213

وقد تحدث الإمام عن مرحلته الجهادية ومعاناته حتى ترك أهله وأولاده لا يعلم عنهم شيئا من أجل الإسلام ورفع الظلم عن كاهل الشعب، فيقول:(من أعظم ما لقيت أني خفت كل أحد، وتفرق أولادي، ولا وجدت من أسأل عنهم، فتوسمت طريقا أعرفها إلى سوق سماه، ويعرف أن أحد أخواله يمضي فيها فمشى في غير الطريق بعد أن قصدها من بعض جبال حجور، ثم توارى في موضع يرى الطريق ومن فيها، وهو لا يرى من الشجر حتى رأى خاله قريب غروب الشمس، وقد عاد من السوق وبعده غيره من أهل السوق، وقد تقدمه كذلك، وهو وحده ماضيا. فقال هذا خالي أنحدر إليه، وأوافيه يخبرني عن أولادي. وكان عليه السلام قد طال شعره، وتقطع ما عليه من الكسوة وفي بدنه عليه السلام قوة وخفة، فلما رآه خاله منحدرا مشمرا ظنه يريده بمكروه وأنه ممن يقطع السبيل، فهرب واشتد، فناديته بصوت غير مرتفع من الخوف ممن بعده وقبله لا يعودون، فلم يلتفت، فقفوت أثره لعلي أدركه قبل غروب الشمس، فلما رآني ازداد هربا وصاح بمن تقدمه أدركوني وهو لانظن إلا أنه قاطع طريق فعدت باكيا، وصرت إلى جبال حجور، ولم يبق لي مأوى (حتى كان يتصل بمن يدنو منه من البدوان فينال منهم الطعام اليسير فيتبلغ به، ولايعرف أحد غير أنه سائح ماض طريقا)، قال (ع): فانقطعت ولم أجد الطعام حتى ظننت أنه الموت، وكان لي في الجبل كهف آوي إليه، وعندي من الكتب شيء، فلما اشتد بي الحال وضعفت طويت ثوبي علي على أنه كفني واستقبلت القبلة وقلت: يارب لا أقدر على شيء أحفظ به بدني، ودعوت بما أمكن، فا شعرت إلا وحيوان يحركني بفمه ففتحت وجهي وإذا بظبي عظيم واقف، فقمت إليه، وعلمت أن الله سبحانه ساقه رزقا لي، وغياثا، فأوثقته بما أمكن من القوة على أنه صيد فإذا هو ساكن لم يتحرك غير أن فتح رجليه وإذا هو أنثى وفيها لبن، فرضعت من لبنها وهي ساكنة حتى شبعت ثم ولت عني وبت بأطيب ليلة وحمدت الله سبحانه.

Halaman 214