Tarajim Mashahir
تراجم مشاهير الشرق في القرن التاسع عشر (الجزء الأول)
Genre-genre
منع الحج إلى الحرمين خوفا على قواته من التفريق وتعاليمه من الضياع؛ لعلمه أنها تخالف تعاليم أهل الإسلام، ووضع قصاصا على من يشك في دعوته أو يتردد في تنفيذ أوامره أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، ويكفي لثبوت الدعوى عليه شهادة شاهدين، وقد يكفي أن يدعي علمه ذلك بالوحي. وتأييدا لدعوته أحرق كل كتاب أو ورقة تخالف هذه التعاليم.
شكل 10-12: نقود المهدي.
وقد ضرب المهدي نقودا باسمه ترى صورة قطعة فضية منها بحجمها الطبيعي (شكل
10-12 )، على أحد وجهيها اسم المدينة التي ضربت فيها «أم درمان» وعند أسفل ذلك تاريخ 1304ه، وهي سنة استقلالهم بالأقطار السودانية، وإلى أعلاها رقم واحد يقصدون به السنة الأولي من سلطانهم، وعلى الوجه الآخر ما يشبه الطغراء، يقرأ منها كلمة «مقبول»، كأنهم يريدون بها أن هذه النقود مقبولة عند حكومتهم، وعند أسفل الطغراء يقرأ سنة 5 ربما يقصدون بها السنة الخامسة من ظهور المهدي أو هجرته. (7) دولة الدراويش
هذا ما كان من أمر محمد أحمد المهدي زعيم هذه الثورة، فقد مات وقلبه عالق بما أوتيه من النصر؛ لأنه غرس غرسا ولم يذق ثمر غرسه، فترك تلك الشجرة وقد آن إثمارها لأقوام اختلفوا على اقتسامها، وتوكئوا على أغصانها حتى كادوا يكسرونها؛ فقد تولى التعايشي الخلافة وهو يخاف مناظرة الخليفتين الآخرين ويخشى أحزابهما، على أن الأعمال الحربية ما زالت في بادئ الرأي سائرة بقوة الاستمرار كما كانت على عهد المهدي.
وكان المهدي قد بعث أمراءه على الأنحاء لبث دعوته وتأييد سلطته وحث الناس للمهاجرة إلى أم درمان، فسعى خالد في دارفور فأتم إخضاعها، وسار أبو عنقر (أو أبو عنقة) إلى كردوفان، وكانت قد سلمت إلى المهدي إلا سكان الجبال الجنوبية منها فأخضع بعضهم وبقي البعض مستقلا. أما ما بقي من السودان الغربي من ضفاف النيل الأبيض إلى حدود وداي فقد دانت للمهدي برمتها.
أما في السودان الشرقي فما زالت سنار وكسلا محاصرتين، وقد دافعت حاميتهما دفاعا حسنا حتي اضطرت إلى التسليم، فلم تنقض سنة 1885 حتى بلغ نفوذ المهدي وسلطته جنوبا إلى لادو من مديرية خط الاستواء، ولم يبق من السودان في حوزة الحكومة المصرية إلا سواكن وحدها.
واتفق في أثناء حصار سنار أن القوة المحاصرة لها كانت تحت قيادة الأمير عبد الكريم وهو من أقارب المهدي، فدافعته حامية سنار فأنفذ التعايشي ولد النجومي وهو من أعظم قواد الدراويش، ففتحها في أوغسطس سنة 1885، فبعث التعايشي إلى عبد الكريم أن يأتي هو ورجاله إلى أم درمان، وكان قد أخذ معه لحصار سنار الجنود السودانية بلواء الخليفة الشريف، وهو من أقارب المهدي أيضا، فلما فتحت سنار على يد ولد النجومي، ثم دعي عبد الكريم إلى أم درمان حمل عبد الكريم ذلك من التعايشي محمل الإهانة، له وذاع على الألسنة إذ ذاك أن عبد الكريم قال لو ضمت إليه رجاله ورجال الخليفة الشريف لأخرج الخلافة من يد التعايشي ودفعها إلى الخليفة الشريف؛ لأنه أولى بها من ذاك. فبلغ ذلك الكلام مسمع التعايشي، فبعث إلى أخيه يعقوب وهو عمدته وقائد جنده وأخبره الخبر، وأوصاه أن يكون الجند على استعداد عند وصول عبد الكريم، فلما وصل عبد الكريم لاقاه التعايشي بالتحية والتهنئة وأثنى على ما بذله في حصار سنار ثم شرفه وبعث إلى الخليفتين وسائر الأشراف (أقارب المهدي) فأدخلهم غرفة داخلية، ولما استتب بهم المقام أمر كاتبه فتلا عليهم منشورا كان قد كتبه المهدي في الأبيض يحرض أتباعه به على طاعة التعايشي.
فلما تمت تلاوة المنشور، قال لهم عبد الله: إن عبد الكريم خائن، فأنكروا ذلك عليه ودافعوا عن صداقته وأمانته، فتظاهر بالعفو عنه، ولكنه اشترط إخراج الجنود السودانية من قيادته إلى قيادة أخيه يعقوب، فقبل الشريف وسائر الأقارب بالرغم منهم ثم أشار التعايشي إلى الخليفة علي ولد الحلو بطرف عينه أن يجددوا المبايعة ويمين الطاعة فوضعوا أيديها على القرآن، وأقسموا أن يسلموا الجنود السودانية وأن يحافظوا على الطاعة، ولا ريب أن الشريف ورجاله فعلوا ذلك بالرغم منهم وفي أنفسهم حزازات يودون لو أنهم يذهبون بحياة التعايشي، وكانت تلك الحادثة أمثولة ذات بال أصبح بها مقاوموه مقصوصي الأجنحة لا يستطيعون حراكا ولكنهم حقدوها عليه، وأخذ كل من الفريقين ينظر إلى الآخر بعين الحذر، على أن الظواهر كانت تدل على اتحاد وارتباط متينين. أما التعايشي فما انفك يدعو الناس من الجهات البعيدة للمهاجرة إلى أم درمان ليعمرها ويحشد فيها قوة عظمى يستعملها عند الحاجة.
وفي أثناء ذلك تعدى بعض السودانيين على الأحباش في بلاد الحبشة، وأخربوا كنيسة من كنائسهم، والتجأ المعتدون إلى قلابات، وهي في بلاد الدراويش مما يلي حدود الحبشة، فحماهم حاكم المدينة، فجاء الأحباش بجند كبير تحت قيادة الرأس عادل وأخربوا البلدة وأحرقوها حتى صارت قفرا يأوي إليها الضباع والذئاب، وساقوا الأولاد والنساء أسارى إلى الحبشة، فبلغ التعايشي ذلك، فكتب إلى يوحنا نجاشي الحبشة إذ ذاك أن يرسل الأسرى ويعين الفدية التي يريدها عنهم، ولكنه بعث أيضا يونس أحد قواده بجند إلى قلابات، وأمره أن يحصنها ويقيم فيها حتى يأتيه أمر آخر، وبعث ولد النجومي إلى دنقلا وأبا جرجا إلى كسلا، وكتب إلى عثمان دقنة يؤمره على السودان الشرقي بين كسلا وسواكن؛ أراد بذلك كله أن يثبت سلطته على تلك الأماكن، وأخذ من الجهة الأخرى ينظم حكومته في أم درمان، ففرض ضريبة سماها «فطرة» تدفع بانقضاء عيد الفطر، لا يعفى من دفعها أحد كبيرا كان أو صغيرا، وأخذ في تنظيم المالية وعهد بذلك كله إلى إبراهيم عدلان فوضع أنواع الضرائب واتخذ كل وسيلة يمكنه اكتساب المال بها وفي جملة ذلك تجارة الرقيق.
Halaman tidak diketahui