169

وإن كان فيها ما لا يعرف وجهه على التفضيل أو كان له ظاهر ربما نفرت النفوس عنه وقد مضى تلخيص هذه الجملة وتقريرها في مواضع من كتابنا هذا وبعد فإن الذي جرى منه (ع) كان السبب فيه ظاهرا والحامل عليه بينا جليا أن المجتمعين له من الأصحاب وإن كانوا كثيري العدد وقد كانت قلوب أكثرهم دغلة بعلة غير صافية وقد كانوا صبوا إلي دنيا معاوية وأمراحه من أحب في الأموال من غير مراقبة ولا مساترة فأظهروا له (ع) النصرة وحملوه على المحاربة والاستعداد لها طمعا في أن يورطوه ويسلموه وأحس (ع) بهذا منهم قبل التولج والتلبس فتخلى من الأمر وتحرز من المكيدة التي كادت تتم عليه في سعة من الوقت وقد صرح بهذه الجملة وبكثير من تفصيلها في مواقف كثيرة وبألفاظ مختلفة وقال إنما هادنت حقنا للدماء وصيانتها وإشفاقا على نفسي وأهلي والمخلصين من أصحابي فكيف لا يخاف أصحابه ويتهمهم على نفسه وأهله وهو (ع) لما كتب إلى معاوية يعلمه أن الناس قد بايعوه بعد أبيه (ع) ويدعوه إلى طاعته فأجابه معاوية (لعنه الله) بالجواب المعروف التضمن للمعاطفة منه والمواربة وقال له فيه لو كنت أعلم أنك أقوم بالأمر وأضبط للناس وأكيد للعدو وأقوى على جميع الأهوال [الأحوال] مني لبايعتك لأني أراك لكل خير أهلا وقال في كتابه إن أمري وأمرك شبيه بأمر أبي بكر وأمركم بعد وفاة رسول الله (ص) دعاه ذلك إلى أن خطب بأصحابه بالكوفة يحثهم على الجهاد ويعرفهم فضله وما في الصبر عليه من الأجر وأمرهم أن يخرجوا إلى معسكرهم فما أجابه أحد فقال لهم عدي بن حاتم سبحان الله ألا تجيبون إمامكم أين خطباء المصر فقام قيس بن سعد وفلان وفلان فبذلوا الجهاد وأحسنوا القول ونحن نعلم أن من ظن بكلامه أولى بأن يظن بفعاله أوليس أحدهم قد جلس له في مظلم ساباط وطعنه بمعول

Halaman 170