Pendidikan dalam Islam: Pendidikan Menurut Pandangan Al-Qabisi
التربية في الإسلام: التعليم في رأي القابسي
Genre-genre
وتمتاز هذه المعيشة المسيحية عن تصوف الهنود. فالبوذية ترمي إلى فناء الفرد ليصل إلى معرفة الحقيقة الكاملة. أما المسيحي فلم يكن يسعى إلى خلاص نفسه فقط ، بل إلى خلاص الإنسانية كلها. لهذا السبب لم ينصرف الرهبان في عزلتهم إلى التأمل فقط، بل كانوا ألسنة تذيع العقيدة وتبشر بالدين. ولهذا السبب أيضا ظهرت المدارس في داخل الأديرة تهيئ الطلبة إلى معيشة الدير.
ولم يجد المسيحيون حرجا في قبول جميع الصبيان من كل طبقة وصناعة يبثون فيهم الدين والعلم.
هذه المدارس الكنسية هي الخلية الأولى التي تفرع منها بنيان التعليم في أوروبا، فنشأت عنها الجامعات والكليات. ومن هذا يتضح لنا السر في احتضان الكنيسة للمدارس، وفي خضوع التعليم للدين.
ولم يخل المنهج الذي كان متبعا في تلك المدارس من تناقض في نظامه، فهناك علوم مدنية تدرس إلى جانب مبادئ الدين؛ لأن عنصر الدين مستمد من المسيحية، والجانب المدني مشتق من الحضارة القديمة.
والجديد الذي جاء مع هذه المدارس المسيحية هو لزوم الطلبة أستاذا بعينه ومكانا بعينه. ذلك أن الطالب في الأزمنة القديمة كان يتلقى العلم على مدرسين مختلفين لا رابطة بينهم، فهو يذهب إلى معلم اللغة يتلقى عليه قواعد النحو والبيان، وإلى عازف القيثارة يتعلم منه الموسيقى، وإلى معلم الخطابة يتعلم فن الفصاحة، وهكذا. لذلك كان الطالب يحشد فنونا من المعرفة لا صلة بينها.
أما المدارس المسيحية فلأنها انتظمت في مكان ثابت واحد فإنها خضعت لتأثير واحد، واتجهت وجهة خلقية واحدة.
ومما يميز هذه المدارس أيضا الصلة الدائمة بين الأستاذ وتلاميذه؛ لأن معيشة التلاميذ كانت معيشة رهبنة داخل الدير.
ولما كان التلميذ في اليونان والرومان يتلقى علومه على مدرسين متباينين لا تجمعهم صلة، وكان كل مدرس يقوم بالتعليم في داره على طريقته الخاصة، لهذا تنافرت المعرفة في ذهن التلاميذ ولم تتجه إلى هدف واحد. فواحد يعلمه القراءة، وآخر يقوم لسانه، وثالث يلقنه الموسيقى، ورابع آداب السلوك، بينما المدرسة المسيحية تتعهد التلميذ تعهدا كاملا. ولم يكن التلميذ في حاجة إلى مبارحة المدرسة، فهو يجد فيها كل ما يطلب، ويقضي فيها حياته، يأكل وينام ويؤدي طقوسه الدينية. وهذا النظام الداخلي من أخص مميزات هذه المدارس الكنسية. بهذا خضع التلميذ لتأثير واحد وانصرف نحو تيار واحد.
وكان الغرض من التعليم قديما تزويد الأطفال بمعلومات معينة، الغاية منها أن تكون زينة يتحلى بها الطفل ليرفع منزلته الشخصية بين أترابه، كما كان الحال في روما والمدن الإغريقية. وكان من السهل أن يتلقى الطفل هذه المعلومات أو العادات من مدرسين مختلفين؛ إذ كان الغرض أن يتزود الطفل بحلية خارجية، لا أن تطبع شخصيته في أعماقها. أما المسيحية فعلى العكس من ذلك؛ فطنت إلى أن إعداد المسيحي الصحيح لا يتم بتزويده ببعض الآراء أو العادات، بل بطبعه بطابع عام يصوغ العقل والإرادة فيرى العالم في ضوء هذه التعاليم. فالمسيحية استعداد نفساني لا ينشأ إلا بتربية خاصة. ولا يتوصل إلى هذه التربية إلا إذا عاش الأطفال في بيئة اجتماعية واحدة يلازمونها زمنا طويلا، حتى تنزل منهم التعاليم المنشودة منزلة الطبع. وهذا هو السر في معيشة التلاميذ معيشة داخلية واحدة.
17 •••
Halaman tidak diketahui