدهش لبلوغه درجة الكمال. يقولون إنه مهما تقدمت الآداب والعلوم في اللغة الروسية، فلا تبلغ جزءا مما هي عليه في أوروبا، ولكن مرت بعض الأعوام سبقت فيها الآداب الأوروبية، الأمر الذي يدل على استعداد الأمة الروسية، والذكاء المطبوع عليه أفرادها.
Halaman tidak diketahui