ويتراءى لنا ذلك المجتمع المثالي الذي كونه الإمام الهادي (ع) والمتاعب التي واجهها لتكوينه حتى أصبح مجتمعا صادقا متماسكا، متكاملا، ونعرف ذلك السلوك القويم الذي عامل به الإمام (ع) أفراد أمته، والعدالة الاجتماعية التي زرعها في أوساطهم، ويتمثل لنا بوضوح مرة ثانية صورة ذلك المجتمع المثالي الذي أسسه رسول الله (ص) وأنشأ به دولة الإسلام.
إن كل هذا هو الذي جعل القلوب تتعلق به، وتقبل عليه، وأبقت اسمه خالدا مخلدا، ورفعت اسمه كأكبر مصلح في سماء التاريخ، وأهالت عليه هالة من الحب والتقدير في قلب كل مؤمن إلى هذا اليوم وإلى الأبد.
اليمن في عهد المرتضى.. والناصر (ع)
كان مولده سنة (278 ه)، وهو تلميذ والده، وأحد ورثة علمه، ذو عبادة وشجاعة وزهد، لقب بجبريل هذه الأرض، وألف المؤلفات العديدة، مثل: كتاب الإيضاح في الفقه، وكتاب النوازل، وكتاب الإرادة والمشيئة، وكتاب الأصول، وغيرها من الكتب في التفسير والأصول والفقه.
اجتمع الناس إليه بعد موت الإمام الهادي (ع) وطلبوا منه البيعة، فأبى عليهم ذلك، وقال لهم في خطبته المشهورة: «ولسنا رحمكم الله بأبناء دنيا فنتكالب عليها، ولابأهل باطل فنطلب الإمارة والسلطان والأمر والنهي من غير استحقاق وعلى غير جهة رشد وسداد واستقامة وصلاح»، وذكرهم ببيعتهم للإمام الهادي (ع) ونقض أكثرهم للعهود، وتسامح وصبر الإمام الهادي (ع) عليهم، ولكن القوم ألحوا عليه وتذاكروا خطر القرامطة وتوسعهم فقبل عليه السلام وكانت البيعة في شهر محرم سنة (299 ه).
ونهج الإمام المرتضى نهج أبيه (ع) في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والعدل والإنصاف، وجهز الجيوش لقتال القرامطة، وكان متصفا بالشجاعة الفائقة، إذ كان أحد قواد الهادي (ع)، وكان يثبت معه في المعارك عندما ينهزم عنهما الناس.
Halaman 189