Tarajim Mashahir
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Genre-genre
ثم أخذوا بناصره وعضدوه وبالغوا في تقريبه بالهدايا والرواتب، وفي جملة ذلك راتب مقداره 18000جنيه في العام فضلا عن النياشين والرتب، ولقبوه السير عبد الرحمن خان. وجهزوه بكثير من الأسلحة والمدافع، وجعلوا من مقتضى المعاهدة المبرمة بينهم وبينه أن يمدوه بالمال وينصروه بالرجال عند الحاجة، وأنشئوا له في كابل ترسانة للأسلحة وأمدوه بالعملة والمهندسين، حتى صاروا يعتقدون أنه صنيعهم وخادم مصالحهم. أما هو فلم يكن يعترف بذلك ولا يريد أن يعترف به، بل كان يعتبر نفسه مخالفا لإنكلترا، ويؤيد ذلك أنه أراد أن يرسل سفيرا من قبله يقيم في لندن كما تفعل سائر الدول المستقلة. على أنه كثيرا ما صرح بصداقته لإنكلترا جهارا، ومن جملة ذلك أنه التقى باللورد دوفرين في بندي في ربيع عام 1885 فأعرب الأمير عما في نفسه من الاحترام لجلالة الملكة ورجال حكومتها، وكانوا في وليمة جمعت جما غفيرا من رجال الدولتين، فاستل الأمير عبد الرحمن سيفه من غمده المرصع، ولفظ خطابا قال في ختامه إنه سيقتل عدو إنكلترا بحد ذلك السيف.
ولم يكن جلوسه على كرسي الملك كافيا لتأييد سلطانه فحارب حروبا كثيرة قبل أن استتب الأمر له، من جملتها أن أيوب خان أحد منازعيه ثار في قندهار فأرسل إليه عبد الرحمن جندا عادوا خاسرين، فلم ير بدا من اقتحام الوغى بنفسه فحمل عليه وقهره، ففر أيوب إلى بلاد إيران، وعاد عبد الرحمن وقد سكر بخمر الظفر وحكم رعاياه بعصا من حديد، فنفر الوجهاء منه فساء الظن بهم وخيل له أنهم يتآمرون على خلعه، ولم يهدأ له بال حتى قتل كل من ظنه من أعدائه أو كان وجيها محبوبا يخشى منه على نفوذه. فازداد الناس كرها له ورعبا منه، ولكنهم لم يحركوا ساكنا؛ لما يعلمونه من شدته واستبداده.
على أن ذلك لم يمنع ظهور ثورات أخرى بل ربما كان داعيا لها؛ فإن النازية حاربوه مرارا ولم ينج من مطامعهم إلا بسفك الدماء.
وفي سنة 1888 حاربه ابن عمه إسحاق خان، وكان حاكما في أفغانستان تركستان وسبب حربه أن عبد الرحمن دعاه إلى كابل دعوة ظاهرها حبي، فخاف إسحاق تلك الدعوة؛ لما يعلمه من عاقبة المدعويين قبله فاعتذر عن القدوم، فأعاد الدعوة وتفنن بأساليب التجمل فلم ينخدع إسحاق وظل على عزمه، فاتهمه عبد الرحمن بالعصيان وأنفذ جيشا للقبض عليه فشتته إسحاق وطمع بكابل فحمل عليها، فأسرع عبد الرحمن لملاقاته وحاربه، ففر إسحاق إلى بلاد الروس، وأقام في سمرقند هو وأنصاره تحت رعاية روسيا وحمايتها وهي تنفق عليهم وتبالغ في إكرامهم.
ثم ثار عليه الهرارية بين كابل وهرات، وهم من أهل الشيعة فحاربهم فتعقبوه، ولكنه تغلب عليهم واستتب له الملك ثم أصيب بمرض النقرس، ولا يزال يتردد عليه العام بعد العام حتى ذهب بحياته سنة 1901. (2-1) صفاته وأخلاقه
هو ربعة، ممتلئ الوجه، حاد البصر، متناسب الملامح كما نرى في الرسم. يتكلم الفارسية، والبوسنية، وبعض العربية. قال بعض الذين جالسوه أنه حسن المحاضرة، فصيح الكلام، محتشم صحيح القياس مع مبالغة وإطراء، وتظهر فيه هذه الصفات خصوصا إذا وقف على منبر الخطابة، فإنه يؤثر على سامعيه تأثيرا شديدا، ومن غريب ما يروونه عنه مما يندر في أمراء تلك الأصقاع أنه معتدل المزاج، لا نهم ولا شره، لا يشرب الخمر إلا قليلا، ويكره الأفيون ولا يقبله إلا إذا اشتد به الألم من مرض أو نحوه فيتخذه مسكنا، ولكنه شديد الإعجاب بنفسه، كثير التحدث بما أوتيه من النصر، حتى جعل نفسه قرينا للإسكندر الكبير، فهو يعتقد أنه متصل بهذا الرجل العظيم بحلقات كثيرة تفصل بينهما، لكنها بالية لا يعبأ بها.
ويؤخذ من بعض أحاديثه أنه مطلع على كثير من أخبار الأمم، قوي الذاكرة، وشديد الحذر من الأجانب، فلا يأذن لأحد أن يجتاز بلاده لتجارة أو نحوها إلا في أحوال خصوصية، ولكنه مع ذلك كثير الإكرام للنزيل لا يذخر وسعا في سبيل راحته. (2-2) حكومته
هي ملكية مطلقة، وتقسم مملكته إلى أربع إيالات: كابل، وتركستان، وهرات، وقندهار، وأضاف إليها مقاطعة بدكشان وما يتبعها. يتولى كل ولاة وال يسمونه «حاكما»، وكان يسمى في أيام شير علي خان «نائب» ويتولى القضاء قاض، وبعض المفتين أو المحتسبين وهم الشرطة يجرون على نظامات لو روعيت لم يكن بها بأس.
وأما جنده فقد نظمه شير علي خان سنة 1869 على نظام الجند الأوربي، وكان قد أهمل هذا النظام فأعاده عبد الرحمن، وعنده فضلا عن الجند النظامي عدد كبير من الأهالي، وفيهم الفرسان والمشاة ينجدونه عند الحاجة. أما عدد الجند فلا يمكن تحديده لاختلاف الروايات في شأنه، فقد قدروه سنة 1896 بخمسين ألف ماش تحت السلاح وأربعين كوكبة من الفرسان، وأما سنة 1890 فقد بلغ جند الأفغان 200000 مقاتل، وعنده من الأسلحة النارية ست بطاريات جبلية تجرها البغال، وبطارية تجرها الأفيال، ومراكز الجند في هرات ومزارع الشريف وقندهار وجلال آباد، وتصنع الذخيرة في ترسانة كابل بإدارة بعض الإنكليز، يصنع فيها في كل يوم 10000 فشكة من فشك مارتيني و10000 من فشك سنايدر و15 بندقية، ويصنع فيها مدفعان في كل أسبوع.
شكل 13-4: الأمير عبد الرحمن في أثناء سياحته ببلاد الهند سنة 1885، إلى يمينه دوك كابوت وإلى يساره ماركيز دوفرين.
Halaman tidak diketahui